يأتي موسم الزيتون هذا العام مثقلًا بالأمل والألم، ففي ظلّ الوضع الاقتصادي الصعب والصراع المستمر، يتوقع المزارعون موسمًا زاخرًا بثمار الزيتون، المعروف محليًا بـ"عام الموسم". وعلى الرغم من هذه الوفرة، يواجه مزارعو الجنوب والبقاع تحديات جسيمة، إذ لم يتمكّن الكثير منهم من الوصول إلى أراضيهم بسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل، والفوسفور الأبيض الذي دمّر الأراضي الزراعية، وأدى إلى حرمانهم من قطاف محاصيلهم، فيما استمر الإنتاج في مناطق أخرى مثل الشوف والشمال، حيث يتفاوت سعر صفيحة الزيت بين منطقة وأخرى.
أزمة الجنوب: المحاصيل المحرومة من القطاف
تتعقّد أزمة الزيتون في جنوب لبنان نتيجة القصف المتكرّر الذي حال دون وصول الأهالي إلى أراضيهم لجني المحصول. فالهجمات لم تقتصر على استهداف الحياة اليومية فحسب، بل أثّرت أيضًا على سبل العيش، وخاصةً في القرى الزراعية التي تعتمد على موسم الزيتون مصدرًا رئيسيًا للدخل. لم يكن بمقدور مزارعي الجنوب جمع الزيتون ولا استخراج الزيت، فسبّب ذلك خللًا في التوازن العام للإنتاج وساهم في زيادة الطلب على زيت الشمال والشوف، حيث بدأ الناس بحجز "تنكاتهم" من الزيت مسبقًا تعويضًا عن خسارة إنتاج الجنوب.
وبحسب وزير الزراعة عباس الحاج حسن، تعرّض قطاع الزيتون في الجنوب لخسائر فادحة منذ بداية العدوان الإسرائيلي في 8 تشرين الأول. احترقت في المنطقة حوالى 65 ألف شجرة زيتون تشكّل نحو 22 في المئة من مجمل المحصول الزراعي في الجنوب.
ووفق وزير الزراعة، أنتج لبنان نحو 20 ألف طن من الزيتون سنويًا، في السنوات الأخيرة، كان يصدّر منها 5 آلاف طن إلى الخارج. وعلى المستوى الاقتصادي، تبلغ قيمة موسم الزيتون نحو 40 مليون دولار سنويًا، ومناطقيًا يمثّل موسم الزيتون في القرى الجنوبية مردودًا يُقدّر بنحو 8 ملايين دولار. وهذا يعني أنّ لبنان خسر هذه العائدات نتيجة غياب المحصول الجنوبي. بيد أن المشكلة لا تكمن في خسارة موسم لا يستطيع أهالي الجنوب قطافه بسبب الحرب، بل في كون العدوان الإسرائيلي أدّى إلى إحراق مساحات شاسعة من كروم الزيتون. وسيصبح جزء كبير من الأراضي غير صالح للزراعة مجددًا بسبب القنابل الفوسفورية وغيرها من القنابل التي تحتوي على مواد سامة. وحتّى الآن، لم تتمكن وزارة الزراعة من إجراء إحصاءات دقيقة عن الأضرار الناتجة من استخدام الفوسفور الأبيض في الهجمات، ولم تتمكن من أخذ عينات لتحليل تأثير المواد الكيميائية على التربة والزراعة.
وإلى ذلك، أصبح الجنوبيون يعملون في قطاف الزيتون في المناطق التي لجأوا إليها، وبحسب المعلومات التي حصل عليها "الصفا نيوز" فإنّهم يتقاضون 15 دولارًا عن يوم القطاف في المتن وكسروان والشمال، فيما أجرة العامل السوري تبدأ من 25 دولارًا، وهذا ما يجعل أصحاب كروم الزيتون يلجأون إلى الاستعانة بالجنوبيين لقطاف زيتونهم، بهدف التوفير أولًا، وثانيًا، كونهم يملكون خبرة واسعة لأنهم كانوا هم يرعون أراضيهم ويقطفون زرعها".
وفرة المحصول وتفاوت الأسعار بين المناطق
وعلى الرّغم من ضرب موسم الزيتون في الجنوب، يعدّ الموسم غنيًا بثمار الزيتون في مناطق الشمال والشوف، حيث ينتج المزارعون كميات كبيرة من الزيت، ومع ذلك، اختلفت الأسعار بين المناطق. وبعد جولة "الصفا نيوز" على بعض مزارعي الزيتون في الشمال، تبيّن أنّ متوسط سعر تنكة الزيت 150 دولارًا في قرى البترون وقد يصل إلى 175 دولارًا عند بعض المزارعين.
"ارتفاع الأسعار هذا يعود إلى زيادة تكاليف الإنتاج، لا سيما تكلفة المعاصر وأجر اليد العاملة"، بحسب قول أحد مزارعي الشمال لـ"الصفا نيوز". وفي المقابل، يسعى بعض المزارعين إلى الحفاظ على أسعار معقولة لتصريف الإنتاج وعدم تكديس الزيت. أشار مزارع آخر إلى أنّ "الطلب كثير والخير أكثر، لذلك أفضل عدم رفع أسعاري للحفاظ على المنافسة وعلى زبائني".
تحديات إنتاج الزيت وأثرها على الأسعار
برغم زيادة الإنتاج بنسبة 40 في المئة عن العام الماضي، يعاني المنتجون من زيادة في تكاليف استخراج الزيت في المعاصر، إذ "ارتفعت كلفة عصر الزيتون من 85 سنتًا إلى 90 لكلّ كيلوغرام زيتًا في العام الماضي، ووصل هذا العام إلى دولار لكلّ كيلوغرام، والفرق في السعر يعود الى كلفة اليد العاملة في غربلة الزيتون. هذا العام أصبح السعر دولارًا وكل من يحضر الزيتون مغربلًا الى المعصرة نحسب له سعر التنكة 15 دولارًا بدلًا من 16". بحسب قول صاحب إحدى معاصر الزيتون إلى"الصفا نيوز".
وتابع "منذ 30 يومًا، نعصر كل يوم 5 أطنان من الزيتون، وهذه تنتج نحو طن من الزيت الصافي". أما بالنسبة لبيع الزيت من المعصرة لغير المزارعين، فيقول: "في البدء تمّ تسعير تنكة الزيت بـ130 دولارًا، أي 8 دولارات لكلّ كيلوغرام. لكننا وجدنا أنّ الأسعار أغلى، وتماشيًا مع ذلك أعدنا بيع الزيت بـ150 دولارًا للتنكة الواحدة".
هذه الكلفة تختلف بين المواطن والمزارع، بحسب صاحب معصرة الزيتون الذي يوضح أنه يأخذ زيتًا بدل المال من المزارعين إن أرادوا ذلك. يقول "المزارع يستطيع ان يدفع عن كلّ تنكة كيلوغرامين من الزيت أو ما يوازيهما نقدًا، أي 16 دولارًا، لأنّ كلفة تنكة الزيت للمزارع من المعصرة تبلغ 128 دولارًا".
موسم مشبع بالأمل والمرارة
يبقى موسم الزيتون رمزًا للتمسك بالأرض برغم التحديات. في الشمال والشوف، يستمر الحصاد بحماسة، محققًا طلبًا كبيرًا يملأ الأسواق بفضل وفرة الإنتاج. وفي الجنوب، تنتظر الأراضي عودة أبنائها لإحياء موسم الزيتون الذي أصبح في نظر أصحاب الأرض مرتبطًا بالوجود والكرامة. ومع أنّ العام الحالي هو "عام الموسم" وحصاده وافر، لم تترك الحرب لأهالي الجنوب فرصة للاحتفال بهذا الخير.
ويظل موسم الزيتون هذا العام، وكل عام، شاهدًا على صمود شعب يعيش بين الحاجة إلى البقاء والأمل في أرضه، ومثلًا حيًا على عزم مزارعي لبنان على مواصلة الحياة، مهما كانت الظروف.