يراهن اللبنانيون على الورقة التي وقّعها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لرجل الأعمال اللبناني حسن عباس في مطعمه في ميشيغان، والتي تعهّد فيها وقف الحرب على لبنان، والتي تركت ارتياحًا كبيرًا لدى اللبنانيين الذين يعوّلون على وفائه بالوعد عند تسلّمه مقاليد سلطاته الواسعة، وهذا ينبئ بمدى رهان اللبنانيين على ترامب لإيقاف الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من أربعين يومًا بشكل متواصل والتي كانت الأعنف في تاريخ هذا البلد.
بعدما سُدّت السبل أمامهم لم يجد اللبنانيون سوى الرهان على عودة دونالد ترامب، لا سيما أنّ الإدارة الأميركية الحالية لم تكن إيجابية في التعاطي مع الملفات اللبنانية، وخصوصًا إزاء الحرب الإسرائيلية التي أعلنها رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، والتي لم تتعدّ مطالبتها التقليل من حجم الخسائر.
وتنظر غالبية قيادات الثنائي الشيعي إلى الرئيس الحالي جو بايدن على أنّه يتحمل مسؤولية مقتل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وهذا يعكس تفضيل الرئيس المنتخب دونالد ترامب على بايدن وتحميل الأخير مسؤولية ما حصل في المناطق الشيعية في الجنوب والبقاع والضاحية، وبخاصة أنّ كلّ المساعدات العسكرية للجيش اللبناني تشترط عدم استخدامها ضد إسرائيل، في حين أنّ ما استخدمته إسرائيل من أسلحة شديدة الخطورة تتحمل الإدارة الاميركية مسؤوليتها مباشرة.
مرة جديدة، يجد الثنائي الشيعي نفسه مضطرًا إلى الرهان على الرئيس المنتخب أملًا في وضع حد للحرب الإسرائيلية على لبنان. منذ بدأت وساطة الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين لترسيم الحدود، كان أكثر انحيازًا إلى إسرائيل منه إلى ممارسة دور الوسيط النزيه. ولم يكن في الترسيم البري على أفضل حال، جولات مكوكية ولم ينضج الترسيم إلى أن بدأت الحرب الإسرائيلية على غزة وفتح حزب الله جبهة إسناد غزة من جنوب لبنان. هُجّر سكان المستوطنات على الحدود الشمالية. وجّعت ضربات حزب الله إسرائيل، حضر هوكستين في وساطة فصل لبنان عن غزة مقابل ترسيم الحدود البرية مع إٍسرائيل كصفقة متكاملة. فشلت المساعي، فاشتدّت الحرب على جبهة الإسناد، ثم أعلنت إسرائيل حربها على لبنان. عاود هوكستين مساعيه. قصد فصل الجبهتين وفشل. ألمح إلى الإعمار كبديل في سبيل مساعدة لبنان. وكلّ مرة كان يحمل عرضًا جديدًا، وكان يعود خالي الوفاض إلى أن وقعت الضربات الإسرائيلية المتتالية وتوسّعت الحرب، وكثفت إسرائيل اعتداءتها برًا وجوًا. تسع زيارات للموفد الرئاسي الأميركي تحت عنوان وقف الحرب وتنفيذ القرار 1701 لم تنته إلى اتفاق. وبخلاف كلّ ما أشيع لم يحمل هوكستين في زيارته الأخيرة تفاهمًا أو بنود اتفاق واضحة. حمل مقترحات شفهية ناقشها مع رئيسي البرلمان والحكومة في لبنان وقال إنّه سيعرضها على المسؤولين في إسرائيل ويعود بالجواب. انتقل إلى إسرائيل، لم يوافق رئيس حكومتها على المقترح، فعاد هوكستين الى بلاده خائباً إلّا من أمل المحاولة مجددًا. في آخر زيارة له، وعد بأنّه لن يوقف مساعيه لوقف النار، لكن رفض إسرائيل للمقترحات التي حملها جعلته يعدل عن فكرة زيارة لبنان.
مصادر الثنائي تقول إنّ عودته، إن حصلت قبيل تسلم ترامب مقاليد السلطة، لن تفيد لبنان، وإن كانت السلطة في أميركا هي استمرارية وليست استنسابية. في لبنان تراوح الآراء والتوقعات بين من يستبشر خيراً بعودة هوكستين لاستئناف مساعيه لتطبيق القرار الدولي، وبين من يعتبر عودته مستحيلة قبل تولي ترامب السلطة، وحينئذ لن يكون هوكستين هو الشخص الذي يكلفه الرئيس الأميركي مواصلة مساعيه المتعلقة بوقف النار، خاصّة أنّ هناك مسؤوليات ستسند إلى آخرين للقيام بالمهمة.
كلّ الأمل الموعود متّصل بالرئيس المنتخب الذي يُعرف عنه عدم حبه للحروب، وهو وعدَ يوم فوزه بوقف الحرب. وعلى هذا الأساس، يتوقع مصدر في "الثنائي" أنّ ملف التفاوض صار رهن بداية الإدارة الأميركية عملها، خاصة أنّ نتنياهو لن يسلّف الإدارة الممنتهية ولايتها بدليل مسارعته إلى تهنئة ترامب واصفًا فوزه بـ"العظيم".
وعليه، فإنّ عودة هوكستين مستبعدة كلّيًا، لكنها، وإن حصلت، لن تحمل ما هو جديد بعدما حسم حزب الله موقفه بقول أمينه العام الشيخ نعيم قاسم إنّ حزب الله لا يهتم سواء نجح ترامب أو منافسته كَمَلا هاريس. وإنّ التفاوض لن يكون إلّا وفق شروطه، وإنّ حجم هذه الشروط يحدّدها الميدان.
سلّم الثنائي أمر التفاوض إلى الميدان في جنوب لبنان، على أساس أنّ نتائج هذا الميدان ستجعله، منذ اليوم إلى تسلّم ترامب مقاليد الحكم، في موقع المفاوض القوي على نحو يؤمّن صلابة موقفه أمام الإدارة الأميركية الجديدة.