تعيش مراكز الإيواء في لبنان حالة من الضغط الشديد نتيجة ازدياد أعداد النازحين الفارين من مناطق النزاع، إذ تفتقر هذه المراكز إلى التجهيزات الأساسية التي تضمن بيئة آمنة وصحية للأسر النازحة. فمن مدارس غير مؤهلة إلى نقص كبير في المياه الصالحة للشرب ومرافق الاستحمام، تواجه هذه المراكز تحديات هائلة في تلبية حاجات الأعداد المتزايدة. ومع تردي الأوضاع الاقتصادية والقيود المفروضة على الدعم، تتفاقم المشاكل يومًا بعد يوم، وهذا ما يزيد من معاناة النازحين ويضع البلديات والمنظمات الإغاثية أمام مسؤولية جسيمة لتوفير الدعم في ظل الإمكانات المتواضعة المتاحة. ولعلّ أكثر مراكز الايواء التي تعاني ضغطًا كبيرًا هي في الشمال وجبل لبنان.

واقع الشمال

في هذا لإطار، قال محافظ الشمال رمزي نهرا لـ "الصفا نيوز": "في الشمال 130 مركز إيواء، موزعة على 120 مدرسة و10 مراكز تابعة للمؤسسات الدينية والجمعيات الخيرية، ويبلغ عدد النازحين 14,500 في هذه المراكز، وهنالك 55,000 نازح خارجها".

وأضاف "المنظمات الدولية، مثل اليونيسف وكاريتاس، بالإضافة إلى الجمعيات، تقدم مساعداتها للنازحين داخل مراكز الإيواء وخارجها، وقد وصلت هذه المساعدات من الإمارات وقطر والمملكة العربية السعودية من خلتل الهيئة العليا للإغاثة. وتسلّمت المنطقة من الإمارات ألف حصة غذائية و500 حصة من مستلزمات التنظيف، ستُوزّع على البلديات لدعم النازحين خارج مراكز الإيواء".

وماذا عن الآلية؟ جوابه "تصل المساعدات عبر الهيئة الوطنية للإغاثة، وتُخزن في المستودع المركزي في الكرنتينا، ثم تُوزّع على المحافظين الذين يتولون تنظيم التوزيع خارج مراكز الإيواء وفق جداول أعدّها القائمون على هذه المهمة في البلديات، حيث توزّع وفق الحاجات والكميات المتوفرة. يتسلّم القائم بالمهمة في البلدية الحصص ويوقع على تسلّمها، مع تقديم لوائح أسماء المستفيدين الموقّعة منهم... أمّا داخل مراكز الإيواء، فتتولى المنظمات الإنسانية والصليب الأحمر التوزيع. ورغم ذلك، لا يزال هناك نقص في المواد الأساسية إذ يُعدّ توفير الإيواء لمليون و400 ألف شخص تحديًا كبيرًا بسبب القدرات المحدودة لدى البلديات والجهات الرسمية".

مشاكل مراكز الايواء

في سياق متصل، قالت لـ"الصفا نيوز" د. جوزفين زغيب، العضو في بلدية كفردبيان، ورئيسة "جمعية بيتي" إنّ "أبرز المشكلات التي تواجهها مراكز الإيواء هي أن هذه المراكز ليست مخصصة للإيواء أساسًا، لأنها مدارس مفتوحة، تضم صفوفًا كبيرة جدًا، ولا تتناسب أعداد الحمامات فيها مع أعداد المقيمين. من أكبر المشكلات عدم توفر أماكن للاستحمام،. كما تفتقر مراكز الإيواء التي تُسمى كذلك على الرغم من عدم تجهيزها، إلى أماكن مخصصة للطبخ، وهو أمر ضروري لتجنب انتشار البكتيريا والروائح. في هذه المدارس لا تتوفر مساحات خاصة للطهو".

ومن المشكلات الأساسية أيضًا، أضافت زغيب "عدم وجود أماكن لغسل الملابس، إذ اضطر النازحون لترك منازلهم من دون أن يتمكنوا من جلب الكثير من الملابس. يتعين على العائلات غسل 5 إلى 10 كيلوغرامات من الملابس يوميًا، ويقومون بالغسيل يدويًا، خاصة النساء، في ظل عدم توفر مساحات للنشر، وهذا ما يؤدي إلى نشر الملابس بشكل عشوائي، ويزيد من احتمال انتقال الأمراض والأوبئة. كذلك تفتقر المراكز إلى خصوصية العائلات، إذ يتم تجميع ثلاث أو أربع عائلات في صف واحد، يفصل في ما بينها أحيانًا بأغطية قماشية. هذا الوضع يُفقد الأشخاص راحتهم ويشكل تحديًا كبيرًا من حيث احترام خصوصية كل فرد".

كذلك، "لا تتوفر أماكن للأطفال للدراسة، فليس ثمة إدارة تنظم مراكز الإيواء بشكل مناسب من حيث تحديد أوقات اللعب، وأوقات الدراسة، وأوقات الطهو، والغسيل. وهذا يتطلب إدارة أو مشرفين دائمين، مثل متطوعين أو ممثلين عن جمعيات الإغاثة، لضمان تنظيم المراكز"، بحسب زغيب.

في ما يخص توزيع النازحين، "هنالك مراكز تضم حوالى 60 شخصًا"، تابعت زغيب، "بينما يصل العدد في مراكز أخرى إلى 1200، وهذا يفاقم الوضع ويزيد من احتمال انتشار الأمراض مع ارتفاع الأعداد وتوزيعها العشوائي"، موضحة أن "ثلث النازحين يقيمون في مراكز الإيواء، في حين أن الثلثين الباقيين يقيمون في شقق مستأجرة أو مقدمة إليهم مؤقتًا من السكان المحليين. ومع ذلك، يعاني النازحون في الشقق مشكلات مشابهة لمشكلات مراكز الإيواء، إذ تُقيم ثلاث عائلات أو أكثر في شقة صغيرة من 80 مترًا مربعًا، تتضمن غرفة نوم واحدة وحمامًا ومطبخًا".

وعن المساعدات، قالت زغيب "حتى الآن، إن المساعدات التي تصل محدودة وتأتي من مبادرات فردية أو من جمعيات مثل كاريتاس، والصليب الأحمر اللبناني، والهلال الأحمر اللبناني، وليس هنالك دعم كبير من الجمعيات الدولية. معظم المساعدات من منظمات صغيرة تقدم حرامات أو خيامًا عبر الأمم المتحدة، بينما تظل المبادرات الفردية والجمعيات هي المصدر الأساسي للدعم. علمًا أن وصول بعض المساعدات بطيء، فعلى سبيل المثال، تلقّى مركز يضم 250 نازحًا 40 فرشة و30 حرامًا و10 وسائد بعد أسبوع من إقامة نازحين فيه، ولا تزال هناك حاجات كبيرة للتدفئة والمياه الصالحة للشرب… ".

وأكملت "تقوم الحكومة اللبنانية بجهود تنظيمية عبر خلية أزمة تنسق مع محافظ جبل لبنان، وقائم مقام كسروان والبلديات. كذلك تتولى وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الصحة توفير بعض الخدمات الأساسية لمراكز كاريتاس والمستوصفات العامة، في حين أن أغلب المساعدات تأتي ببطء شديد، وغالبًا لا تغطي حاجات النازحين الأساسية. على سبيل المثال، حصل مركز إيواء كفردبيان على 16 حصة غذائية فقط، رغم أنه يضم 22 عائلة، ولم تتمكن بعض الاُسر من الحصول على حصص غذائية. يُذكر أنّ جمعية مخزومي قدمت بعض الحرامات، وأرسلت هيئة الإغاثة برئاسة مجلس الوزراء 21 حرامًا إضافيًا بسبب برودة الطقس، لكن هذه المساعدات لا تزال غير كافية لتلبية الحاجات العاجلة".

وحذرت زغيب من أنّ "العديد من النازحين يعانون من قلة مياه الاستحمام ومياه الشرب الآمنة، إذ يعتمد بعضهم على مياه الينابيع، التي قد لا تكون صالحة للاستخدام. وهناك من ينامون على فرشة واحدة من دون وسائد أو أغطية كافية، وهذا ما يجعلهم مضطرين إلى التدفئة بملابسهم الشخصية، فيزيد هذا من تعقيد الوضع ويؤكد الحاجة إلى جهود أكثر شمولًا لتلبية حاجاتهم بشكل عاجل".

تعكس أوضاع مراكز الإيواء حجم التحديات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها البلد في ظلّ ازدياد أعداد النازحين وتراجع الدعم الدولي. إن تحسين ظروف هذه المراكز يتطلب تضافر جهود الجهات الحكومية والمنظمات الدولية والمجتمع المحلي، فضلًا عن ضرورة وضع إستراتيجيات مستدامة تسهم في توفير بيئة أكثر أمانًا وكرامة للنازحين. وفي ظل الأزمات المتواصلة، يبقى الأمل معقودًا على حلول جذرية تسعى إلى تخفيف المعاناة وإيجاد مسارات تعزز صمود المجتمع اللبناني وقدرته على تلبية هذه المسؤولية الإنسانية الكبرى.