يرتفع خطر انتشار الأمراض المعدية بشكل كبير في مراكز الإيواء، خصوصًا مع قرب فصل الشتاء، وذلك بسبب تدهور البنية التحتية الصحية والنقص الحاد في المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي، والظروف غير الصحية في مراكز الإيواء المؤقتة وتجمّعات النازحين، والتي تسهم في تفشي أمراض عدة، كالكوليرا والتهاب الكبد والجرب تفشّياً يزيد من الأعباء الصحية والضغط على النظام الاستشفائي.
بحسب الإحصاءات، فإنّ العدد الأكبر من مراكز الإيواء هو في جبل لبنان، الذي يضم 413 مركزاً، من دون احتساب المنازل المستأجرة والفنادق. وتضمّ بيروت 180 مركزاً. ويبلغ العدد 128 في مناطق بقاعية، خصوصاً في زحلة والمناطق المجاورة، وهناك 128 في مناطق شمال لبنان من دون احتساب عكار التي تضم وحدها 109 مراكز. ورُتّبت مراكز في بعض مناطق الجنوب، وأخرى في عدد من مناطق الأطراف. في الحصيلة، هناك 1,132 مركزاً، غالبيتها مدارس رسمية. وقد استطاعت كلّها أن تؤوي 43,800 عائلة حتّى اليوم.
ووفقاً لتقديرات اليونيسيف، نزح أكثر من 300 ألف طفل من منازلهم، وتفتقر الأُسر النازحة إلى إمكان الوصول إلى ما يكفي من مياه وغذاء وبطانيات ولوازم طبية وأساسيات أخرى. وقالت اليونيسيف إنّ "هؤلاء الأطفال يعيشون في كابوس، وهم يتصارعون مع الخوف والقلق والدمار والموت، لما ينجم عن ذلك من صدمات نفسية قد ترافقهم مدى الحياة".
هنا، تجدر الإشارة إلى أنّ هنالك مراكز تضمّ أكثر من 2,000 عائلة، في مساحة ضيقة غير مجهزة بأبسط متطلّبات العيش الكريم، وهذا ما يهدّد بانتشار الأوبئة، وعلى رأسها الجرب والكوليرا.
انتشار الكوليرا
وإلى ذلك، حذَّرت منظمة الصحة العالمية من أنّ خطر تفشّي الكوليرا في لبنان "مرتفع جداً"، بعد تأكيد إصابة أولى بالعدوى البكتيرية الحادة في ظلّ الحرب بين إسرائيل و"حزب الله". وأشارت المنظمة إلى خطر انتشار الكوليرا في صفوف مئات الآلاف من الذين نزحوا مذ صعّدت إسرائيل حملتها العسكرية الجوية في البلاد، وبدأت عمليات برية في الجنوب.
وقال عبد الناصر أبو بكر، وهو ممثل منظمة الصحة العالمية في لبنان، خلال مؤتمر صحافي عبر الفيديو: "في حال وصول الكوليرا إلى النازحين الجدد، قد تنتشر سريعاً".
وأفادت وزارة الصحة بأنّها تثبّتت من حالة محتملة للكوليرا لدى مواطنة لبنانية قصدت المستشفى، وهي تعاني إسهالاً حاداً. وأضافت الوزارة أنّ المريضة من بلدة السمّونية في شمال لبنان.
والكوليرا عدوى حادّة تسبب الإسهال وتنجم عن تناول أطعمة أو شرب مياه ملوثة، وفق منظمة الصحة. أضاف أبو بكر أن المنظمة التابعة للأمم المتحدة حذَّرت من أنّ المرض قد يعاود الظهور في ظلّ "تدهور حالة المياه والنظافة" في صفوف النازحين ومجتمعاتهم المضيفة.
حالات مرض الجرب
عدا الكوليرا، كانت وزارة الصحة قد رصدت بعض حالات مرض الجرب في صفوف النازحين بمراكز إيواء في بيروت، ومحافظة الشمال أيضاً.
ومرض الجرب هو غزو طفيلي تسبّبه حشرات دقيقة تخترق الجلد وتضع البيض، مسبّبةً حكة شديدة وطفحاً جلدياً، بحسب منظمة الصحة العالمية.
في سياق متصل، يشرح الدكتور مارسيل الأشقر، وهو اختصاصي في العلوم المخبرية السريرية، ومدير مختبر مستشفى النيني في طرابلس بشمال لبنان، حيث تقيم أعداد ضخمة من النازحين، أنّ الأمراض المعدية التي تهدد الهاربين من الحرب قد تنتشر نتيجة غياب إجراءات النظافة الشخصية. يقول: "رصدنا نحو 86 حالة جرب بين النازحين في 66 مركز إيواء، أغلبيتها في عكار، والمرض ينتشر بسرعة عالية".
ويضيف الأشقر "انعدام التهوية الصحية وتراجع الحفاظ على النظافة الشخصية وغياب القدرة على تعقيم الملابس والأغطية التي تُستخدم داخل المدارس على درجة حرارة تصل إلى 55 درجة مئوية، وعدم توافر المياه الساخنة في الحمامات بمراكز الإيواء، هذه كلّها عوامل تساهم في انتشار الجرب وغيره من الأمراض الجلدية".
يوضح نقيب أطباء لبنان، الدكتور يوسف بخاش لـ"الصفا نيوز" أنّه "تمّ رصد بعض البؤر في مراكز الإيواء في بيروت، لكن الوضع أصبح تحت السيطرة، بعدما تمكّنت وزارة الصحة من معالجة التفشي عبر توزيع الأدوية اللازمة على النازحين، ومتابعة الحالات بدقة".
ويشير بخاش إلى أنّ "حملة التطعيم ضد مرض الكوليرا من المفترض أن تنطلق مجدداً، كما أنّ الوزارة تدرس إمكان إطلاق حملات تطعيم ضد فيروسات الجهاز التنفسي، مثل الإنفلونزا وكورونا".
الاستعدادات لمواجهة التحديات
تضع المنظمات الصحية، بالتعاون مع السلطات اللبنانية، خطط طوارئ لمواجهة انتشار الأمراض المعدية عبر توفير اللقاحات وتنظيم حملات توعية. كذلك تسعى إلى تعزيز قدرات النظام الصحي لمواجهة التحديات الصحية الجديدة وتأمين المواد اللازمة لضمان النظافة العامة ومنع انتقال العدوى.
وفي هذا الإطار، يقول النائب عبد الرحمن البزري لـ "الصفا نيوز" إنّ "وزارة الصحة وضعت، بالتعاون مع المرافق الصحية والهيئات المتخصصة، خطة لمواجهة تفشي الأمراض نتيجة الاكتظاظ الذي سببه النزوح إلى المناطق الآمنة في البلاد، مثل بلدات في جبل لبنان وشماله، وعملت منذ بداية التصعيد على خطة تضمن تنقّل فرق من الأطباء والممرضين بين مراكز الإيواء لفحص النازحين وتحديد الأمراض التي قد تكون منتشرة في صفوفهم".
وأضاف "هناك فِرق متخصصة تزور دورياً المدارس ومراكز الإيواء لضمان سلامة النازحين، وفحص المرضى منهم، وعزل الذين تظهر عليهم أعراض غريبة".
يبقى أن التحدّي الصحّي في لبنان، اليوم، يتطلّب استجابة سريعة وشاملة، مع ضرورة تعزيز التعاون بين المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية لضمان تقديم الدعم اللازم إلى المرافق الصحية.