تواجه النساء في مراكز الإيواء بلبنان أوضاعاً صعبة إذ يعانين من نقص الخدمات الأساسية، وضعف الحماية، وانعدام الرعاية الصحية والنفسية. يفاقم الوضعان الاقتصادي والاجتماعي معاناتهن، وتغيب آليات الدعم والرقابة التي قد تخفف من هذه المعاناة.

قلق عميق يساور السيدات الحوامل اللواتي نزحن من منازلهن المهددة بفعل الحرب الإسرائيلية إلى مراكز الإيواء. وهنّ يستعددن لاستقبال مواليدهن في ظروف بالغة الصعوبة، صحّياً ومالياً واجتماعياً. وإزاء هذا الواقع، أعرب صندوق الأمم المتحدة للسكان عن قلقه البالغ إزاء سلامة 520 ألف امرأة وفتاة تأثّرن بالحرب في لبنان منذ 27 أيلول، منهن نحو 11 ألف امرأة حامل بحاجة ماسة إلى الرعاية الصحية.

هنا تجدر الإشارة إلى أنّ غالبية النازحين هنّ من النساء والفتيات، أي أنهن يشكّلن نحو 52 في المئة من مجمل أعداد النازحين، بحسب الأمم المتحدة، فيما أشارت أرقام وزارة الصحة إلى استشهاد 560 امرأة وإصابة 2,409 نساء منذ 7 تشرين الأول 2023 إلى الآن. ومن المتوقع أن تضع نحو 1,300 امرأة نازحة مواليدهن خلال الشهر الجاري أو المقبل.

ولا تخفف المساعدات أو الإعلانات الرسمية عن مساعدة هذه الفئات الضعيفة من المجتمع في مراكز الإيواء، من قلق النساء الحوامل. فقد سبق أن أعلنت وزارة الصحة أنّها خصصت خطاً ساخناً (1787-1214) لمرضى غسيل الكلى والسرطان والحوامل للحصول على الاستشفاء اللازم والمغطى 100 في المئة. لكن الأمر أبعد من فكرة الاستشفاء.

قصص معاناة النساء في مراكز الإيواء

في هذا الإطار، شاركت بعض النساء النازحات تجاربهن في مراكز الإيواء، مفضلات عدم الكشف عن أسمائهن. وفي ما يلي بعض هذه القصص التي استمع إليها "الصفا نيوز".

ليلى: رحلة البحث عن الأمان

ليلى، أمّ لثلاثة أطفال، جاءت من قرية على الحدود الجنوبية للبنان. اضطرت لترك منزلها وأخذ أطفالها إلى بيروت بحثاً عن الأمان بعدما اشتدّ القصف على قريتهم. وما إن وصلت إلى مركز الإيواء حتى وجدت أنّ الظروف شديدة الصعوبة. تقول: "الأطفال يبكون ليلاً من الجوع والخوف، ونضطر للاصطفاف طويلاً للحصول على مياه الشرب، وليس هنالك أغطية كافية للتدفئة". وتضيف أنّ الازدحام الشديد وصعوبة الحفاظ على الخصوصية يجعلان الأُسرة تعاني من ضغوط نفسية هائلة، فهي تشعر بالعجز عن تلبية حاجات أطفالها وسط هذه الظروف القاسية.

سعاد: نقص الرعاية الصحية يزيد الألم

سعاد، امرأة مسنة تعاني عدّة أمراض مزمنة، وجدت نفسها بلا دواء أو رعاية صحية كافية في مركز الإيواء. تقول: "أنا بحاجة إلى أدوية لعلاج ضغط الدم والسكري، لكن لا أحد هنا يستطيع مساعدتي في الحصول على العلاج". تعاني سعاد يومياً من تدهور صحتها نتيجة غياب الرعاية الطبية، وتشعر بالعجز لأنّها لا تملك الوسائل اللازمة للتعامل مع أمراضها. حياتها أصبحت محاصرة بالألم الجسدي والمعاناة النفسية، وبدلاً من أن تجد الدعم، تجد نفسها تعاني وحدها.

أمل: أطفالي في حاجة إلى الحماية

أمل، أم لثلاثة أطفال، لجأت إلى مركز إيواء بعدما فقدت منزلها بسبب النزاع. تشعر بالخوف الدائم على أطفالها، خاصةً أنهم يعيشون في بيئة غير مناسبة تماماً للأطفال. تقول: "ليس هنالك مساحة للعب أو للخصوصية، وأخشى على أطفالي من التعرض للأذى أو المضايقات". تشعر أمل بالضعف أمام عجزها عن حماية أطفالها وتوفير بيئة صحية وآمنة لهم، وهي تتمنى لو تستطيع الخروج من المركز لمنحهم حياة أفضل.

جيهان: التهميش والتمييز المجتمعي

جيهان، شابة لبنانية نزحت مع عائلتها إلى مركز إيواء في منطقة بعيدة عن منزلها الأصلي. وهي تعاني من التمييز الاجتماعي، إذ ينظر إليها المجتمع المحلي نظرة سلبية لأنها نازحة، وهذا ما يزيد من شعورها بالعزلة والوحدة. تقول: "أشعر أنني غريبة هنا، الناس ينظرون إليّ كأنني أقل منهم قيمةً، وأجد صعوبة في الحصول على أي دعم مجتمعي". كذلك تجد نفسها منعزلة عن المجتمع، وتعيش بين الجدران التي تمنعها من الانخراط في الحياة بشكل طبيعي.

هالة: الحرمان من التعليم والتمكين الاقتصادي

هالة، شابة في العشرين، كانت تدرس في الجامعة قبل أن تضطر للنزوح. وجدت نفسها في مركز إيواء لا يوفر لها فرص التعليم أو العمل. تقول: "كنت أحلم بأن أكمل دراستي وأن أحقق أحلامي، لكن هنا ليس ثمة فرصة للتعلم أو التدريب". تشعر هالة بالإحباط، فالنزوح جعلها تترك حلمها بالدراسة، وأصبحت غير قادرة على تحسين وضعها الاقتصادي.

اكتظاظ مراكز الإيواء ونقص الموارد

تشير غوى نصر، وهي منسّقة البرامج في منظمة "فيمايل"، إلى اكتظاظ مراكز الإيواء نتيجة نزوح قرابة مليون ونصف المليون شخص، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن. تفتقر هذه المراكز إلى الكهرباء، والمياه، ومرافق الطبخ، ووسائل التدفئة، وهو ما يزيد من صعوبة الحياة فيها. ينعكس هذا الوضع سلباً على الصحة العامة للنساء ويؤدي إلى شعورهن بالضعف أمام التحديات اليومية.

من جهة أخرى، توضح رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة، كلودين عون، أنّ الهيئة بادرت إلى إعداد خطة لتلبية حاجات النساء في إطار تطبيق قرار مجلس الأمن 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن. تسعى الهيئة أيضاً إلى تسهيل تواصل المتبرعين مع مراكز الإيواء بهدف تقديم الدعم اللازم.

ضعف التمويل والبنية التحتية

معظم مراكز الإيواء في لبنان تعاني من نقص كبير في التمويل، وهذا ما يؤثر سلباً في توفير الإقامة الآمنة والخدمات الأساسية. تضطر نساء كثيرات إلى العيش في ظروف غير صحية تفتقر إلى المقومات الضرورية. ورغم الجهود المقدمة، فإنّ غياب الدعم الحكومي الكافي يجعل من الصعب تلبية حاجات النساء، خاصة مع تزايد الأعداد النازحة.

العنف وسوء المعاملة

تشكّل النساء النازحات في مراكز الإيواء هدفاً للعنف بجميع أشكاله، سواء من موظفي المراكز أو من أفراد المجتمع المحيط. وتفتقر المراكز إلى نظم رقابية فعالة، وهذا ما يعرض النساء للخطر ويجعل من الصعب عليهن الشعور بالأمان داخل هذه المرافق. مع تزايد حالات العنف، هناك حاجة ملحة إلى توفير بيئة آمنة لهن، وهو ما تسعى إليه الهيئة الوطنية بالتعاون مع جمعيات محلية لنقل النساء إلى مراكز أكثر أمناً.

كذلك تفتقر مراكز الإيواء إلى خدمات الرعاية الصحية والدعم النفسي الضروريين للنساء النازحات، منعاً لتدهور حالتهن النفسية. تؤكد غوى نصر أنّ الاكتظاظ وسوء الإدارة يعرضان النساء والأطفال للعنف النفسي ويضعف قدرتهم على الشكوى. مع العلم أنّ منظمة "فيمايل" تقدّم خدمات الدعم النفسي للناجيات من العنف، بالإضافة إلى أنشطة رياضية للفتيات من أجل تخفيف التوتر وتعزيز الرفاهية النفسية.

التهميش الاجتماعي ونقص برامج التأهيل

في سياق متصل، تواجه النساء في مراكز الإيواء تمييزاً اجتماعياً، إذ ينظر إليهن المجتمع نظرة سلبية. هذا التهميش يعمّق من عزلتهن ويحدّ من فرصهن في الحصول على الدعم المجتمعي، ويصعب إعادة إدماجهن بعد مغادرة المراكز.

لا تتوفر برامج تأهيل كافية للنساء في مراكز الإيواء، مثل التدريب المهني أو التعليم، وهذا ما يجعل من الصعب تأمين دخل مستدام لهن بعد مغادرة المركز. يترك هذا العجز العديد منهن عرضة للاستغلال الاقتصادي والاعتماد على المساعدات في ظل ظروف صعبة.

من الضروري لفت النظر إلى أنّ أوضاع النساء في مراكز الإيواء في لبنان تتطلّب تدخّلات سريعة وشاملة. إذ يجب توفير بيئة آمنة لهن، وتقديم خدمات الرعاية الصحية والدعم النفسي، وتطوير برامج التأهيل المهني والتمكين الاقتصادي، لتخفيف معاناتهن وتشجعيهن على بناء مستقبل أفضل بعيداً عن النزوح والمعاناة.