يواجه لبنان اليوم تحدّيًا صحيًا كبيرًا نتيجة العدوان الإسرائيلي الذي يضرب مختلف مناطق البلاد، ويؤثّر بشكل مباشر على الخدمات الصحّية. فالتدهور الكبير في البنية التحتية الصحية ونقص الموارد الضرورية يعرّضان حياة الآلاف من المواطنين لخطر حقيقي يفرض على النظام الصحّي ضغوطًا هائلة ويهدد بانهيار الخدمات الصحّية الأساسية، خاصة في أكثر المناطق تضررًا. تتضمن هذه التداعيات المباشرة أضرارًا لحقت بالمستشفيات والمرافق الطبية، ونقصًا حادًا في المستلزمات الطبية والأدوية، وتصاعد الكوارث الإنسانية، وزيادة مخاطر الأمراض المعدية.
تأثّر المستشفيات والمرافق الصحية
ترزح المستشفيات والمرافق الصحية تحت ضغوط هائلة نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر على البلاد، إذ تعرضت مستشفيات عدة لأضرار مباشرة نتيجة القصف، فأدى ذلك إلى خروج أكثر من 13 مستشفى عن العمل جزئيًا أو كليًا. وأفضى انقطاع الخدمات الأساسية، كالكهرباء والمياه، إلى صعوبة تلبية الحاجات الصحية، خاصة في المناطق المتضررة. عدا أنّ هناك نقصًا كبيرًا في المعدات الطبية والأدوية حدّ من القدرة على معالجة الجرحى وتقديم الخدمات الصحية الأساسية، خصوصًا في المناطق النائية كبعلبك والهرمل، حيث تسبب ضعف الإمكانات في تأخّر انتشال الجثث من تحت الأنقاض.
نقص المعدات الطبية والأدوية وخطوات الدعم
تشير التقارير إلى وجود نقص حاد في المستلزمات الطبية الضرورية، مثل أجهزة التنفس والأدوية الأساسية لعلاج الإصابات. في هذا السياق، تسعى منظمات محلية ودولية إلى توفير الدعم اللازم، وتقديم الإمدادات الطبية الطارئة والمساعدات المالية إلى المستشفيات والمراكز الصحية. من المنظمات الدولية التي تقدّم الدعم الهلال الأحمر الدولي ومنظمة الصحة العالمية التي تنسّق الجهود لتقديم الرعاية الصحية الأولية في أكثر المناطق تضررًا.
في هذا الإطار، قال لـ"الصفا نيوز" النائب عبد الرحم البزري "يتحمّل القطاع الصحّي في لبنان العبء الأكبر من تداعيات الحرب العدوانية، وقد تمكّن حتى الآن من استيعاب معظمها عبر معالجة المصابين والاستجابة لحاجاتهم الطبية برغم التحديات الكبيرة".
وأضاف "القطاع الخاص يشكّل 90% من قطاع الصحّة، وهو قطاع كان يعاني مسبقًا من الأزمة الاقتصادية. ومع ذلك، نجح في تقديم نموذج يُظهر قدرة لبنان على الصمود. وعلى الرّغم من إغلاق بعض المستشفيات أبوابها نتيجة الغارات أو بسبب الوضع العام، لا يزال القطاع الصحّي قادرًا على تلبية الحاجات الطارئة واستيعاب أيّ موجة عدوان جديدة. لكنّ هذا لا يعفي الدولة من مسؤوليتها في مساعدة القطاع من خلال دفع المستحقّات وتقديم الدعم، فضلًا عن تخصيص جزء من المساعدات القادمة من الدول الشقيقة للمستشفيات".
الأدوية والأمراض
ويواجه القطاع الصحي تحدّيات في تقديم الرعاية الصحية الأولية، خاصة في مجال الأمراض المزمنة والمستعصية والأمراض المعدية، يقول البزري مضيفًا، لدينا حوالى مليون و500 ألف مواطن نزحوا من منازلهم، و200 ألف في مراكز إيواء غير مهيأة للسكن، وهذا ما قد يسهّل انتشار الأمراض المعدية مع قدوم فصل الشتاء.
مع العلم أنّ الوضع الصحي يتطلّب تعاونًا كبيرًا بين المجتمع المدني والأطباء، بحسب البزري، وحتى الآن، تمّ التعامل مع حالات الإسهال والوقاية من أسبابها، وحالات القمل، والبق، لكن يبقى الخوف من انتشار الفيروسات التنفسية. كما أنّ العديد من الأشخاص غادروا منازلهم من دون أن يحملوا سجلّاتهم الطبية، وهذا ما يعقّد رعاية المصابين بأمراض الضغط والسكري والكلى. في حين يكمن التحدّي الأكبر في استمرار صمود القطاع الصحي في حال توسّع العدوان. إلّا أنّ التجارب السابقة أثبتت قدرة القطاع على التصدّي لتحديات أكبر.
وختم البزري "هناك أدوية عدّة يصعب الآن طلبها للسوق اللبنانية نتيجة تغير طبيعة الطلب، وهذا قد يصعّب تأمين بعضها. من الضروري التعاون بين نقابة الصيادلة ونقابة المستوردين لتلبية حاجة السوق، خصوصًا أنّ حركة التجارة لا تزال قائمة. وقد تضررت بضع صيدليات كانت تحتوي على كميات من الأدوية ويجب تعويضها".
يُذكر أنّ الأدوية مؤمنة في جميع الصيدليات، والمخزون كافٍ لانتفاء وجود حصار اقتصادي على لبنان، بحسب ما جاء في تصريح صادر عن نقابة الصيادلة، في حين أنّ احتمالات حصول حصار اقتصادي لا تزال ضئيلة، وإن حصل لك فهنا يأتي دور الشركات المصنّعة للأدوية في لبنان. علمًا بأنّ العدوان الإسرائيلي سبق أن استهدف مخازن أدوية في الضاحية الجنوبية وجنوب لبنان، وهي، بحسب وزير الصحة، لا تشكّل سوى 2.5 في المئة من المخزون العام. فأكبر مستودعات الأدوية هي في جبل لبنان.
مراكز الرعاية الصحية
على مقلب آخر، تكوّن مراكز الرعاية الصحية الأولية ثقلًا كبيرًا في تحمّل تداعيات الحرب الإسرائيلية على لبنان، وهي "خط الدفاع الأول في القطاع الصحي مع الأهالي النازحين لتأمين الدواء والمستلزمات إلى جانب العيادات النقالة"، وفق ما قاله وزير الصحة فراس الأبيض، الذي لفت إلى وجود "الكثير من التحديات، كالحاجة إلى تأمين كميات أكبر من أنواع محددة من الأدوية، ولا سيما أدوية الأمراض الحادة على عتبة فصل الشتاء، وهو ما تحاول الوزارة تأمينه".
ومع اشتداد وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية، أشار الأبيض إلى أنّ "المساعدات التي يتسلّمها لبنان تقدّم كدعم، ولكن القطاع الصحي بحاجة إلى مساعدة أكبر خصوصًا أنّ لبنان يمرّ بأزمة اقتصادية حادةّ وهي تشكل عائقًا كبيرًا".
وقال إن "تنفيذ الخطّة التي وضعتها الوزارة لموضوع النزوح، جارٍ بالتعاون مع خلايا الأزمة في المناطق"، موضحًا أنّ "الاستعدادات التي كانت قائمة في منطقة إقليم الخروب أثبتت فائدتها إذ تخطّى عدد النازحين في المنطقة 100 ألف".
وأعلن الأبيض أنّ "وزارة الصحة العامة ستطلق بعد يومين برنامجًا من شأنه تغطية خدمات الطوارئ للنازحين في المستشفيات، وهذا ما يجيب عن الكثير من التساؤلات المطروحة في هذا المجال". وتطرّق إلى مسألة تغطية المرضى السوريين بالتعاون مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، والمرضى الفلسطينيين بالتعاون مع الأونروا، موضحًا أنّ "الموضوع في طريقه إلى الحلّ".
وكخطوات استباقية، كشف الأبيض عن "برنامج يتم تنفيذه بالتعاون مع أطباء بلا حدود لإنشاء جناح جديد في مستشفى سبلين يحوي عشرين سريرًا، لرفع الجهوزية في حال ازدياد حاجات النازحين". وأشار إلى أنّ هناك "ثلاثة مستشفيات أساسية في الإقليم هي: سبلين الحكومي ومزبود المركزي وعين وزين، وأن حاجتها إلى الدعم مؤكّدة تحت وطأة الحمل الكبير".
الوضع الإنساني والتوقّعات المستقبلية
مع استمرار العدوان وازدياد عدد الجرحى والنازحين، تزداد المخاوف من حدوث كوارث إنسانية على مستوى الصحة العامة. فالقدرة المحدودة على استيعاب الحالات الطبية الحرجة ونقص الأدوية يعرضان حياة الآلاف للخطر، خاصة مع نقص الخدمات الصحية في المخيمات التي أُنشئَت بشكل مؤقت لإيواء النازحين.
وليس خافيًا أن الهجمات المتكرّرة والدمار المستمر تشكّلان ضغطًا نفسيًا هائلًا على الشباب، إذ يتخبّط الكثير منهم في القلق والخوف وفقدان الأمل. كما أنّ الحروب تؤثر سلبيًا على صحتهم النفسية وتزيد من مضاعفات الاكتئاب والاضطرابات النفسية، وهذا كله قد يؤثر على استقرار المجتمع.
وهنا تأتي أهمية الدور الشبابي في دعم الجهود الإنسانية، إذ يشارك الشباب اللبنانيون بشكل كبير في تقديم المساعدات الإنسانية والطبية إلى المجتمعات المتضررة، عبر التطوع في المنظمات الخيرية ومن خلال المبادرات المستقلة التي توفر الدعم الغذائي والصحي للمتضررين. كذلك يسهمون في نشر الوعي بأهمية دعم القطاع الصحي ومساعدة المصابين، وهذا ما يعكس تضامنهم مع وطنهم واستعدادهم للتضحية في سبيل خدمة مجتمعهم.
إنّ النظام الصحي في لبنان يواجه تحدّيات جسيمة نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر. وتتطلّب هذه الأزمة استجابة فورية وشاملة من المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية. كما يحتاج لبنان إلى دعم حقيقي ومستدام لتعزيز قدرة نظامه الصحي على الصمود وتلبية الحاجات الصحّية المتزايدة، ليس لعلاج الإصابات المباشرة فحسب، بل أيضًا لمنع تفاقم الوضع الصحي العام وتفشّي الأمراض. علمًا بأنّ تضامن المجتمع الدولي ودعمه للبنية التحتية الصحية يمكن أن يسهما في تخفيف المعاناة وتقديم الرعاية الضرورية للمتضررين والمحتاجين.