برغم هول العدوان الإسرائيلي على لبنان، ونتائجه الكارثية على شعبه، من قتلٍ ودمارٍ وتهجيرٍ، وسط ظروفٍ سياسيةٍ واقتصادية صعبةٍ، أعادت إحدى نتائج هذا العدوان إلى الواجهة قضية باتت تهدد وجود الكيان اللبناني، وتركيبته الديموغرافية، وأمنه الاجتماعي، ألا وهي قضية النزوح السوري إلى لبنان، بعد عودة ما يقارب 350 إلى 400 ألف نازحٍ سوريٍ إلى بلده، بحسب تقديرات جهةٍ مدنيةٍ غير رسمية، جرّاء العدوان المذكور، الأمر الذي أسقط الذرائع الخارجية والداخلية، التي كانت تحول دون إتمام عودة النازحين من دول الجوار إلى سوريا، التي قدمت كلّ التسهيلات اللازمة على المعابر الحدودية لتسهيل عبور العائدين السوريين والنازحين اللبنانيين، الذين حظوا بحسن استقبال الجهات الرسمية السورية، التي أمّنت لهم مراكز الاستقبال، وقدّمت إليهم المساعدات اللازمة، برغم الحصار الاقتصادي الجائر المفروض على سوريا.

وتأتي هذه التطورات عقب بروز حركةٍ إقليميةٍ ودوليةٍ نشطةٍ تجاه دمشق، تجلّت من خلال زيارة وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي للعاصمة السورية، ولقائه عدداً من المسؤولين السوريين، في مقدمهم الرئيس بشار الأسد، وتوافق الطرفان على ضرورة تأمين الظروف الملائمة لعودة النازحين السوريين إلى ديارهم، بحسب البيان الرسمي السوري المتعلّق بالزيارة.

دراسةٍ جديةٍ في أروقة الاتحاد الأوروبي لتعيين موفدٍ خاصٍ إلى سوريا

وفي السياق نفسه، جاءت زيارة وزير شؤون المهجرين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية عصام شرف الدين، لدمشق في الأيام الفائتة، إذ عرض مع الجانب السوري لقضية عودة النازحين السوريين إلى بلدهم. وشكر الحكومة السورية على جهودها المبذولة على صعيد استضافة 160 ألف نازح لبنانيّ في مراكز الاستقبال، وتأمين مستلزمات العيش لهم. وكان من المقرر أن يرافق وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار، زميله شرف الدين في الزيارة المذكورة، غير أنّ هذا الأمر لم يحصل ولم تتضح أسبابه، بحسب مصادر رسمية معنية.

وعلى الصعيد الدولي، تسرّبت معلومات عن دراسةٍ جديةٍ في أروقة الاتحاد الأوروبي لتعيين موفدٍ خاصٍ إلى سوريا، في إطار التحركات الجديدة لبعض دول الاتحاد، ولا سيما إيطاليا، بغية تغيير آلية التعامل مع دمشق، بعد أن تسببت السياسات المتّبعة في تفاقم أزمات اللجوء.

وفي إطار متصلٍ، جاءت أخيرًا دعوة سكرتير مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو إلى "مواصلة "إعادة دمج" سوريا في شكلٍ حثيثٍ في البيئة الإقليمية، وتعزيز عودتها إلى الأسرة العربية"، بحسب بيان صدر في ختام زيارة قام بها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، والتقى خلالها الرئيس محمد بن زايد آل نهيان. إذًا، لا ريب أنّ الأجواء الإقليمية والدولية تجاه سوريا، يلفحها "هواء رطب"، فهل تستعيد ثروتها البشرية في المدى المنظور؟

تعتبر مصادر في المعارضة السورية أنّ "عودة النازحين السوريين المقيمين مؤقتًا في لبنان تمّت"، لافتةً إلى أنّ "عدد العائدين إلى ديارهم السورية، عقب العدوان الإسرائيلي على لبنان، يشكّل نحو نصف عدد السوريين الموجودين في لبنان"، ومؤكّدةً أنّ "الأعداد التي يتحدث عنها بعض الفرقاء اللبنانيين، على أنها بلغت أكثر من مليوني نازح، هو كلام مبالغ فيه وغير دقيقٍ على الإطلاق".

وتقول المصادر المعارِضة: "إنّ عودة نحو 400 ألف نازح من لبنان، يعني أنّ العودة تمّت، وبقاء نحو 500 ألف أمر طبيعي، على اعتبار أنّ هؤلاء كانوا في لبنان قبل اندلاع الأحداث السورية في منتصف آذار 2011". وترّجح عودة ما تبقى من النازحين، وليس عودة السوريين المقيمين في لبنان عمومًا، بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي على "وطن الأرز"، مرجّحةً أيضًا "انقطاع المساعدات الدولية عنهم في وقتٍ قريبٍ"، تختم المصادر.

تعقيبًا على ما ورد آنفًا، يدعو مرجع سياسي سوري إلى "مقاربة قضية عودة النازحين من الناحية الإنسانية وليس من الناحية السياسية فحسب"، لافتًا إلى أنّ "عودة مئات آلاف السوريين من لبنان والأردن إلى بلدهم، هو تأكيد على تمسّك سوريا بحقّ عودة أبنائها إلى أرضهم". ويضيف "قد تكون أحيانًا الأسباب التي تحول دون عودة السوريين إلى ديارهم، متعلّقةً بظروف الحياة والعمل، وتلقّي المساعدات، وما شاكل، أو لأن بيوتهم دُمّرت في الحرب، أو احتلّ الإرهابيون قراهم، على سبيل المثال لا الحصر". ويختم: "القضية تحمل بعدًا إنسانيًا وسياسيًا، والقرار السياسي وحده لا يعيد جميع النازحين".