"لا ريب أنّ الحرب التي تدور رحاها في لبنان، تحديدًا في جنوبه، تُعقد عليها مراهنات إقليمية. فالوضع الراهن يشبه إلى حدٍ كبيرٍ الوضع الذي كانت عليه المنطقة إبان الحرب "الإسرائيلية" على لبنان في تموز من العام 2006، بخاصةٍ من حيث المراهنة على نتائجها في عملية إعادة رسم المنطقة، بمعنى آخر إعادة توزيع نفوذ القوى الإقليمية والدولية فيها، أو رسم المقاييس الجديدة"، هذا بحسب رأي مصدر في المعارضة السورية.
وعن مقاربته تشبيه الوضع الراهن بالوضع الذي كان سائدًا في العام 2006، أشار المصدر إلى أنّ "المحور الغربي اتّهم السلطة السورية باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في شباط من العام 2005، وهذا ما أدى إلى عزل سوريا وقتذاك، ولكن بعد صمود حزب الله في مواجهة "إسرائيل" خلال "عدوان تموز"، تبدّل الوضع، وأحال المحور المذكور التحقيق في هذه الجريمة إلى المحاكم الدولية، أي أبعدها عن دمشق"، هذا على سبيل المثال لا الحصر.
أمّا في شأن الوضع المستقبلي في لبنان، فستحاول واشنطن فرض سلام بينه وبين "إسرائيل، يسبق ذلك التفاهم على تثبيت الحدود بينهما، إذا جاءت نتائج الحرب لمصلحتها"، بحسب رأي المصدر.
غير أنّ مجريات الواقع الميداني تؤكّد أنّ حزب الله يواجه الجيش الإسرائيلي بضراوة، وهو لا يزال يطلق صواريخه على الأهداف العسكرية الإسرائيلية، وفقًا لبنك أهداف محدد لديه، بينما استنفد الاحتلال بنك أهدافه. لذا تستهدف طائراته الحربية المواقع المدنية في المناطق ذات الغالبية الشيعية لزيادة الضغط على لبنان وحكومته والبيئة الشيعية، لدفعهم جميعًا إلى الرضوخ للمطالب "الإسرائيلية".
وهنا يطرح السؤال: "هل تجدي نفعًا تلك المحاولات الإسرائيلية، بخاصةٍ تلك التي تهدف إلى الضغط على البيئة الشيعية الداعمة للمقاومة، التي أسهمت بقوةٍ في تعزيز الحضور السياسي للشيعة ليس في لبنان فحسب، بل كذلك على صعيد المنطقة كلها؟". وفي حال رضوخ "الحزب" للشروط الأميركية- الغربية، تحديدًا من حيث تسليم سلاحه، "فمن يضمن عدم ملاحقة الأجهزة الأمنية والقضائية عناصره لاحقًا؟". لذا ليس أمام "الحزب" إلّا القتال والصمود في الميدان، الذي سيحدّد التوازنات السياسية في لبنان والمنطقة أيضًا في المرحلة المقبلة.
وعن دخول حزب الله الحرب، كجبهة إسناد لغزة من جنوب لبنان، والكلام عن توريط لبنان برمّته في هذه الحرب، يؤكّد المصدر السوري المعارض أنّه "عند انتهاء "إسرائيل" من القضاء على "حماس"، إذا تسنّى لها ذلك، ستتوجه مباشرة إلى لبنان في محاولة للقضاء على حزب الله. و"تل أبيب" ليست في حاجةٍ إلى ذريعة، فليس أمام "الحزب" إلّا الدفاع عن نفسه في الظرف الملائم له".
وعن زيارة وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي إلى سوريا في الأيام الفائتة، رأى المصدر عينه أنّ "هدف هذه الزيارة، قد يكون التفاهم على ترتيبات أمنية في المرحلة المقبلة، واحتواء أيّ تصعيدٍ في المنطقة، في حال نشوب حربٍ بين إيران وإسرائيل. عندئذ تبقى كلّ الاحتمالات قائمة، بما فيها اندلاع حربٍ شاملةٍ".
توسّط سوريا لدى إيران، كي لا يكون الأردن ساحة صراعٍ في حال نشوب حرب بين طهران و"تل أبيب"
وفي السياق نفسه، يؤكّد مرجع سياسي في دمشق أنّ "سوريا تقف دائمًا إلى جانب الأشقاء العرب، بخاصةٍ الدول المجاورة لنا"، لافتًا إلى أنّ الحدود السورية-الأردنية أُعيد فتحها، في خريف 2021، نتيجة ضغطٍ شعبيٍ أردنيٍ غير مباشر على الولايات المتحدة. فالأردن في حاجةٍ إلى سد النقص في المياه من سوريا، كذلك كي يعيد تنشيط حركة الترانزيت عبر الحدود، لما تشكّل من مورد مالي يعود للخزينة الأردنية".
أمّا في شأن زيارة وزير الخارجية الأردنية الأخيرة لدمشق، فيبدو أنّ التركيز الأساسي في لقائه كان منصبًّا على توسّط سوريا لدى إيران، كي لا يكون الأردن ساحة صراعٍ في حال نشوب حرب بين طهران و"تل أبيب"، بخاصة أنّ لدى الأردن قواعد عسكرية أميركية، قد تستهدف الطائرات أو الصواريخ الإيرانية إذا اتجهت نحو "إسرائيل"، أو على الأقل، ستقدّم هذه القواعد الدعم اللوجستي إلى "إسرائيل" في الحرب المحتملة، وتفضّل عمّان أن لا تنخرط في أي حربٍ". ويقول المرجع:" إن دمشق دائمًا حاضرة لتكون إلى جانب أشقّائها العرب، وبدورهم، عليهم الاستفادة من العلاقة السورية- الإيرانية".
وفي المناسبة، يستعيد المرجع حدثًا وقع خلال الحرب الإيرانية- العراقية في ثمانينيات القرن الفائت، يوم اتهمت "طهران الكويتَ بأنّها سمحت للطائرات الحربية العراقية باستخدام أحد مطاراتها قاعدة انطلاق لضرب إيران، فهدّدت الكويت، عندئذ تدّخل الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وحذّر السلطات الإيرانية من استهداف الكويت، لأنّ هذا الأمر في حال حصوله سيتحوّل إلى مواجهةٍ بين إيران والدول العربية، بدلًا من أن تكون هذه المواجهة محصورةً بين إيران والعراق"، فكان للأسد الأب ما أراد، وسحبت طهران تهديداتها، بعدما أقنع الأسد الإيرانيين بأنّ إمكان اندلاع مواجهةٍ عربية-إيرانية ليس في مصلحة الطرفين". فهذا مثال على دور سوريا الريادي في المنطقة. ويؤكّد المصدر عينه "حرص دمشق على عدم اندلاع أيّ صراعٍ أو مواجهةٍ بين إيران مع أي دولة عربية، خصوصًا في ضوء تطور العلاقات الثنائية بين سوريا والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة من جهةٍ، كذلك بعد التقارب السعودي-الإيراني، من جهةٍ أخرى ". ويختم: "لن نسمح بنشوب صراع عربي-إيراني".