مرّ عام على حرب 8 تشرين الأول 2023 التي شنتها إسرائيل رداً على عملية طوفان الأقصى التي قامت بها حماس ضد مواقع الاحتلال في غلاف غزة. آثار الدمار والخسائر في لبنان حاضرة بقوة وقد تدحرجت من الجنوب إلى البقاع إلى ضاحية بيروت الجنوبية وصولاً إلى طرابلس في الشمال. تعرّضت البلاد لإحدى أقسى موجات العدوان الإسرائيلي، إذ استهدفت إسرائيل بشكل ممنهج المدنيين والبنية التحتية الحيوية، وهذا ما أثار غضباً واسعاً بسبب انتهاكاتها المتكررة لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية.

الخسائر البشرية والمادية

خلال هذه الحرب، تحوّل استهداف المدنيين إلى ظاهرة متكررة، إذ قُتل العشرات من الأبرياء، بينهم نساء وأطفال. وقُصفت المناطق السكنية بشكل عشوائي، فأدّى ذلك إلى تهجير الآلاف من منازلهم. المستشفيات، التي تعتبر محميات وفق القانون الدولي الإنساني، لم تسلم هي الأخرى من القصف الإسرائيلي. تعرّض بعضها لأضرار جسيمة جعلتها عاجزة عن استقبال الجرحى، واستُشهد عدد من الأطباء والعاملين في مجال الصحة نتيجة استهدافهم المباشر، في مخالفة صريحة لمواثيق جنيف التي تحمي العاملين في القطاع الصحي في مناطق النزاع.

كذلك ارتفعت الإصابات إلى نحو 9 آلاف و678 شخصاً واستشهد 2044 شخصاً، بحسب آخر أرقام وزارة الصحة. من هؤلاء حوالى 106 مسعفين، و130 طفلاً، و270 امرأة. كما سُجّل وجود نحو مليون و200 ألف نازح، وعشرات الآلاف منهم في مراكز الايواء. وتخطى إجمالي النازحين المليون و200 ألف نازح.

وإلى ذلك، تجاوزت خسائر حرب 2024 خسائر عدوان 2006، إذ تقدّر مجمل الخسائر المباشرة وغير المباشرة بـ 13 مليار دولار في حصيلة أولية.

وليس جديدًا القول إنّ همجيّة العدو الإسرائيلي لم يسبق لها مثيل، إذ هناك إصرار على عدم التّمييز بين العسكريّين والمدنيّين، وعلى استهداف أطفال ونساء وأطبّاء ومسعفين ومرضى وصحافيين. 72 طنًا من القذائف ألقيت على الضاحية الجنوبية لبيروت وحدها، فيما منطقة بعلبك سجلت 704 غارات حتى الآن.

ما يحصل يخالف جميع الأعراف والشرائع والقوانين الدولية، وهو انتهاك صارخ لحقوق الانسان، في حين أن المجتمع الدولي يقف متفرّجاً ومكتوف الأيدي، لا بل تدعم الدول الكبرى إسرائيل في مواقفها السياسية وفي تمويلها العسكري.

استهداف المنشآت الدينية والهيئات الإغاثية

لم يقتصر القصف الإسرائيلي على المدنيين فحسب، بل شمل كذلك المنشآت الدينية والمساجد، فأدّى إلى تدمير أجزاء كبيرة منها، وقتل العديد من المصلّين. كذلك استُهدفت الهيئات الإغاثية التي كانت تقدّم المساعدات للمناطق المتضرّرة، فقصفت مقرّاتها ودُمّرت معدّاتها، في انتهاك صارخ للمعايير الإنسانية الدولية التي تفرض حماية العاملين في مجالات الإغاثة الإنسانية.

وفجّرت إسرائيل مسجداً في بلدة يارون، جنوب لبنان، واستهدفت غارات إسرائيلية فريق الإغاثة للدفاع المدني خلال رفع الأنقاض في الضاحية، وفريق إسعاف تابعًا للهيئة الصحية في مرجعيون واستشهد 4 عناصر منه، ومركزًا تابعًا لـ"الهيئة الصّحيّة الإسلامية" في بلدة صديقين في قضاء صور.

وارتكب الطيران الإسرائيلي مجزرة في منطقة الباشورة في بيروت، حيث لم تسلم حتى المقابر من القصف وارتفعت حصيلة الشهداء إلى 9 مسعفين من الهيئة الصحية الإسلامية.

وأصبح العديد من المستشفيات في الجنوب خارج الخدمة، منها مستشفى مرجعيون الحكومي، ومستشفى ميس الجبل الحكومي، ومستشفى بنت جبيل الحكومي، ومستشفى صلاح غندور، وذلك جرّاء العدوان الإسرائيلي.

كذلك استشهد عسكريان من الجيش اللبناني، الأول باستهداف إسرائيلي لموكب من الجيش والصليب الأحمر في مهمة إنقاذ وإخلاء في منطقة الطيبة، والثاني في اعتداء إسرائيلي على نقطة للجيش اللبناني في بنت جبيل .

المناطق المستهدفة

كانت المناطق الجنوبية هي الأكثر تضرراً، إذ تعمّد الجيش الإسرائيلي استهداف بنيتها التحتية الحيوية، من جسور وطرق رئيسية، بهدف قطع الإمدادات. كما تعرضت ضواحي بيروت والبقاع للقصف العنيف الذي يُعدّ انتهاكًا صارخًا لمبدأ التمييز في القانون الدولي الإنساني الذي ينص على ضرورة التفرقة بين الأهداف العسكرية والمدنية.

واستهدفت غارة إسرائيلية معبر المصنع الحدودي خلال نزوح اللبنانيين إلى سوريا، وقطعت الطريق بالاتجاهين فاضطر عدد من النازحين إلى عبور الحدود مشيًا.

انتهاكات إسرائيل للمواثيق الدولية

ما قام به الجيش الإسرائيلي خلال حرب 8 تشرين الأول هو انتهاك واضح لشرائع حقوق الإنسان والمواثيق الدولية.

في هذا الإطار، يشرح لـ "الصفا نيوز" الدكتور عمر نشابة، وهو باحث واستاذ جامعي متخصص بالعدالة الجنائية: "القانون الجنائي الدولي يشمل أربع جرائم أساسية: جريمة الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضدّ الإنسانية، وجرائم العدوان. ويستند هذا القانون إلى نظام روما الأساسي، وهو النظام الذي ينظّم عمل المحكمة الجنائية الدولية التي تختص بالنظر في هذه الجرائم. تعتبر جرائم الحرب مدرجة ضمن اتفاقيات جنيف الأربع وبروتوكولاتها الإضافية، التي تشكل أساس القانون الدولي الإنساني. وتختص اللجنة الدولية للصليب الأحمر بمتابعة احترام اتفاقيات جنيف، وهذا يعني وجود اختصاص مشترك بين المحكمة الجنائية الدولية والصليب الأحمر الدولي".

وتابع نشابة "بالنسبة إلى جريمة الإبادة الجماعية، فقد عُرّفت في نظام روما الأساسي بأنّها كل فعل يستهدف القضاء على شعب قتلاً، أو استيلاد ظروف معيشية قاسية، أو منع الولادات. أمّا جرائم الحرب، فتشمل عدم استهداف المدنيين والمستشفيات، والصحافيين، والمنشآت المدنية، والبنية التحتية، مع مراعاة مبدأ التناسب. وفقًا للقانون الدولي الإنساني، لا يجوز الرد على الهجوم بشكل غير متناسب. على سبيل المثال، إذا استُهدفت منشأة مدنية، فلا يجوز الرد إلا إذا كانت تستخدم لأغراض قتالية، ويجب أن يكون الرد متناسبًا".

"يشمل القانون الدولي الإنساني أيضًا حماية المستشفيات، والأماكن المحمية، والأشخاص المحميين مثل المدنيين الذين لا علاقة لهم بالصراع، والأطباء، والعاملين تحت شارة الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر" بحسب د. نشابة، الذي يضيف "أمّا الجرائم ضد الإنسانية، فتشمل طيفًا واسعًا من الجرائم التي ترتكب ضد كرامة الإنسان ووجوده من دون تمييز بين المدنيين والعسكريين. مثل نظام الأبارتايد الذي يعدّ جريمة ضد الإنسانية، وكذلك الاستهداف الوحشي من دون مراعاة أيّ ضوابط. هذا النوع من الجرائم من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية".

وبعد مرور عام على حرب 8 تشرين الأول، تكبّد لبنان خسائر بشرية ومادية هائلة بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر. ويُعدّ استهداف المدنيين والبنية التحتية، بما في ذلك المستشفيات والمساجد، انتهاكاً واضحاً لأبسط مبادئ القانون الدولي الإنساني. إنّ هذا العدوان لم يكن هجوماً على الأرض والشعب فحسب، بل كان أيضاً تحدياً للمنظومة الإنسانية والقانونية الدولية، وهذا ما يضع المسؤولية على المجتمع الدولي المطلوب منه المحاسبة والعمل على منع تكرار هذه الانتهاكات في المستقبل.