بالأمس، ردّ الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله على الضربة الإسرائيلية. لم يكن الردّ في إطلالته المتلفزة فقط بل كذلك في مواصلة الحزب إطلاق المسيّرات واستهداف مواقع الاحتلال في شمال فلسطين المحتلة بشكل أكبر عما كانت عليه الحال قبل جريمة "البايجرز" وأجهزة الاتصال. بمعنى أنه إذا كان الهدف الإسرائيلي ضرب الحزب لمنعه من مواصلة دعم غزة وإسنادها فتم إحباط الهدف.

أقرّ السيد نصرالله بقوّة الضربة التي تلقّاها الحزب وبيئته وبكونها غير مسبوقة، ولكنّه توقّف طويلاً عند حجم التضامن الوطني العابر للطوائف والذي تخطى الانقسامات السياسية، والخلاف حول خيار مساندة غزة في حرب الإبادة التي تتعرض لها. في خطاب حمل الكثير من العاطفة والتقدير للتضحيات التي يبذلها المقاومون وعائلاتهم، لم يخض الأمين العام للحزب كثيراً في طبيعة الاستهداف أو الجريمة التي ارتكبتها إسرائيل ضد لبنان، معتبراً أنّ "ما جرى في هذين اليومين هو جريمة إبادة جماعية وعدوان كبير على لبنان وشعبه وسيادته وأمنه وجرائم حرب وإعلان حرب"، ومنبّهاَ إلى أنّ "العدو تجاوز في هذا الاعتداء كلّ الضوابط والقوانين والخطوط الحمر". والحديث عن تجاوز الخطوط الحمر من جهة الاحتلال يحمل في طياته ما يوحي أنّ الضوابط التي كانت المقاومة تعمل وفقها وخصوصاً من حيث تجنيب المدنيين العمليات الحربية، قد تكون مدار بحث وإعادة نظر في جدوى الاستمرار فيها.

وبعدما وضع السيد نصرالله ما جرى في سياق المواجهة المستمرّة مع الاحتلال، توجّه إلى رئيس وزراء العدو ووزير حربه بالقول "أنا أقول لنتنياهو ولغالانت ولجيش العدو ولكيان العدو لن تستطيعوا أن تعيدوا سكان الشمال إلى الشمال، لن تستطيعوا أن تعيدوا المستوطنين المحتلين المغتصبين إلى المستعمرات في الشمال، وافعلوا ما شئتم، لن تستطيعوا، هذا تحدٍّ كبير بيننا ‏وبينكم، وهذا قلناه منذ 8 تشرين الأول، والآن على مقربة من انتهاء عام ‏نعيده، نقول إن السبيل الوحيد هو وقف العدوان والحرب على أهل غزة وعلى قطاع ‏غزة، وطبعاً على الضفة الغربية. هذا الطريق الوحيد. غير هذا حل، لا تصعيد ‏عسكرياً وقتل ولا إغتيالات ولا حرب شاملة تستطيع أن تعيد الشمال الى الحدود ‏، إن شاء الله، بل بالعكس ما ستقدمون عليه سيزيد تهجير السكان في الشمال، ‏ويبعد فرصة العودة الآمنة لهؤلاء، وأنتم تعرفون ذلك". وفي هذا السياق جاء موقف نصرالله ليحسم بأن لا تراجع عن تهديد الشمال واستهدافه ما دامت الحرب على غزة مستمرة. أو كما يقال بالعامّية "خيّطوا بغير هالمسلّة".

عدوان كبير وغير مسبوق وسيواجه بحساب عسير وقصاص عادل

ورداً على ما ينشر عن استعدادات لشنّ حرب برّية على جنوب لبنان، قال نصرالله "نحن نتمنّى أن يدخلوا إلى أرضنا ‏اللبنانية، نتمنى ذلك، أتعرفون لماذا؟ لأن مواقعهم على الحدود محصنة جداً ومن ‏النادر أن نرى دباباتهم تتحرك، اليوم بمجرد ما تحركت دبابة قام الإخوان ‏بضربها. الإجراءات التي أقاموها للاختفاء والتخفي والانتقال تجعل من الصعب ‏كشفهم. نحن نبحث عن الجندي والدبابة "بالسراج والفتيلة" في الليل والنهار، ‏ونحتاج إلى جهد معلوماتي وإستخباري يومي لِنحدد أماكن هؤلاء ونستهدفهم، أما ‏إذا أتوا إلينا فأهلاً وسهلاً. ما يعتبره هو تهديد نعتبره نحن فرصة، بل فرصة ‏تاريخية، نتمناها، لأنه أكيد سيكون لها تأثيرات كبرى على هذه المعركة".

ويبقى أهم ما جاء في كلمة نصرالله هو "الكلمة الأخيرة. لا شك أنّ العدوان الذي حصل هو عدوان كبير وغير مسبوق وسيواجه بحساب عسير وقصاص عادل من حيث ‏يحتسبون ومن حيث لا يحتسبون". وعما أسماه "المعركة الجديدة"، قال "دعوني أُغيّر الأسلوب، فلا أتحدث لا عن وقت ولا عن شكل ولا عن ‏مكان ولا عن زمان، أتركوا الموضوع، والخبر هو ما سترون لا ما ستسمعون. هذا ‏حساب سيأتي، طبيعته وحجمه وكيف وأين، هذا بالتأكيد ما سنحتفظ به لأنفسنا وفي ‏أضيق دائرة، لأننا هنا في جزء من المعركة الأكثر دقة وحساسية ‏والأكثر عمقاً وأهمية".

هي الدائرة الضيقة جدّاً التي تملك تفاصيل الردّ على ما جرى في "المعركة الأكثر دقّة وحساسية والأكثر عمقاً وأهمية". باختصار، على أهمية كل ما جاء في كلمة نصرالله، كانت هذه الكلمات في الخاتمة هي التي أشعلت مخيلة الكثيرين في كيان الاحتلال وفي غير مكان من العالم. من يملك أسرار اليوم التالي على العدوان المجزرة؟ ما الذي قصده نصرالله في قوله "الخبر هو ما سترون لا ما ستسمعون"؟ هل كان يخاطب جمهور المقاومة وأولئك الذين استهدفتهم إسرائيل بتفجيرات أصابت عيونهم أم كان يتوجه إلى العدو ويريه لاحقاً حقيقة ما يجري لا ما يقال له؟