يومًا بعد يوم، تمضي العلاقات الثنائية السعودية-السورية قدمًا نحو ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب الكونية على سوريا، في منتصف آذار من العام 2011. وآخر التطورات على طريق عودة العلاقات الطبيعية بين الرياض ودمشق، كان حفلة الاستقبال التي نظّمتها أخيرًا سفارة المملكة العربية السعودية في العاصمة السورية، لمناسبة إعادة افتتاح أعمالها رسميًا في دمشق.
تعقيبًا على ذلك، يؤكّد مرجع دبلوماسي سوري عريق تولّى مهمات دبلوماسية في "المملكة" سابقًا، ولا يزال مطّلعًا على مجريات العلاقات بين البلدين، أنّ "هذه العلاقات، اليوم، باتت أكثر من طبيعية"، واصفًا إيّاها "بالدافئة". وينقل عن المعنيين أنّ "العلاقات المذكورة جيدة، والأمور على ما يرام".
وفي شأن العلاقات السورية-التركية، فالأمر مختلف، ولا يزال بعيدًا كلّ البعد عن العلاقة القائمة بين الرياض ودمشق، بحسب ما تشير كلّ المعطيات المعلومة حتّى الساعة، ويلفت المرجع عينه إلى أنّ "موسكو تبذل جهودًا كبيرةً لتحقيق المصالحة بين سوريا وتركيا، ولكنّ المشكلة لدى الأتراك. فمن بديهيات الأمور إرساء مبدأ الاحترام المتبادل لسيادة الدولتين أرضًا وقرارًا، والحفاظ عليه، كخطوةٍ إلزاميةٍ، وثابتةٍ أساسيةٍ غير قابلةٍ لأيّ نقاشٍ، قبل البحث في شأن المصالح المشتركة بينهما، فتركيا هي التي تحتلّ أراضي سوريةٍ، والمسؤولون الأتراك هم الذين يحاولون التدخّل في الشؤون السورية، تارةً من خلال دعوة القيادة في دمشق إلى استصدار دستور جديد، وطورًا عبر مطالبة هذه السلطات بإشراك "المعارضة الخارجية" في الحكومة السورية"، هذا على سبيل المثال لا الحصر.
"إذًا، فالمشلكة لدى الأترك، وليس لدى السوريين"، يقول المرجع نفسه. ويوضح أنّ "دمشق تسعى إلى عودة العلاقات الطبيعية مع أنقرة على أن تكون مرتكزةً على مبدأ الاحترام المتبادل لسيادة الدولتين، وفقًا للقانون الدولي والأعراف الدولية التي ترعى العلاقات بين الدول، كذلك ترغب في عقد اتفاقات أمنيةٍ مع أنقرة، لحماية أمن البلدين، بخاصةٍ المناطق الحدودية المشتركة بين سوريا وتركيا".
في شأن العلاقات السورية-التركية، فالأمر مختلف، ولا يزال بعيدًا كلّ البعد عن العلاقة القائمة بين الرياض ودمشق...
ويضيف المرجع "لا يمكن أيّ دولة ذات سيادةٍ أن تقبل بالتدخّل في شؤونها الداخلية، لأنّه يشكل اعتداءً على السيادة ". ويختم: "بأن التدخل في النظام السياسي السوري، هو ملك للسوريين فقط. وليس ممكنًا أن تؤقر قرارات صادرة عن الأمم المتحدة، أو عن مجلس الأمن، أو عن سواهما، في هذا النظام، ويبدو أنّ الأتراك بدأوا يسلّمون بهذه الثابتة".
وفي سياقٍ متّصلٍ، تكشف مصادر سياسية واسعة الاطّلاع أنّ "هناك مؤشّرًا واضحًا على التقدم في مسار العلاقات السورية –التركية، بدا جليًا إثر الضغوط التي مارستها السلطات التركية على المسلّحين التابعين لها في بعض مناطق الشمال السوري، لفتح معبر "أبو الزندين" في مدينة الباب في ريف حلب الشمالي، الرابط بين المناطق السورية المطهرة من الإرهاب والواقعة تحت سلطة الشرعية، والمناطق المحتلة مما يسمى "الجيش الوطني" التابع لتركيا، لأنّ هذا يشكّل أمرًا ضاغطًا على الأتراك. فسوريا هي بدورها بوابة الشرق بالنسبة إلى تركيا، وبالتالي فإنّ إعادة فتح المعابر يعبّد الطريق أمام عودة خط الترانزيت بين تركيا والخليج، وهذا يسهم في تعزيز الاقتصاد التركي، ويتضمن أيضًا مصلحة مشتركة مع دمشق. عدا أنّه يفتح المناطق السورية بعضها على بعض، في خطوةٍ تمهيديةٍ لإعادة وصل كلّ الأراضي السورية إحداها بالأخرى، والبدء في عملية إنهاء البؤر الإرهابية والانفصالية الخارجة على سلطة الدولة".
في هذا الإطار، ترى مصادر في المعارضة السورية أنّ "عودة العلاقات الثنائية بين دمشق وأنقرة تمضي ببطء في مسارها نحو ما كانت عليه قبل اندلاع الأزمة السورية في منتصف آذار من العام 2011". وتتفق مع رأي المصادر المذكور أخيرًا على أنّ "فتح معبر "أبو الزندين" هو إحدى الخطوات التمهيدية في مسار "التطبيع" بين سوريا وتركيا".
بالانتقال إلى مسألة الانفتاح الأوروبي على سوريا، الذي استهلّته إيطاليا عمليًا بإعادة فتح سفارتها في دمشق، يكشف مرجع في العلاقات الدولية مقيم في باريس عن أنّ "واشنطن لا تعارض هذا الانفتاح، لا بل أكثر من ذلك، فهي ليست بعيدةً عن ذلك، ولو أنّها لا تزال تفرض العقوبات على دمشق، وتهدّد بتشديدها"، لافتًا إلى أنّ "الاتفاق الذي توصّلت إليه بغداد مع واشنطن في شأن انسحاب قوات الأخيرة من العراق على مدى سنتين، بموافقة إيرانية، قد يشمل القوات الأميركية المنتشرة في سوريا أيضًا".