تُعدّ ملاجئ الحيوانات في لبنان من المؤسسات الحيوية التي تقدّم الحماية والرعاية للحيوانات الضالة والمشرّدة. على الرغم من النيات الطيبة الكامنة وراء تأسيسها، تواجه تحديات كبيرة تعوق قدرتها على تحقيق أهدافها.

أبرز التحديات


تعاني معظم ملاجئ الحيوانات من "نقص التمويل"، بحسب ما صرّحت به لـ"الصفا نيوز" غنى نحفاوي، الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الحيوان، وبيّنت أنّ هذه الملاجئ "تعتمد غالبًا على التبرّعات الفردية أو المساعدات من بعض المنظمات الدولية، إذا كانت هذه الملاجئ جمعيات. ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية، باتت الملاجئ تواجه صعوبة في تلبية الحاجات الأساسية من الغذاء، والرعاية الطبية، والطعوم اللازمة، وحتّى بدل إيجار الأرض التي أُقيم عليها الملجأ".

عدا أنّ الاكتظاظ هو تحدٍّ آخر يؤثّر في جودة الرعاية المقدّمة، تتابع نحفاوي "مع ارتفاع عدد الحيوانات المشرّدة بسبب الإهمال وسوء المعاملة، تمتلئ الملاجئ بسرعة فيتسبّب ذلك في ضغط إضافي على الموارد المحدودة. وهذا ما يؤدّي في بعض الأحيان إلى عدم توفر مكان كافٍ لاستقبال المزيد من الحيوانات المحتاجة".

إضافة إلى ذلك، تعاني هذه الملاجئ نقصًا في التوعية المجتمعية بشأن حقوق الحيوانات وأهمّية تبني الحيوانات الأليفة بدلًا من شرائها. تقول نحفاوي "إنّ الكثير من الناس قد لا يكونون على دراية كاملة بالمسؤولية المترتبة على تربية الحيوانات،وهو ما يزيد من حالات التخلّي عنها".

وفي لبنان، حوالى الـ15 ملجأ للحيوانات، تتابع نحفاوي، "تنتشر على جميع الأراضي اللبنانية، و3 منها تتبع لجمعيات. وعلى الرّغم من وجود الكثير من جمعيات الرفق بالحيوان، لا تتضمن جميعها ملاجئ. ولا تستوفي غالبية الملاجئ الشروط المطلوبة لإيواء الحيوانات، عدا أنّ حالتها سيّئة جدًا. ولو هناك رقابة قانونية، لأُغلقت"، مشيرةً إلى أنّ "معظم الملاجئ تؤوي كلابًا".

وعن المعايير والآليات التي يجب اتباعها لتأسيس ملجأ للحيوانات، أجابت نحفاوي "يجب أولًا الحصول على إذن من البلدية، ورخصة من وزارة الزراعة، ويجب أن يوفّر الملجأ ما يقي الكلاب الحرَّ في الصيف، والبرد في الشتاء (صناديق خشبية، بطانيات)، ووجب أن تكون الأرض غير موحلة في الشتاء، والمياه والطعام متاحين كلّ الوقت. كذلك يجب خصي الذكور وتعقيم الإناث وتوفير اللقاحات الأساسية وإعطاء الحيوانات حبوبًا لمحاربة الديدان".

وعن عدد الحيوانات في كلّ ملجأ، قالت نحفاوي "يجب ألّا يتعدّى الـ100، إلاّ أنّ ذلك يصعب تطبيقه، إذ يتعدّى عدد الكلاب مثلًا في الملجأ الواحد الـ250".

قصص نجاح وتفاني العاملين

برغم هذه التحديات، ثمة قصص نجاح لملاجئ استطاعت إنقاذ عدد كبير من الحيوانات ورعايتها. يعتمد نجاح هذه الملاجئ بشكل أساسي على تفاني العاملين فيها وجهود المتطوعين في تقديم الرعاية اليومية، وتنظيم حملات التبني، والتوعية حول أهمية التعامل الرحيم مع الحيوانات.

ومن هذه القصص، قصة روعة ماضي، التي تملك ملجأ للكلاب في منطقة البقاع، وشاركت قصتها مع "الصفا نيوز"، قالت "أعمل في مجال التعليم، ولكن أحبّ الحيوانات. بدأت القصة قبل أربع سنوات ونصف السنة تقريبًا. كنت في تلك الفترة أكره الكلاب وأخاف منها، ولدي معتقدات غريبة عنها. كنت أراها حيوانات مفترسة إلى أن جلب أخي كلبًا صغيرًا إلى المنزل وبدأ يكبر، فاعتدت فكرة اقتناء كلب وكنت أتابع العديد من الصفحات المخصصة لإنقاذ الكلاب في لبنان. وهالني مدى العنف الذي تعانيه هذه الحيوانات الأليفة".

وأضافت "عندئذ قررت استئجار قطعة أرض صغيرة، وبدأت بإيواء الكلاب، والاعتناء بها، ثم انتقلت إلى أرض أكبر مساحة، والآن لدينا حوالى الـ200 كلب، غالبيتها عانت إمّا من الضرب أو من الرمي بالنار. عندنا 30 كلبًا بلا أطراف".

وعلى الرغم من وصف تجربتها بالناجحة، اعتبرتها "مؤلمة جدًا، بسبب ما يرتكبه البشر بحق هذه الحيوانات".

وكما ماضي، كذلك لحسين حمزة قصّة نجاحه في إيواء الكلاب المشردّة في منطقة الزهراني في جنوب لبنان. يقول لـ "الصفا نيوز": "بدأت الفكرة عندما كنت في أوروبا، إذ فوجئت بطريقة تعامل هذه المجتمعات مع الحيوانات، ومدى أهمية الحيوان في تربيتهم أطفالهم، إذ يعلّمهم كيفية التعاطف مع الكائنات الأضعف منهم. وعند عودتي إلى لبنان، رأيت أنّ هذا الفكر موجود أيضًا في الأديان التي تقول بمبدأ الرحمة".

ويتابع حمزة "وهكذا بدأتُ تأسيس مزرعة للكلاب، وزاد عملي في حرب تموز في الـ2006 بعدما ترك مواطنون حيواناتهم ونزحوا بسبب الحرب. وبدأ الناس يعرفونني، ويرسلون إلي كلابهم، وارتفع عدد الكلاب التي آويتها، وأخذ الأهالي في منطقتي يتذمّرون من الوضع، فانتقلت إلى مكان بعيد وأكبر. إذ تعتبر مسألة إيواء الكلاب حساسة في مجتمعاتنا، التي تتقبّل الحيوانات الأخرى، ولكنها ترفض مزارع الكلاب".

وعن التحديات التي يواجهها، يقول "قلّة التمويل، وكثرة الكلاب التي تحتاج إلى مساعدة"، مطالبًا "البلديات بلعب دور في هذا الإطار".

سبل الحل والتطوير

لمعالجة هذه المشكلات، يجب تعزيز دعم المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية لتوفير التمويل المستدام والمساعدات التقنية. كذلك يجب أن تضطلع الدولة بدور أكثر فعالية من خلال سنّ القوانين التي تحمي الحيوانات وتشدد العقوبات على الذين يهملونها أو يمارسون العنف ضدها.

إنّ التوعية المجتمعية حول "التبني المسؤول"، بدلًا من شراء الحيوانات، تُعدّ من الخطوات المهمة لتقليل أعداد الحيوانات المشرّدة. كذلك يمكن تنظيم حملات إعلامية ومبادرات مدرسية للتوعية المتصلة بأهمية التعامل الرحيم مع الحيوانات وتعزيز ثقافة الرفق بها.

ونوّهت نحفاوي بالمادة 12 من قانون الرفق بالحيوان (الرقم 47/ 2017)، التي تفرض على البلديات تأمين أرض في المشاعات التابعة لها من أجل بناء ملجأ للحيوانات.

يبقى أنّ وضع ملاجئ الحيوانات في لبنان يعكس واقعًا معقدًا يتطلّب جهودًا مشتركة تبذلها الحكومة والمجتمع المدني. وبرغم الصعوبات التي تواجهها، تلبث هذه الملاجئ المكان الوحيد الآمن للحيوانات المتشردة.