أقرّ مشروع خطّة إعادة هيكلة القطاع المالي والمصرفي، إنشاء "مؤسسة مستقلّة لإدارة أصول الدولة"، كسيناريو افتراضي لمعالجة الودائع. ولا سيما الودائع التي تتجاوز 500 ألف دولار، سواء كانت مؤهلة أو غير مؤهلة بحسب التصنيف المعتمد. ويتقاطع هذا الطرح مع تقدم ثلاث كتل نيابية وازنة هي: لبنان القوي والجمهورية القوية والتنمية والتحرير، باقتراحات قوانين تختلف في الشكل وتتشابه في المضمون من حيث الاستفادة من المؤسسات العامة للتعويض على المودعين بعد إعادة تفعيلها وتحويلها إلى رابحة. وبرغم سحب كتلة التنمية والتحرير اقتراحها، فقد بدأت اللجنة الفرعية المنبثقة من اللجان المشتركة درس الاقتراحين المتبقيين، مع ترجيح دمجهما في قانون واحد.

المؤسسة المستقلّة لإدارة أصول الدولة

تفترض الخطّة إنشاء مؤسسة بموجب قانون تتمتّع بالاستقلال المالي والإداري وبالطابع الخاص والشخصية المعنوية، ولا تخضع لأيّ نوع من الوصاية. تُحوّل إلى المؤسسة ملكية أصول الدولة المُتعددة حصراً في القانون، وتكون لها الحصانة السيادية. وتعهد إليها إدارة هذه الأصول عبر إدارة معيّنة، تحرص على زيادة الإنتاجية، وجودة الخدمات التي تقدّمها. وتُسمّي الخطة 15 مرفقاً عاماً، هي:

كهرباء لبنان والامتيازات المستردّة إليها. المؤسسات العامّة للمياه والمصلحة الوطنية لنهر الليطاني والامتيازات المستردّة إليها. شركات الاتصالات ومن ضمنها مؤسسة أوجيرو والهاتف الثابت والبريد. إدارة حصر التبغ والتنباك. المرافئ البحرية والبرية. المطارات. المؤسسة العامة للنقل وسكك الحديد. طيران الشرق الاوسط. الشركات المالية: انترا ومصرف الإسكان ومؤسسة ضمان الودائع. مؤسسة اليسار. مشروع لينور. تلفزيون وإذاعة لبنان. المدن الرياضية ونادي الغولف. منشآت النفط في طرابلس والزهراني. معرض رشيد كرامي في طرابلس.

إقرار القوانين الإصلاحية

نجاح هذه الفكرة يتطلّب، بحسب الخطّة، تطبيق برنامج الإصلاح الذي قدّمته الحكومة اللبنانية في أيلول 2022 تماشياً مع الاتفاقية الموقّعة مع صندوق النقد الدولي على مستوى الموظفين لبناء بيئة تنظيمية سليمة. وهي تفترض أيضاً تحسين مداخيل الدولة اللبنانية لتمكينها من تغطية جزء من حقوق المودعين من دون أيّ تأثير سلبي في واجباتها المتعلّقة بتأمين حقوق المواطنين. ووضع الأسس لنمو اقتصادي مستدام يعيد ثقة المواطن ويحفّز الاقتصاد الشرعي الشامل. وبالتالي، يجب التوافق بين جميع المكونات السياسية على الإسراع في إصدار القوانين المتعلّقة بالبرنامج الإصلاحي ضمن جدول زمني، وانطلاقاً من مؤشرات واضحة تسمح للمواطن والدائن والمستثمر بمتابعته والتحقّق من القرارات والإجراءات المعتمدة.

مصادر التمويل

"تقريش" أفكار المؤسسة لإدارة أصول الدولة، أو ما يعني تحويلها إلى أموال تساهم بردّ جزء من الودائع سيحصل من خلال بناء صندوق مخصّص لاسترداد الودائع يموّل على الشكل الآتي:

- ضريبة بنسبة 17 في المئة على الأرباح الناتجة من تسوية القروض التجارية وغير التجارية بالعملات الأجنبية التي تزيد على 500 ألف دولار أميركي باستخدام الشيكات بالليرة اللبنانية أو الدولار المحلي.

- 20 في المئة من صافي الدخل السنوي لشركة "أصول الدولة القابضة" التي تدير الشركات المملوكة للدولة والممتلكات العقارية للحكومة.

- 1 في المئة من الدخل التشغيلي السنوي للشركة القابضة لأصول الدولة كـ "إتاوات".

- الأموال المستردة من مبادرات حكومية تتصل بمكافحة الفساد.

تقدّر الخطّةُ المبالغَ التي سيجري تسويتها عبر صندوق استرداد الودائع بحوالى 11 ملياراً و866 مليون دولار من الودائع المؤهلة وغير المؤهلة. أمّا في ما يتعلق بطريقة استفادة المودعين أو كيفية استعادة الأموال، فتنصّ الخطة على أنّ صندوق استرداد الودائع يصدر "أوراقاً مالية مشروطة السداد" محدودة المطالبة باسم كلّ مودع يمثّل القيمة الإسمية للوديعة، وهي غير مطلوبة الدفع إلّا عند تحقّق الإيرادات المرتبطة بمشروع إدارة أصول الدولة والإيرادات الأخرى المرتبطة بالصندوق. على أن تكون الأوراق المالية الصادرة، من دون فوائد وقابلة للاستهلاك من خلال الإيرادات التراكمية التي يتلقّاها المودعون على أساس سنوي تمتد 20 عاماً.

الوعود بتأمين التمويل واهية

إذا وضعنا جانباً رفض شريحة غير قليلة من اللبنانيين صندوق استرداد الودائع لكونه يعوّض على قسم من المودعين من حقوق كلّ المواطنين، فإنّه كمن يشتري "سمكاً بالبحر". فعجز مؤسسة الكهرباء المقدّر بأكثر من 40 مليار دولار، يفوق الإيرادات المتواضعة لبقية لمرافق على سنوات وسنوات، هذا من حيث الانتقاد بصورة عامة. أمّا التدقيق أكثر في تكوين عمل المؤسسة المخوّلة إدارة أصول الدولة وطريقته، فيتبيّن، بحسب مقترحات القوانين، أنّها ستتشكل من المنظومة نفسها التي أوصلت البلد إلى الخراب. وستقسّم حتماً على طريقة 6 و 6 مكرر، وستدخل فيها الاعتبارات السياسية والطائفية والمناطقية. وهذه "الخلطة" لا تؤدي إلى غياب الشفافية فحسب، بل أيضاً إلى انعدام القدرة على المحاسبة. وهو الأمر الذي يمكن أن نراه ماثلاً أمامنا من خلال العجز عن توقيف المخالفين من الموظفين الصغار في النافعة والعقارية والكهرباء والجمارك وغيرها من المرافق، لأنّهم محميون سياسياً وطائفياً، فكيف الحال مع مديرين في مؤسسة تدير أكبر المرافق العمومية؟

من جهة أخرى،"فإنّ الموارد المعتمد عليها لتمويل الصندوق مشكوك فيها، فالضريبة بنسبة 17 في المئة على الأرباح المتولّدة من سداد القروض الدولارية بغير قيمتها الحقيقية ستكون عصية على التطبيق"، بحسب مصادر معنيّة، "وإن أقرّت بقانون". والأموال المستردة من مكافحة الفساد تبدو "ضربة في الخيال في ظلّ عرقلة انضمام لبنان إلى اتفاقية التبادل الضريبي، والإقرار الناقص لقانون تعديل السرية المصرفية، وتعطيل الهيئات الرقابية، وعدم تفعيل اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد". أمّا الاعتماد على تخصيص 20 في المئة من صافي الدخل السنوي لشركة "أصول الدولة القابضة" التي تدير الشركات المملوكة للدولة والممتلكات العقارية للحكومة، فإنّه في عداد المرافق الـ 15 المراد إدارتها، هناك على الأقل 8 مرافق خاسرة بقوة أو لم يبقَ لها وجود بالأساس، مثل الكهرباء، وسكك الحديد، والتلفزيون الرسمي، ومعرض رشيد كرامي ومؤسسات المياه الأربع، ومشاريع اليسار ولينور. فيما الرابح من هذه المرافق مردوده متواضع مقارنةً بالمطلوبات. فشركة طيران الشرق الأوسط، مثلاً، لم تحقّق ربحاً يتجاوز المليار دولار على مدى أكثر من عشرين عاماً، وتحديداً منذ العام 2000 برغم الحماية المقدمة لها منذ العام 1969، والاتصالات تحّولت إلى شركات تؤمّن بصعوبة تكاليف تشغيلها بعد رفع التعرفة وتقادم المعدّات وانقطاع الكهرباء. وعليه، فإنّ الاعتماد على هذه المؤسسات من خلال جمعها في مؤسسة واحدة للتعويض عن مبالغ تصل إلى 12 مليار دولار، تبدو غير حقيقية على أرض الواقع وليس في النظرية.

برغم عدم تحميل الخطة الجديدة المصارف أكثر 25 في المئة من مجمل الودائع المتوجب معالجتها، فمن المنتظر أن تلاقي اعتراضاً كبيراً من المصارف والجهات الدولية. فالمصارف تريد تحميل الدولة ومصرف لبنان المسؤولية كاملةً، فيما المجتمع الدولي يخشى على قدرة الدولة القيام بواجباتها التنموية في حال تكريس مبالغ وازنة للتعويض على المودعين. من دون نسيان أنّ هناك ديناً دولياً بقيمة تفوق 40 مليار دولار، ينبغي للدولة معالجته، وديناً آخر بقيمة 16.5 مليار دولار وضعه مصرف لبنان فروقات صرف. فمن أين ستؤمّن جميع هذه الأموال؟ وهل تستطيع دولة مديونة بهذا الحجم الاهتمام بالتنمية وبناء شبكة حماية اجتماعية وتقديم أبسط الخدمات الصحية والتعليمية لمواطنيها؟ إزاء هذه التحديات والمعوقات، يبدو أننا مرّة جديدة أمام طبخة بحص لن تستوي.