زاد الهجوم الذي تبنّاه تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في مدينة زولينغن في غرب ألمانيا، الجمعة، من متاعب الائتلاف الحاكم بزعامة المستشار أولاف شولتس، على أبواب انتخابات إقليمية مهمّة في مقاطعتي ساكسونيا وتورينغن في الأول من أيلول، وفي مقاطعة براندنبورغ في 22 منه. 

نفّذ الهجوم شاب سوري (26 عاماً) من طالبي اللجوء طعناً بسكين، فأسفر ذلك عن مقتل ثلاثة أشخاص وجرح ثمانية آخرين في المدينة الواقعة بمقاطعة شمال الراين-فيستفاليا الأكبر في البلاد، من حيث عدد السكان. 

الاعتداء الذي طرح بقوّة مسألة الهجرة في البلاد، ودفع بشولتس إلى التعهّد "بتسريع عمليات الترحيل للمهاجرين غير الشرعيين"، سارع حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرّف، إلى استغلاله قبيل الانتخابات، وليعطي طروحاته في شأن الهجرة صدقية. 

وحتّى قبل الاعتداء، كانت استطلاعات الرأي ترجّح تصدّر اليمين المتطرّف نتائج الانتخابات للمرّة الأولى في مقاطعتي ساكسونيا وتورينغن، بينما يبلي تحالف يساري متطرّف تقوده الشيوعية السابقة سارة فاغنكنيشت بلاءًا حسناً في الاستطلاعات. ويتذيّل الحزب الاشتراكي الديموقراطي بزعامة شولتس الترتيب بـ6 في المئة فقط من نيات التصويت، وسط شكوك في إمكان اجتياز الشريكين الآخرين في الائتلاف الحاكم، الديموقراطيين الأحرار والخضر عتبة الدخول إلى البرلمانات الإقليمية في المقاطعات الثلاث. 

لا تنحصر المشكلة في عودة "داعش" إلى ألمانيا وأوروبا عموماً متسللاً من بين خيوط الفوضى العالمية، بل هناك الصعود المتواصل لليمين المتطرّف الذي يلعب على وتر الهجرة، ليكسب مزيداً من المكاسب في صناديق الاقتراع. 

قبل أيام من الانتخابات الأوروبية في 9 حزيران الماضي، وقع هجوم آخر بالسكين هذه المرة على يد أفغاني ذي ميول إسلامية متشدّدة في مدينة مانهايم في غرب البلاد، فأدى ذلك إلى مقتل شرطي وإصابة خمسة أشخاص. ولم يتأخّر اليمين المتطرّف في توظيف الاعتداء لتسليط الضوء على قضية الهجرة باعتبارها القضية الأساسية التي تواجه ألمانيا. وحلّ "البديل من أجل ألمانيا" في المركز الثاني في الانتخابات الأوروبية، بعد الاتحاد الديموقراطي المسيحي. 

في أوائل العام الجاري، قاد الائتلاف الحاكم سلسلة من التظاهرات المناهضة لليمين المتطرّف، عقب تكشّف فضيحة مشاركة ممثّلين عن "البديل من أجل ألمانيا" في اجتماع لأحزاب يمينية متطرّفة وذات جذور نازية، وخلصت إلى وضع وثيقة تدعو إلى "عمليات ترحيل جماعي" للأجانب في حال الوصول إلى السلطة. 

والهجرة، هي القضية المركزية لأحزاب اليمين المتطرّف ليس في ألمانيا فحسب، بل أيضاً في فرنسا وإيطاليا وهولندا والمجر وبولندا والنمسا. وهي مشكلة معرّضة للاستفحال كلّما تردّت الأوضاع المعيشية في هذه البلدان، وهذا ما يحمل الناس على صبّ جام غضبهم على المهاجرين باعتبارهم منافسين على الوظائف والتقديمات الاجتماعية. 

وهذه الظاهرة حملت أحزاب اليمين التقليدي أو ذات التوجهات الوسطية على تبنّي أجندات في برامجها الانتخابية مشابهة لما ينادي به اليمين المتطرّف في ميدان الحدّ من استقبال المهاجرين وطالبي اللجوء. 

الانتخابات في المقاطعات الألمانية الثلاث الواقعة في شرق ألمانيا، ستشكّل معياراً للانتخابات على المستوى الوطني العام المقبل...

وفي أوائل آب الجاري، كانت عشرات المدن البريطانية مسرحاً لتظاهرات وأعمال شغب ضد المسلمين والمهاجرين، من قبل جماعات اليمين المتطرف على مدى أيام، وذلك عقب اعتداء قتلت خلاله 3 فتيات في مدرسة لتعليم الرقص طعناً في شمال غربي انكلترا. وزعمت منصّات ومواقع إخبارية محسوبة على أقصى اليمين أنّ المشتبه فيه لاجئ مسلم جاء إلى البلاد العام الماضي، في حين أعلنت الشرطة أنّ المشتبه فيه شاب رواندي عمره 17 عاماً وُلِدَ في كارديف عاصمة ويلز. وتعتبر ظاهرة اليمين المتطرف، التحدّي الأكبر الذي يواجه حكومة العمال برئاسة كير ستارمر التي تولّت السلطة في تموز الماضي. 

والانتخابات في المقاطعات الألمانية الثلاث الواقعة في شرق ألمانيا، ستشكّل معياراً للانتخابات على المستوى الوطني العام المقبل، وسط تزايد المؤشرات على تراجع الحزب الاشتراكي الديموقراطي. 

واعتداء زولينغن يدقّ ناقوس الخطر مجدداً حول احتمال أن تكون ألمانيا هدفاً لهجمات من "الذئاب المنفردة" التي تعمل لمصلحة "داعش". ولم ينس الألمان عملية دهس بشاحنة في سوق لعيد الميلاد بوسط برلين عام 2016، أودت بحياة 12 شخصاً. 

وكانت فرنسا تخشى شنّ التنظيم المتطرّف هجوماً خلال دورة الألعاب الأولمبية بين تموز وآب. 

واعتداء زولينغن هو الثاني الذي ينفّذه "داعش" في أوروبا، بعد هجوم على قاعة للموسيقى قرب موسكو في أيار الماضي، أسفر عن مقتل العشرات.