يلحظ مشروع خطّة إعادة هيكلة القطاع المالي والمصرفي إعادة نحو 16 مليار دولار نقداً، وبالتقسيط المريح، على مدى 11 عاماً. إلّا أنّ المبلغ المعاد يشكّل قرابة 19 في المئة من مجمل الودائع المطلوب معالجتها والبالغة 86 مليار دولار. فماذا عن بقية الودائع وكيف ستعاد إلى أصحابها؟
تقسّم الخطّة الودائع المتبقّية "المؤهلة وغير المؤهلة" التي هي دون عتبة التسوية النقدية قسمين:
الأول، الودائع التي تراوح بين 100 و500 ألف دولار.
الثاني، الودائع التي تفوق 500 ألف دولار.
الودائع التي تراوح بين 100 و500 ألف دولار
بالنسبة إلى القسم الأول، يُعطى المودع "كلٌ على حدة" مبدئياً خيار اعتماد التسوية للودائع الأجنبية المتبقية التي لا تتعدّى 500 ألف دولار. ويتم السداد على أساس شهري بالليرة اللبنانية لمدة 11 عاماً. وتُموّل التسوية بنسبة 100 في المئة من مصرف لبنان بتغطية من الدولة اللبنانية. وتُسدّد الودائع المؤهلة بالليرة على أساس سعر صرف يبلغ 45 في المئة من سعر صرف السوق. فيما تسدد الودائع غير المؤهلة بالليرة على سعر صرف يبلغ 30 في المئة من سعر صرف السوق. وتقدّر الخطة الودائع المؤهلة وغير المؤهلة التي تراوح بين 100 و500 ألف دولار الواجب تسديدها بحوالى 1.9 مليار دولار، أو ما يعادل حوالى 62 مليار ليرة.
الودائع التي تفوق 500 ألف دولار
أمّا في ما يتعلّق بالودائع التي تفوق قيمتها 500 ألف دولار فتُوزّع على ثلاثة إجراءات:
الإجراء الأول، Bail In أي استخدامها في إعادة رسملة المصارف القابلة للاستمرار.
الإجراء الثاني، تسوية جزئية للودائع الكبيرة عن طريق الاستثمار في سندات صفرية - Zero coupon bonds.
الإجراء الثالث، التسوية الجزئية من خلال الصكوك التي يصدرها "صندوق استرداد الودائع".
رسملة المصارف من الودائع
تقدّر الخطّة قيمة الودائع التي ستتحول إلى رساميل المصارف بحوالى 9.4 مليار دولار، وذلك بعد تعيين لجنة الرقابة على المصارف رأس المال الجديد المطلوب، ونسب توزيعه بين المساهمين والمودعين. وتقتضي الخطة استخدام مجموعة الودائع لكبار المودعين الخاضعة لـ"التحويل إلى أسهم" Bail In لاكتتاب نحو 33 في المئة من الأسهم العادية الجديدة المصدّرة. وستُموّل 67 في المئة من الأسهم العادية الجديدة من قبل المساهمين الحاليين من خلال إعادة رسملة جديدة كاملة، مع الأخذ في الاعتبار معالجة الأموال الخاصة العادية الإيجابية المتبقية. كما تخضع نسبة من الودائع للاكتتاب في السندات المرؤوسة غير القابلة للتحويل إلى أسهم عادية وبنسب متفاوتة بين الودائع المؤهلة وغير المؤهلة، بحيث تكون نسب التحويل 1/5 للودائع المؤهلة و1/10 لغير المؤهلة.
بعد هذا الإجراء، تفرض الخطة على المساهمين في المصارف تغطية العجز عن طريق تقديمات نقدية جديدة خلال 3 أشهر. وفي حال عدم تغطية العجز تجري تصفية المصرف أو يُترك القرار للهيئة العليا لتعتمد إجراءات أخرى من أجل إعادة الهيكلة.
الاستثمار في السندات ذات القيمة الصفرية
يحوّل جزء من الودائع المؤهلة وغير المؤهلة المتبقية بقيمة تقارب 3 مليارات دولار إلى سندات صفرية، بحيث يحصل المؤهلون على سندات لمدة 20 عاماً، وغير المؤهلين لمدة 30 عاماً. وتتحمّل الحكومة تكلفة السندات بنسبة 100 في المئة.
صندوق استرداد الودائع
الودائع المتبقّية المؤهلة وغير المؤهلة بقيمة تصل إلى 12 مليار دولار يتمّ تحويلها إلى صندوق استرداد الودائع المزمع إنشاؤه بقانون خاص. يصدر الصندوق "أوراقاً مالية مشروطة السداد" محدودة المطالبة باسم كلّ مودع يمثل القيمة الاسمية للوديعة. وهي غير مطلوبة الدفع إلّا عند تحقّق الإيرادات المرتبطة بمشروع إدارة أصول الدولة والإيرادات الأخرى المرتبطة بالصندوق. ويجب أن تكون الأوراق المالية من دون فوائد وقابلة للاستهلاك من خلال الإيرادات التراكمية التي يتلقاها المودعون على أساس سنوي على مدى 20 عاماً.
اللامساواة واللاعدالة مستمرّتان مهما تنوّعت الخطط
المصرفي جان رياشي يرى أنّ "المبالغ التي يجب مطالبة المصارف ومصرف لبنان بها في الخطة، كان من المفترض أن تكون أكبر بكثير نظراً إلى امتلاك المصارف الموجودات، واختزان المركزي كمية كبيرة من الذهب (تُقدّر بحسب آخر الإحصاءات بحوالى 23 مليار دولار)، الأجدى الاستفادة منها للتعويض عن المودعين. خصوصاً أن تسييل الثروة الذهبية ستدخل السوق وتحرك العجلة الاقتصادية. وبالتالي، تحقق المنفعة العامة، بدلاً من تركها ثروة مجمدة في الدهاليز ومحاطة بـ "تابو" المساس بها".
من الجهة الثانية، فإنّ المبالغ التي ستُجرى ليلرتها من الودائع كبيرة، ومن الممكن أن تشكّل ضغطاً على استقرار سعر الصرف. مع العلم أنّ "الحلول المتاحة لإعادة الودائع أو القسم الأكبر منها قليلة"، من وجهة نظر رياشي. "لأنّ الأموال ببساطة غير موجودة". ومن غير الواضح في الخطة هل يثبت سعر الصرف الذي سيعتمد على أساس 45 في المئة من سعر السوق للودائع المؤهلة، و30 في المئة لغير المؤهلة، على أساس سعر الصرف عند إقرار الخطة للأعوام المقبلة، أم سيُعدّل مع تغيّر سعر الصرف بشكل سنوي أو دوري. وهذا التعويض سيكون كارثياً في حال كان مثبتّاً على أساس سعر الصرف عند إقرار الخطة. ولا سيما مع الاحتمال الكبير لتعرّض سعر الصرف في السنوات المقبلة لمزيد من الانخفاض.
يبقى الشقّ الأهمّ، الشقّ المتعلّق برسملة المصارف وإعادة هيكلتها بالاعتماد على الأموال الخاصة ومساهمة المودعين بأكثر من طريقة، "مجحف إلى حد كبير لبعض المصارف والمودعين"، بحسب رياشي. "ولا تستقيم هذه العملية إلّا بعد استرداد الأموال المهرّبة من النظام المصرفي، ومعاملة المصارف التي لم تستفد من خيرات رياض سلامة (الحاكم السابق لمصرف لبنان) قبل الانهيار وخلاله، معاملة أكثر إنصافاً". وبحسب رياشي، فإنّ "هناك مشكلة ما زالت مستمرّة بالمساءلة والمحاسبة وتوزيع المسؤوليات. إذ لا يجوز الإبقاء على رساميل المصارف بعد اتخاذ جميع الإجراءات المتعلّقة بتحويل جزء من الودائع إلى رأس مال، وهي الإجراءات التي تمثّل "Hair cut" على المودعين. فكيف يمكن المودع بصفته دائناً أن يخسر، قبل أن يتحمّل المساهم أيّ خسارة من رأسماله. وبهذا نعود مجدداً إلى وضع عربة توزيع الخسائر قبل حصان تحمّل المساهمين المسؤولية، ونكون قد حيّدنا أصحاب المصارف على حساب توريط المودعين. وهذا لا يجوز بأيّ شكل من الأشكال". والمنطق، بحسب رياشي، يفترض "تصفير الرأسمال ومن ثم تبحث مساهمة المساهمين من الأموال الخاصة والاقتطاعات من أموال المودعين".
باستثناء صندوق استرداد الودائع والسندات الصفرية، فإنّ بقية الإجراءات المنوي اعتمادها في الخطة للتعويض على المودعين وإعادة هيكلة المصارف تبقى مفهومة، وإن كانت مجحفة. وسنشرح في المقال الثالث والأخير صندوق استرداد الودائع وما هي انعكاساته على المودعين والمصارف والاقتصاد.