تناقلت بعض وسائل الإعلام خبرًا مفاده أنّ "وفدًا أمنيًا قطريًّا من كبار الضباط زار دمشق للمرة الثانية، وناقش مع كبار الضباط السوريين، العلاقة بين البلدين من مختلف جوانبها، وما اعتراها منذ العام 2011، والتأسيس لعلاقةٍ جديدة تنهي كلّ ما حملته المرحلة الفائتة من سلبيات". غير أنّ الجهات الرسمية السورية لم تؤكّد هذا الخبر ولم تنفه أيضًا.
تطوّرات ومؤشّرات برزت أخيرًا، لا ريب في أنّها تضفي صدقيةً على الخبر الوارد أعلاه، أبرزها: "اللقاء الدافئ الذي جمع رئيس اتحاد الكتاب في دمشق محمد الحوراني، وكتّابًا قطريين في تونس قبل نحو عام في فعالية أدبية، بحسب تأكيد مرجع واسع الاطّلاع.
والأمر ليس مستغربًا على اعتبار أنّ السياسية الخارجية القطرية لن تكون بعيدةً عن السياسة الخارجية التركية، في وقتٍ تحاول أنقرة تفعيل علاقاتها مع دمشق، بصرف النظر عن استمرار وجود الخلافات بينهما، وعدم تذليلها حتى الساعة. لذلك من البدهي ألّا تبقى الدوحة خارج هذه الأجواء الإيجابية المستجدّة بين الجارتين سوريا وتركيا.
أمّا اللافت جدًا في هذا السياق فهو أن ثمة معلومات شبه مؤكدة تفيد بأنّ "قطر أعادت ودائع مالية لسوريا، كانت دمشق أودعتها المصارف القطرية، على اعتبار أنّ المصرف السوري المركزي والمصارف السورية كانت ولا تزال تخضع لعقوبات مالية، منذ ثمانينيات القرن الفائت. لذا حوْلت دمشق الأموال المتعلّقة بالاستيراد إلى المصارف القطرية والإماراتية وسواها. وتعقيبًا على هذه التطورات، يكتفي مرجع قيادي في دمشق بالقول: "لا مفاجآت حتّى الساعة". رافضًا الغوص في التفاصيل.
هذا في الشأن السياسي. وبالانتقال إلى الشأن الأمني، وهو ذات طبيعة سرّية، تكشف معلومات موثوق بها أنّ عددًا كبيرًا من الأجهزة الأمنية في الدول الأوروبية والعربية، ومنها قطر، ينسّق مع الأجهزة الأمنية السورية. وهذا مؤشّر آخر إلى أنّ التواصل قائم بين دمشق والدوحة، وإن كان من البوابة الأمنية.
غير أنّ مرجعًا متابعًا للشأن السوري يقيم في باريس، أكّد انعقاد لقاءات بين مسؤولين سوريين وقطريين في تركيا، بمباركةٍ روسية
غير أنّ مرجعًا متابعًا للشأن السوري يقيم في باريس، أكّد انعقاد لقاءات بين مسؤولين سوريين وقطريين في تركيا، بمباركةٍ روسية، على حدّ تعبيره. لكنّه يرجّح أن لا حلّ شاملاً للأزمة السورية، قبل انقشاع الوضع في فلسطين المحتلّة، وبالتالي، ما ستؤول إليه الحرب على غزة من نتائج ميدانية وسياسية.
وفي السياق عينه، نفى مصدر في المعارضة السورية علمه بانعقاد أيّ لقاءٍ بين ممثّلين عن الجانبين السوري والقطري، في دمشق أو في أنقرة أو في أيّ بلدٍ آخر. غير أنّ المصدر لم يستبعد ذلك، بسبب التحالف التركي- القطري، وتماهي الدوحة في سياستها الخارجية مع أنقرة. ويختم: "لا دخان بلا نار".
في المحصّلة، فإنّ ما يحسم الإجابة عن حقيقة التواصل السوري القطري، هو خطاب الرئيس بشار الأسد تحت قبّة البرلمان في الأيام الأخيرة، إذ أشار إلى أنّ "الوضع الراهن متأزّم عالمياً، وانعكاساته علينا تدفعنا للعمل بشكل أسرع لإصلاح ما يمكن إصلاحه بعيداً عن آلام الجروح من طعنة صديق. وبهذا تعاملت سوريا مع المبادرات بشأن العلاقة مع تركيا، التي تقدم بها أكثر من طرف كروسيا وإيران والعراق"، مؤكّدًا أنّ "استعادة العلاقة تتطلّب أولاً إزالة الأسباب التي أدّت إلى تدميرها، ونحن لن نتنازل عن أيّ حق من حقوقنا. وسوريا تؤكّد باستمرار ضرورة انسحاب تركيا من الأراضي التي تحتلّها، ووقف دعمها للإرهاب". هذا الموقف الرسمي السوري من أعلى منصب في البلاد يؤكّد أنّ استعادة العلاقات الثنائية بين دمشق وأنقرة وحليفتها الدوحة، لا تزال في بداية المسار.