مخاطر التهرّب الضريبي على الاقتصاد 

عن مخاطر التهرب الضريبي على الاقتصاد، عدّد الخبير الاقتصادي أنطوان فرح:  

فقدان الإيرادات الحكومية: يؤدي التهرب الضريبي إلى خسارة الدولة لمبالغ ضخمة من الإيرادات التي يمكن استخدامها في تمويل الخدمات العامّة مثل التعليم والصحة والبنية التحتية. 
زيادة العجز المالي: يساهم التهرب الضريبي في زيادة العجز المالي للحكومة، مما يضطرّها إلى الاقتراض لتمويل نفقاتها، وبالتالي زيادة الديون العامّة والفوائد المستحقّة عليها. 
تفاقم عدم المساواة: يعزّز التهرّب الضريبي الفجوة بين الأغنياء والفقراء، حيث يستفيد المتهرّبون من الضرائب على حساب دافعي الضرائب الملتزمين، ممّا يزيد من حدّة عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية. 
تراجع الاستثمارات: يؤدي التهرّب الضريبي إلى عدم استقرار النظام الضريبي والمالي، مما يقلّل من ثقة المستثمرين الأجانب والمحلّيين، ويؤثّر سلبًا على الاستثمارات في البلاد". 



حلول مقترحة  

ومن الحلول التي طرحها رئيس فرع الالتزام الضريبي في دائرة ضريبة الدخل في بيروت، لتفعيل جباية الضرائب "تفعيل المكننة عبر الذهاب إلى الحكومة الإلكترونية، وهو ما تم البدء بتطبيقه، بالذهاب إلى التصريح الإلكتروني، حيث لم تعد آلية التصريح عن الرواتب والأجور وال TVA ومعظم تصاريح ضريبة الدخل مرتبطة بشركة ليبان بوست، بل أصبحت الكترونياً "أون لاين"، وكلّ تصريح خطأ، تكون نتيجته إبلاغ المكلّف فوراً لتصحيح تصريحه. وبذلك تُصبح الداتا متوفّرة داخل الأنظمة إلكترونياً، وورقياً أيضاً، مشيراً إلى أنّه بفضل نظام المكننة الذي ربط وزارة المال بإدارة الجمارك، أصبحت الأولى قادرة على توقيف العمليات الجمركية لمكلّف غير ملتزم ضريبياً، وعلى منع الشخص المخالف من تصدير البضائع أو استيرادها، ما يُعرف بتعليق العمليات الجمركية"، مشدّداً على أنّ "كلّ ما هو مربوط بنظام المكننة يصعب إلغاؤه، فإذا تبيّن عبر النظام أنّ الشخص مخالف، فلا يمكن إزالة الإشارة بحقه". 

وعن المشكلات التي تعترض عملية المكننة الشاملة، أوضح أغناطيوس "أنّ وزارة المال جاهزة لكلّ الإجراءات. إلّا أنّها تعاني نقصاً حاداً في عدد المبرمجين إذ خسرت 80 في المئة منهم نتيجة الأزمة الاقتصادية". وشدّد أغناطيوس على ضرورة "ربط الوزارات إلكترونياً وكذلك النقابات والبلديات والمؤسسات العامة. ويتوجب على النقابات إبلاغ وزارة المال بشكل دوري حول من تسجّل عندها ومن غادر. 

أمّا البلديات فعليها إبلاغ وزارة المال عن أصحاب المحالّ والمؤسسات التجارية ضمن نطاقها، فبدل أن يكون لوزارة المال نحو 20 مراقباً على سبيل المثال يتوزّعون على محافظة جبل لبنان التي تضم 320 بلدية، تقوم البلديات بتسهيل العمل الرقابي على الوزارة وتبلّغ عن الإشغالات التجارية على سبيل التملّك أو الإيجار. وإلى ذلك تُعتَبر المؤسسات العامّة والوزارات مصدر معلومات رئيسياً لوزارة المال، وإذا تمّ ربطها كلها إلكترونياً، فستتمكن وزارة المال من الحصول على المعلومات التي تحتاج إليها في تدقيق الالتزام الضريبي. فمثلاً، يمكن أن يكون الفرد قد التزم تعهّداً من مؤسسة كهرباء لبنان وقبض مليون دولار، في هذه الحالة يتم الإبلاغ عن هذه العملية إلكترونياً، لتدقّق وزارة المال فتعرف هل صرّح هذا الشخص عن هذه العملية ودفع ضريبته للدولة، أم لم يصرّح". 

وبالإضافة إلى المكننة، يتابع أغناطيوس، يجب رفع غرامة التهرّب الضريبي، لتكون رادعة وتعادل حجم المخالفة مع تطوّر سعر الصرف، فضلاً عن نشر وعي اجتماعي، وزيادة أعداد الموظفين مع إعطائهم حوافز وتقديمات". 

أمّا فرح، فأكّد أنّ "الحلّ لكبح التهرّب الضريبي هو بسيط، ويتطلّب قراراً سياسياً، إذ يجب تعديل بعض القوانين التي تحاسب على التهرّب الضريبي، ففي النماذج الغربية، يعتبر التهرب الضريبي جناية، ويعاقب عليه بالسجن، وبغرامات ضخمة، أمّا في لبنان فالعقوبة ضعيفة. كما يمكن إقرار المشروع الذي طرح سابقاً، ولم يقرّ، ويقول بأنّ تعتمد وزارة المال على الدفاتر التي تقدمها الشركات للمصارف من أجل الحصول على القروش والاعتمادات، وليس على الدفتر الرسمي الذي تقدمه الشركات إلى وزارة المال، وهذا المشروع كان مدعوماً من الخارج. 

 وقال جبارة "تتطلب مكافحة التهرّب الضريبي خطّة عمل متعدّدة الأوجه، وتتضمّن إصلاحات مالية وهيكلية وتعزيز أجهزة الرقابة والتفتيش"، مشدّداً على أنّه يجب العمل على تحسين أداء القطاع العام وتحسين الرواتب وإنتاجية موظفي الإدارة الضريبية وتعزيز الشفافية. ويجب أيضًا العمل على تبسيط الإجراءات والمعاملات الضريبية وآليات الإفصاح. ويمكن ذلك عبر إدخال المزيد من الحلول الرقمية والالكترونية لتتبّع المعاملات ولمراقبة التصاريح الضريبية، والدفع باتجاه المزيد من مكافحة التهرّب الضريبي".  

إلى ذلك، يمكن تفعيل اتفاقية التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية الذي وقّع عليها لبنان سنة 2016. ويعدّ معيار التبادل التلقائي للمعلومات إطاراً عالمياً للتبادل التلقائي للمعلومات المالية بين البلدان التي وافقت على التقيّد به (حتّى الآن أكثر من 100 بلد أعلنت التزامها هذا المعيار). 

يهدف المعيار الصادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 2014 إلى مكافحة التهرّب الضريبي وتحسين الامتثال الضريبي عبر الحدود. وأقرّ البرلمان اللبناني في 27 تشرين الأول 2016 القانون اللبناني الرقم 55 المتعلّق ﺑ "تبادل المعلومات لغايات ضريبية".  

ويتطلّب المعيار من المصارف أن تقدّم الى السلطات الضريبية المحلّية تقريراً سنوياً يتضمن معلومات (مثل الاسم، العنوان، مكان الإقامة الضريبي، رقم التعريف الضريبي، رقم الحساب، رصيد الحساب، معلومات مالية أخرى) عن الحسابات التي يحتفظ بها أصحاب هذه الحسابات المقيمين ضريبياً في بلدان أجنبية. يتمّ تبادل هذه المعلومات تلقائياً مع السلطة المختصة في بلد الإقامة الضريبية لصاحب الحساب، بشرط أن يكون هناك اتفاق بين البلدين على تبادل البيانات. 

في المحصّلة، يشكّل التهرّب الضريبي في لبنان تحدياً كبيراً أمام تحقيق الاستقرار الاقتصادي والتنمية المستدامة. يتطلّب التصدي لهذه الظاهرة جهوداً مشتركة من الحكومة والمجتمع لتحسين النظام الضريبي، وتعزيز الرقابة والمساءلة، وزيادة الوعي بأهمية دفع الضرائب. بدون هذه الخطوات، سيستمرّ التهرّب الضريبي في تقويض الاقتصاد اللبناني وإعاقة تقدّمه.