مع مرور الوقت، ينخفض سقف التوقّعات في ما يتعلّق بإمكانية إبرام صفقة بين العدو الإسرائيلي وحركة حماس. وثمّة حجر عثرة في الشوط الأخير هو محور فيلادلفيا. محاذير مختلفة يتمسّك بها المفاوضون في العاصمة المصرية، القاهرة، بشأن تمركز الجيش الإسرائيلي تمركزاً ثابتاً في هذه المنطقة العازلة الممتدة على طول 14 كيلومتراً بين قطاع غزة ومصر. وفي حين اقترحت إسرائيل وضع 8 أبراج مراقبة على طول المحور، اقترح الأميركيون وضع برجين اثنين، ورفضت مصر، ومن خلفها حماس، كلا الاقتراحين.

ويكمن سر هذا المحور بالنسبة إلى"تل ابيب" في اعتباره بوابةً لأنفاق حماس التي ستجدد من خلالها ترسانتها العسكرية فور انتهاء الحرب، عدا أنّ السيطرة عليه، ولو كانت محدودة، اليوم، ستمكّنها لاحقاً من إنشاء جدار عازل يمتد من باطن الأرض إلى جوار السحاب. وهذا ما يزيد من الحصار على القطاع. ولذلك ترفض إسرائيل الانسحاب منه بعدما سيطرت عليه في منتصف أيار الفائت. أما القاهرة فترفض هذا البند من المحادثات وتعتبره مسّاً بأمنها القومي بعدما كانت قد وثّقت اتفاقاً دولياً قبل سنوات بشأن المحور ترفض التراجع عنه. فالسيطرة على هذا المحور سيسمح لإسرائيل بتقسيم غزة إلى شمال وجنوب، وهذا ما ترفضه أيضاً حماس رفضاً قاطعاً وتطالب بانسحاب جميع القوات الإسرائيلية من القطاع، وإلّا فالحرب ستبقى مستمرة.


فتيل الضفة متى يشتعل؟

على المقلب الإسرائيلي الآخر، ينضمّ إشكال جديد الى لائحة التخبّط الإسرائيلي الداخلي. فقد طالب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بإقالة رئيس الشاباك رونين بار بعد نشر رسالته إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، محذّراً فيها من الإرهاب اليهودي في الضفة الغربية، إذ أكَّد لنتنياهو ووزير الحرب يوآف غالانت، أن "فتيان التلال" تسعى إلى جعل النظام الأمني يفقد السيطرة، محذراً من الضرر البالغ الذي سيلحق بدولة إسرائيل، قائلاً إنّ هذا الضرر لا يوصف، مضيفاً: "أكتب إليكم هذه الرسالة بألم، وبقلق بالغ كيهودي وكإسرائيلي وكضابط أمن، عن ظاهرة الإرهاب اليهودي المتزايدة، وبدء تراخي يد الشرطة. هناك تحوّل من نشاط مركّز وسرّي إلى نشاط واسع ومرئيّ، ومن استخدام الولّاعة إلى استخدام وسائل الحرب. هناك من يرسم مساراً جديداً يتخطّى كل الحدود ويحاول الحصول على شرعية".

وأشار إلى أنّ الجيش الإسرائيلي والشاباك لا يستطيعان الوقوف في وجه هذه الهجمات الانتقامية التي تشعل ساحة أخرى في الحرب المتعدّدة الساحات.

وجلّ ما جاء في رسالة بار هو محاولة استباقية لقراءة المستقبل ورفع المسؤولية عن نفسه في حال وقوع انفجار الضفّة التي تصبح، عندئذ، ساحة مواجهة جديدة ستشكّل مفاجأة كبرى في قابل الأيام، إذ يأتي ذلك على بعد يوم واحد من طلب رئيس المخابرات العسكرية في الجيش الإسرائيلي المستقيل أهارون هاليفا "الصفح" بسبب فشله عقب هجوم "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول الفائت.

أمّا الرئيس الجديد للمخابرات العسكرية اللواء بيندر، فقال: "إنَّ الفشل الذريع الذي رافق الحرب وما أعقبها سيظلّ محفوراً في عظامي إلى الأبد. نحن في خضمّ حرب طويلة وصعبة، وقد تتسع رقعتها".

وفي السياق نفسه، أفادت تقارير صحافية بأنّ قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية قامت، خلال الأيام الماضية، بحملة ضد العبوات الناسفة التي تصنعها فصائل المقاومة في الضفة الغربية، وتمكنت من تفكيك عشرات العبوات الجاهزة للتفجير، وبأنّ 15 عبوة جاهزة للتفجير فُككت في مدينة جنين وحدها.

وكانت كتائب شهداء الأقصى وكتيبة مخيم الفارعة في طوباس قد حذّرتا، قبل أيام معدودة، الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية من استمرار تفكيك عبواتها الناسفة. فإلى متى ستنجح هذه السلطات في استباق اشتعال فتيل الضفة؟ أم أنّ أصحاب العبوات الذين لم تُكشف هويّاتهم إلى الساعة، ينتظرون ساعة الصفر حتى يفتتحوا جبهتهم، علّها تنفّس ما اعتمل في صدروهم من مظلومية متمثلة باستيطان وقتل وسحل وهدم وسلب على مدى عقود طويلة؟

ولا بدّ، ههنا، من الإشارة إلى أنّ اغتيال إسرائيل العميد خليل المقدح أحد قادة كتائب شهداء الأقصى، الجناح العسكري لحركة فتح، قبل أيام، جاء بعد اتهامها إيّاه بدعم كتائب شهداء الأقصى في الضفة الغربية وتسليحها، وهذا ما دفع بالمقدح إلى اتخاذ إجراءات أمنية مشددة والابتعاد عن الأنظار. لكن طائرة مسيّرة إسرائيلية تمكنت باستهداف سيارته في مدينة صيدا، جنوب لبنان، بصاروخين موجهين أوديا بحياته.