في السنوات الأخيرة، شهد العالم طفرة هائلة في الاستثمارات المتعلّقة بالذكاء الاصطناعي (AI) في ظلّ تنافس كبرى شركات التكنولوجيا على تأمين مكانة رائدة في هذا القطاع المتنامي. هذه الشركات، مثل غوغل، ومايكروسوفت، وأمازون، وميتا، تستثمر مليارات الدولارات في بناء مراكز بيانات ومرافق جديدة لتشغيل الذكاء الاصطناعي وتوسعة قدراتها في هذا المجال. ومع ذلك، فإنّ هذه الاستثمارات الضخمة لا تخلو من تحدّيات وأخطار، ولكنّها تحمل أيضًا أهميّة إستراتيجية واقتصادية هائلة. 

حجم الاستثمارات 

تزداد الاستثمارات في قطاع الذكاء الاصطناعي بشكل غير مسبوق. فعلى سبيل المثال، من المتوقّع أن تنفق شركة ألفابيت التابعة لغوغل وحدها حوالى 48 مليار دولار في عام 2024 على البنية التحتية المتعلّقة بالذكاء الاصطناعي. وتشارك في هذا السباق شركات أخرى مثل مايكروسوفت، التي أعلنت عن خططها لمواصلة الإنفاق الكبير على الذكاء الاصطناعي، وكذلك أمازون وميتا. إجمالًا، قد تصل استثمارات هذه الشركات الأربع في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي إلى أكثر من 100 مليار دولار هذا العام. 

قال لـ"الصفا نيوز" اعتبر الخبير التكنولوجي رودي شوشاني إنّ "هناك تضارباً في الأرقام بشأن حجم استثمارات الشركات التكنولوجية في قطاع الذكاء الاصطناعي، إذ تشير بعض التقارير إلى أنّ حجم هذه الاستثمارات تريليون دولار، فيما تشير دراسة مكينزي إلى أنّ Gen AI، بمفرده، يصل حجم الاستثمارات فيه إلى نحو 4 تريليونات دولار. كما أنّ هناك مقالات أخرى تلفت إلى أنّ حجم الاقتصاد العالمي للذكاء الاصطناعي 8 تريليونات دولار". 

الخبير التكنولوجي رودي شوشاني



التحديات والمخاطر 

ورغم هذه الحماسة الكبيرة، تواجه تلك الاستثمارات تحدّيات ومخاطر جدّية، عدّد شوشاني بعضاً منها "أولًا، عدم مع فة متى وكيف ستؤتي هذه الاستثمارات ثمارها. قد يؤدي الفشل في تحقيق العوائد المتوقعّة إلى خسائر ضخمة، وهذا ما يثير مخاوف المساهمين والمستثمرين". 

فعلى سبيل المثال، بعد إعلان شركة ألفابيت عن نتائجها المالية، شهد مؤشر ناسداك تراجعًا بنسبة 4 في المئة، فعكس القلق السائد في السوق. 

ثانيًا، تابع شوشاني، "هناك تحديات لوجستية وتقنية تتعلّق ببناء هذه البنية التحتية الضخمة وتشغيلها. مثالاً، فإنّ زيادة الطلب على الطاقة قد تسبب اختناقات في الإمدادات، خاصة في الأماكن التي تواجه فيها شبكات الكهرباء ضغوطاً". 

في كاليفورنيا، قد يستغرق توصيل مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي بالشبكة الكهربائية بين ست وعشر سنوات، وهو ما قد يؤثر سلباً في خطط التوسّع. 

أخيرًا، "فإنّ الاعتماد الكبير على شركات معينة مثل نفيديا، التي تعتبر المورد الرئيس لرقائق الذكاء الاصطناعي، يمثّل خطرًا إضافيًا. كلّ خلل في قدرة هذه الشركات على تلبية الطلب قد يعطّل سلسلة التوريد بأكملها"، بحسب شوشاني. 

في هذا الإطار، يشرح خبير التحول الرقمي رامز القرا لـ"الصفا نيوز" أنّ "الطفرة التي يشهدها قطاع الذكاء الاصطناعي في أنحاء العالم تتطلّب شبكة توريد ضخمة جداً على مستوى الخوادم servers، والأجهزة hardwars، وعندما نتحدث عن الخوادم نتحدث عن الـGPU (Graphics processing technology)، أي وحدات معالجة الرسوميات". وهي واحد من أهم أنواع تكنولوجيا الحوسبة، سواء الحوسبة الشخصية أو التجارية. صُمّمت وحدات معالجة الرسوميات للمعالجة المتوازية، وهي تُستخدم في مجموعة واسعة من التطبيقات، بما في ذلك الرسومات وعرض الفيديو. على الرّغم من أنّها معروفة بقدراتها في الألعاب، أصبحت وحدات معالجة الرسوميات أكثر شيوعًا للاستخدام في الإنتاج الإبداعي والذكاء الاصطناعي. 

وتابع القرا "من أشهر الشركات في هذا القطاع، شركة Nividia، التي تحقق مبيعات ضخمة نتيجة الحاجة المرتفعة إلى هذه الخدمة، وهو ما يتطلّب استثماراً كبيراً في الفترة الأولى، إلّا أنّ الخوف هو من أنّ حجم الاستثمارات الضخم في الفترة الأولى قد يتلقّى ضربة بعد أن تصبح السوق مشبّعة من هذه الأجهزة، وهذا ما سيؤدّي إلى خفض الطلب، بعد تمكّن جميع الشركات من بناء الداتا سنتر الخاص بها، والأجهزة الذكية العائدة إليها، وقد يؤدّي ذلك كله إلى انخفاض في أرباح هذه الشركات، التي استثمرت في مصانع كبيرة ذات قدرة تشغيلية واسعة لتلبية الطلب الكثيف في البداية، وعقب خفض الطلب ينخفض تشغيل هذه المصانع، وعندئذ سيكون الاستثمار خاسراً". 

وأضاف الخبير الرقمي "هذه هي المعضلة التي تواجهها الشركات، اليوم، خصوصاً أنّ هذا النوع من الاستثمارات يحتاج إلى عشرات السنوات لاسترجاع الكلفة، وهو ما يجعل العديد من الشركات تتمهْل قبل صرف مال وافر في قطاع الذكاء الاصطناعي لئلا تقع في خسائر مالية ضخمة". 


خبير التحول الرقمي رامز القرا


الأهمية الإستراتيجية والاقتصادية 

على الرّغم من التحديات، تعتبر هذه الاستثمارات ضرورية لتعزيز القدرات التكنولوجية لشركات التكنولوجيا الكبرى. الذكاء الاصطناعي يمثّل المحرّك الرئيس للتحولات الرقمية في المستقبل، إذ يتوقّع أن يكون له تأثير كبير في مختلف القطاعات، من التصنيع إلى الرعاية الصحّية والتعليم. 

علاوة على ذلك، فإنّ الاستثمار في الذكاء الاصطناعي يعزّز قدرة الشركات على الابتكار والتكيّف مع التغيرات السريعة في السوق. كما يسهم في تعزيز التفوّق التكنولوجي والاقتصادي للولايات المتحدة على الصعيد العالمي. 

في النهاية، تعتبر استثمارات الشركات الكبرى في الذكاء الاصطناعي خطوة حتمية في ظل التطورات السريعة التي يشهدها هذا المجال. ورغم التحديات والمخاطر المرتبطة بهذه الاستثمارات، فإن الأهمية الإستراتيجية والاقتصادية تجعلها ضرورية لتعزيز قدرة تلك الشركات على المنافسة والابتكار. إن نجاح هذه الاستثمارات قد يغيّر مستقبل الصناعة ويضع أسساً جديدة للعالم الرقمي.