تجدّدت الاشتباكات بين العشائر العربية وميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية- قسد"، ذات القيادة الكردية، والمدعومة من وحدات الجيش الأميركي المنتشرة على الأراضي السورية، في شمال شرقي البلاد، إثر مهاجمة هذه الميليشيا مواقع الجيش السوري غرب نهر الفرات، وذلك على خلفية التقارب الأوروبي السوري، وتليين المواقف التركية إزاء سوريا، بعد مرور نحو 13 عامًا ونصف العام على بدء الحرب الكونية على سوريا، برأي مصادر سياسية متابعة.
فقد مرّت هذه الحرب في ثلاث مراحل:
الأولى ما بين الأعوام 2011- 2013، "كانت سوريا في قعر البئر"، وكانت غالبية الدول الأجنبية والعربية تطالب بإسقاط النظام السياسي في دمشق، لا بل تسعى إلى ذلك، فخاضت سوريا معركة الدفاع عن سيادتها والحفاظ على المؤسسات الدستورية والحكومية، فصمدت وأفشلت محاولات إسقاط الدولة.
إثر ذلك، انتقلت الجمهورية العربية السورية إلى المرحلة الثانية من الحرب، وهي "مرحلة تحسين سلوك النظام والاتفاق مع المعارضة الخارجية التي يحمل أتباعها السلاح في الداخل"، كذلك فقد خاضتها بصبرٍ وتأنٍّ.
واليوم، تدخل سوريا حقبة "آلام ولادة المرحلة الثالثة"، وهي منع تدخل أيّ جهةٍ إقليميةٍ ودوليةٍ في الشؤون الداخلية السورية. وهنا، يؤكّد مرجع قيادي في دمشق أنّ سوريا "لن تقبل بتاتًا من أيّ جهةٍ خارجيةٍ كانت، أن تفرض عليها التفاوض مع هذه الجهة أو تلك. فهذا شأن سوري مئة بالمئة"، على حدّ تعبيره.
"ولا ريب أنّ هذا الصمود أثمر انتصارًا لسوريا، بدليل عودة السفارات العربية والأوروبية إليها، خصوصًا بعد القرار الذي اتخذته إيطاليا بإعادة افتتاح سفارتها في دمشق أخيرًا. كذلك فقد دفع هذا الصمود وهذا النصر تركيا إلى إعلان عزمها إعادة تفعيل العلاقات الثنائية مع جارتها، والعودة بهذه العلاقات إلى ما كانت عليه قبل منتصف آذار من العام 2011، تاريخ بدء الحرب الكونية على سوريا. كذلك أبدى الرئيس التركي رجب الطيب إردوغان استعداده للقاء نظيره السوري بشار الأسد، بعد مساعٍ بذلها الجانبان الروسي والعراقي"، بحسب معلوماتٍ موثوق بها".
هذا ما أقلق "قسد"، فشنّت هجماتٍ على مواقع الجيش السوري في الضفة الغربيّة لنهر الفرات في محافظة دير الزور. إذ ذاك ردّت العشائر العربية مدعومةً من الجيش السوري على تلك الاعتداءات.
وبالعودة إلى "لقاء الأسد- إردوغان، فإنّ المرجع القيادي نفسه يقول "لا اجتماع مرتقباً بين الأسد وإردوغان، قبل أن يعلن الأخير موعد انسحاب قوات الاحتلال التركي من الأراضي السورية، ويتعهّد الكفّ عن دعم المنظمات الإرهابية ورعايتها".
الهوّة بين سوريا وتركيا لا تزال في حاجةٍ إلى تجسير
ويوضح أنّه من غير الوارد على الإطلاق انعقاد لقاءٍ بين الرئيسين المذكورين، قبل أن يعلن الجانب التركي احترامه للسيادة السورية، ويؤكّد التزامه هذا فعليًّا، وليس على الورق، أو في "محادثات أستانا للسلام" في العاصمة الكازخستانية. ثم إثر تأكيد تركيا التزام احترام سيادة سوريا، يمكن التفاهم على الترتيبات الأمنية بين البلدين، وعودة اللاجئين إلى ديارهم، مع احترام سيادة الدولتين واستقلالهما".
ويرى القيادي السوري "أنّ موافقة الأسد على الاجتماع برئيس النظام التركي متوقّفة على إعلان الأخير جدولًا زمنيًا لبدء انسحاب قواته من سوريا، لأنّ موافقة دمشق على عقد أيّ لقاءٍ قبل ذلك، هو أشبه بـ "لقاء الإقرار باستسلامها لإردوغان"، أو "التفاوض معه على شروط استسلام دمشق لأنقرة"، على اعتبار أنّ القوات التركية هي التي تحتلّ أراضي سورية. وهذا الأمر غير واردٍ على الإطلاق".
ويجدّد تأكيد "القيادة السورية وتمسكها بمعرفة مضمون "اللقاء بين الرئيس السوري والتركي"، قبل انعقاده، هذا إن حدث في المدى المنظور"، على حدّ قوله.
ويكشف المرجع أنّ "الجهود الروسية منصبّة على إيجاد "الأرضية المناسبة" لتسريع انعقاد اللقاء المذكور، ولكن "لا جديد في الجوهر"، على حدّ تعبيره.
ويعتبر أنّ الجهود الروسية الرامية إلى إعادة تفعيل العلاقات بين دمشق وأنقرة تسير ببطءٍ حتى الساعة، على أمل أن تشهد تقدّمًا في القريب العاجل". ويختم: "في النهاية، فإنّ الكرة في ملعب تركيا".
أمّا المعارضة السورية فلا ترى أيّ خطواتٍ عملانيةٍ تؤول إلى عقد اللقاء المذكور حتّى الساعة.
وما يؤكّد أنّ الهوّة بين سوريا وتركيا لا تزال في حاجةٍ إلى تجسير، إعلان وزير الدفاع التركي يشار غولر، عن "إمكان سحب القوات التركية من الأراضي السورية، بعد إقرار دستورٍ جديدٍ في البلاد، وضمان أمن الحدود المشتركة بين البلدين". أي عودة أنقرة إلى التدخل في الشؤون السورية الداخلية.
وفي نهاية المطاف، لا ريب أنّ دمشق تشهد "موجة كبيرة من انفتاح الدول" عليها، أوروبية وغير أوروبية، لذا صار لزاماً على المجتمع الدولي التسليم بالواقع وتالياً بهذه المسلّمة الآتية: "ما لم تستطع الدول الشريكة في الحرب على سوريا، فرضه عليها بالقوة، فلن تتمكّن من تحقيقه في السياسة".