انفجر لغم العنصرية في وجه رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، ولم يكد يمضي شهر واحد على الفوز الساحق الذي حققه حزب العمال الذي يتزعمه في الانتخابات التشريعية التي أجريت في تموز. إنه تحدٍّ مبكر فرضه اليمين المتطرّف على الحكومة الجديدة، التي كانت أولويتها منصبّة على انتشال بريطانيا من الفوضى السياسية والاقتصادية التي شكّلت أبرز سمات حكم المحافظين الذي امتدّ 14 عاماً.
الشرارة بدأت غداة هجوم الطعن في مدينة ساوثبورت في 29 تموز، الذي أسفر عن مقتل ثلاث فتيات في مدرسة للرقص. واعتقلت الشرطة منفذ الهجوم ويدعى أكسل روداكوبانا (17 عاماً) المولود في مدينة كارديف لأبوين مهاجرين من رواندا.
وبعد انتشار خبر الجريمة، سرت معلومات مضللة عبر الإنترنت، في شأن ديانة الفاعل ومفادها أنه مهاجر مسلم من طالبي اللجوء. وسرعان ما اجتاحت تظاهرات لليمين المتطرف عشرات المدن البريطانية. وهوجمت فنادق تؤوي طالبي لجوء ومساجد ونُهبت متاجر، واندلعت اشتباكات مع الشرطة التي حاولت تفرقة المحتجّين، فيما كانت تعمل في مناطق أخرى على الفصل بين محتجّين من اليمين المتطرف وآخرين مناهضين لهم. وهذا مشهد لم تألفه بريطانيا ربما منذ السبعينيات، وسط دعوات إلى تدخّل الجيش للسيطرة على الموقف.
وبينما تولّى أشخاص معروفون من اليمين المتطرّف الحضّ على التظاهر عبر الإنترنت، عزت الشرطة الفوضى إلى منظمات مرتبطة بـ"رابطة الدفاع البريطانية" المناهضة للإسلام، التي أُسست قبل 15 عاماً وجرى حلّها. ويعتقد بعض المعلّقين والقادة السياسيين أنّ تصاعد الخطاب المناهض للهجرة في صفوف الطبقة السياسية، منح المتظاهرين شرعية.
وفي انتخابات الشهر الماضي، حصل حزب الإصلاح البريطاني المناهض للهجرة بزعامة نايجل فاراج على أكثر من 14 في المئة من الأصوات، في واحدة من أعلى نسب التصويت لحزب بريطاني يميني متطرّف.
ويذكّر هذا بالنسب العالية التي حصلت عليها أحزاب اليمين المتطرّف في الانتخابات الأوروبية في حزيران في فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمجر وهولندا والنمسا، والتي مكّنتها من أن تفرض نفسها في قلب معادلات الحكم، كما حصل في إيطاليا، أو أن تكون شريكاً أساسياً فيها. وقادت مكاسب اليمين المتطرّف في فرنسا إلى جعل الرئيس إيمانويل ماكرون يدعو إلى انتخابات تشريعية مبكرة أسفرت عن برلمان معلّق وشلل سياسي، هو الأوسع في عهد الجمهورية الخامسة.
ما تشهده بريطانيا، دفع الملياردير الأميركي إيلون ماسك إلى التغريد على منصة إكس، التي يملكها، بأنّ بريطانيا تواجه "حرباً أهلية" بسبب الجدل حول الهجرة. ولم يسع ستارمر إلّا الردّ على ماسك مستغرباً مثل هذا التصريح، في وقت يفتح التطبيق صفحاته أمام قادة اليمين المتطرف لتحريض المحتجين. والجدير بالذكر أنّ ماسك تعهّد دعم حملة المرشح الجمهوري دونالد ترامب صاحب الخطاب الشعبوي بـ45 مليون دولار شهرياً.
تغذّت جماعات اليمين المتطرّف من الخطاب العنصري لبعض السياسيين...
والتطورات التي تشهدها بريطانيا ليست منفصلة عن السياسات التي طبّقتها حكومات المحافظين في ما يتعلق بالهجرة. واضطرت وزيرة الداخلية البريطانية السابقة سويلا برافرمان إلى الاستقالة بعد تصريحات عنصرية بحقّ متظاهرين يدعون إلى وقف الحرب على غزة. كما أنّها كانت خلف خطة لترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى رواندا، في ما عرف بـ"الحل الرواندي". وألغى ستارمر هذا الإجراء فور دخوله إلى "10 داونينغ ستريت".
وتغذّت جماعات اليمين المتطرّف من الخطاب العنصري لبعض السياسيين، وكانت تبحث عن الذريعة كي تستعرض قوّتها من طريق مهاجمة أماكن إقامة المهاجرين وضدّ المساجد.
احتجاجات بريطانيا كشفت بقوّة أنّ ثمّة قنبلة موقوتة قد تنفجر في أيّ وقت. وفي حال عودة ترامب إلى البيت الأبيض مع حديثه عن عزمه تنفيذ عمليات "ترحيل" كبيرة للمهاجرين، فإنّ اليمين المتطرّف في أوروبا سيتعزّز أكثر ويصبح أكثر جرأة، وكذلك في أميركا اللاتينية التي لم تنجُ من هذا الظاهرة مع الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي والرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو.
إنّ خيطاً رفيعاً من كره الأجانب يربط بين كلّ جماعات اليمين المتطرّف في العالم.