أن يرفع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الرد على الاعتداءات الإسرائيلية إلى مستوى معركة الشرف، فيعني ذلك أنّ على إسرائيل أن تنتظر رداً قاسياً وكبيراً لما يعنيه مصطلح الشرف من مكانة وتعهّد لا يمكن التراجع عنه ولو بمرور الزمن.

في تشييع القائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر، قال نصرالله "نبحث عن ردّ حقيقي وليس شكلياً، وعن فرص حقيقية وعن ردّ مدروس جدّاً والقرار في يد الميدان". متوعداً الإسرائيليين "ستبكون كثيراً. وعليكم انتظار ردّنا ضمن المرحلة الجديدة". استناداً إلى ما قاله، فإنّ جبهة الإسناد في الجنوب صارت جبهة حرب حقيقية، وكذلك الجبهات من اليمن إلى العراق فإيران. أمّا ردّه على اغتيال إسرائيل القائد العسكري، وعلى اغتيال إسماعيل هنية، فسيكون من خلال المحور، وكذلك من خلال حزب الله.

حتّى الساعات السابقة لخطاب الأمين العام لحزب الله، كانت علامات الاستفهام تُطرح حيال الاعتداء الإسرائيلي في عمق ضاحية بيروت الجنوبية. هل انعكست أمنيات حزب الله ورغباته على تحليلاته حتّى صدّق الوعود الدولية بأنّ الضاحية الجنوبية وبيروت ستكونان بمنأى عن اعتداءات إسرائيل، أم أنّه استهان بنتائج زيارة رئيس وزراء إسرائيل إلى واشنطن وقد وقف أمام الكونغرس يهدّد ويتوعّد ويطالب بدعم أميركا التي يخوض حرباً بالوكالة عنها؟ صدّق حزب الله أنّ ضاحية بيروت الجنوبية، ومثلها العاصمة بيروت، ستكون بمنأى عن أيّ عدوان، حتّى وقع المحظور.

نتحدّث هنا عن ردّ ثلاثي، لبناني من حزب الله، وغزّاوي من حماس، وإيراني من طهران. بعد اعتداءات على السيادة الإيرانية بضربة قوية وجّهت إلى حماس، واعتداء على أراضٍ لبنانية واغتيال شخصية قيادية عسكرية كبيرة لحزب الله، باتت الكرة في ملعب جبهة الممانعة. هناك دولة انتهكت سيادتها وحركة سياسية قتل رئيس مكتبها السياسي، ومقاومة اغتيل الرجل الأمني الأعلى فيها. كيف سيتصرف قادة الجبهة؟ وما المتوقّع أن يفعل الإيراني؟ وكيف سترد حماس ويثأر حزب الله؟ وفقاً للمعطيات ومسار الحرب منذ السابع من تشرين إلى اليوم، هناك قواعد اشتباك يلتزمها الجميع، وإن تخطّت المواجهة حدودها.

نتحدّث هنا عن ردّ ثلاثي، لبناني من حزب الله، وغزّاوي من حماس، وإيراني من طهران...

ليست المرة الأولى التي تضرب إسرائيل العمق الإيراني، ولكنّها المرة الأولى التي يتم الاعتداء على مسؤول من وزن اسماعيل هنية وعلى أراضيها، كان الهدف منه النيل من هيبتها كدولة مكلّفة حماية من دعته إلى مشاركة في تسلّم رئيسها المنتخب حديثاً مهماته الرئاسية. في المرة الماضية، حين انتهكت إسرائيل سيادة ايران بضرب سفارتها في سوريا ردّت طهران بضرب العمق الإسرائيلي بسرب من المسيّرات، وعند مقتل قاسم سليماني ردّت بضرب أهداف أميركية في العراق. فكيف سترد على النيل من سيادة أراضيها ومقتل شخصية قيادية من وزن اسماعيل هنية؟ وهل يكون الرد موازياً من حيث استهداف مسؤول إسرائيل رفيع داخل إسرائيل أو خارجها، أو مماثلاً لطريقة الرد على اعتداء السفارة في سوريا؟

أمّا حماس التي قُتل عدد من مسؤوليها، وأحدهم بانتهاك مباشر للسيادة اللبنانية، فقد ردّت بإطلاق صواريخ على تل أبيب، فماذا يمكن أن تفعل اليوم؟ هل توجّه ضربات إلى إسرائيل من داخلها أو من خارجها؟ وهل يمكن أن تنفّذ عمليات ضد إسرائيل في دول عربية؟ وهل باستطاعتها تحمّل تبعات خطوة كهذه؟ ردّ حماس سيكون محدوداً جغرافياً إلّا إذا تمكّنت من استهداف مسؤول إسرائيلي من وزن هنية.

يبقى حزب الله، وهو المعني الأول والأخير، وملزم بالردّ على نقطتين مهمّتين: أنّ الضاحية كانت هي المستهدفة، وأنّ المستهدف قائد كبير ومسؤول عسكري من وزن فؤاد شكر. فهل يمكن أن يردّ باستهداف مسؤول عسكري إسرائيلي وعلى أراض إسرائيلية أم خارجها فنكون، عندئذ، أمام تكرار واقعة اجتياح اسرائيل للبنان بحجة اغتيال منظمة التحرير سفيرها في لندن عام 1982.

علامات استفهام كبرى حول الرد المحتمل لحزب الله، وإمكان التزامه سقفاً معيّناً لردّه أم الذهاب إلى توسعة نطاق الحرب وفتح أبواب المواجهة.

تقول مصادر محور المقاومة إن الأوضاع تتجه إلى تصعيد بعدما تجاوز الإسرائيلي كلّ قواعد الاشتباك والخطوط الحمر. نحن أمام انعطافة في مسار المواجهة. لا يمكن المحور أن يتغاضى عن الرد، ولا يمكن هذا الرد أن يكون استعراضياً. وتتابع المصادر قائلة "بكلّ الحالات نحن أمام نتائج لقاءات رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتياهو في أميركا. ذهب للاستحصال على دعم وجاء بضوء أخضر لشنّ هجوم على المنطقة. أزمات نتنياهو الداخلية تدفعه إلى التصعيد. لذا نحن ننتظر أياماً ساخنة. وسيكون هناك ردود إيرانية ويمنية وعراقية ولبنانية".

أمّا المطّلعون على أجواء المقاومة فيقولون ربما سيكون السقف رداً على الاعتداءات الثلاثة مدورساً بحيث لا يدفع المنطقة إلى حرب لا يريدها حزب الله. من الواضح أنّ الأوضاع انتقلت إلى طور جديد لا يعني بالضرورة مواجهة شاملة. صحيح أنّ الإسرائيلي صوّب على هدف من المحرّمات. ولكنْ هناك سؤال ذو علاقة بتقدير وضع إسرائيل. فهل تستطيع تحمّل كلفة هذا التصعيد في الضاحية أو في طهران؟ وهل في هذا جدوى للإسرائيلي؟ تسعى تل أبيب بكل جهدها إلى تحقيق انتصار، ولكن مقتل هنية لا يحقق لها ذلك، ولا يكسر حماس، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المقاومة في لبنان. لذا عليها تحمّل المسؤولية. فهل تبقى الأوضاع في إطار عسكري؟ عرف الإسرائيلي كيف يختار هدفاً يدغدغ شعور الأميركي ويحدث خلط أوراق. صحيح أنّ ما جرى سيغيّر قواعد الاشتباك، ولكنّه لا يغيّر الحسابات الأساسية للعبة. قال السيد نصرالله إنّ مرحلة جديدة قد فتحت، وإنّ الرد آت، وإنّ وضع المحور سيزداد تماسكاً.