يُعتبر العنف ضد الحيوانات الأليفة في لبنان قضية مقلقة تتطلّب انتباه المجتمع وتدخّل السلطات بشكل عاجل. ففي حين تُعدّ الحيوانات الأليفة جزءًا من حياة الكثيرين، غالبًا ما تتعرّض للإساءة والعنف بدون مبرّر، وهذا ما يعكس حالة من اللامبالاة والتجاهل لحقوق الكائنات الحية. كما أنّ العنف لا يقتصر على الحيوانات الأليفة بل يتعدّاه أيضاً إلى الحيوانات البرية التي يعتبر وجودها ضرورياً لانتظام الحياة البرية.
أشكال العنف ضد الحيوانات
تتعدّد أشكال العنف التي تتعرّض لها الحيوانات في لبنان، ومنها:
1. الإهمال: ترك الحيوانات بدون غذاء أو ماء فترات طويلة، وعدم توفير الرعاية الصحّية اللازمة.
2. الإيذاء الجسدي: ضرب الحيوانات بوحشية أو استخدامها في معارك غير قانونية.
3. الحبس والعزل: إبقاء الحيوانات في أقفاص ضيقة وغير مناسبة فترات طويلة، هذا ما يسبب لها الإجهاد النفسي والجسدي.
4. التسميم: استخدام المواد السامّة بهدف التخلّص من الحيوانات الضالة أو الأليفة بشكل غير إنساني.
وقالت لـ"الصفا نيوز" غنى نحفاوي، الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الحيوان "لا وجود لأرقام رسمية تحصي أعداد الحيوانات التي تتعرّض للعنف في لبنان، إلّا أنّه لا يكاد يمرّ يوم إلاّ تُسجّل فيه قرابة الـ3 حالات عنف بحقّ الحيوانات".
وظاهرة العنف لا تعني بالضرورة ضربًا وتعذيبًا أو حرقًا إلخ. "فحالات الإساءة الشديدة قليلة في لبنان على عكس دول أخرى"، قالت نحفاوي، مضيفة "الحالات في لبنان تظهر على شكل التخلّي عن الحيوانات ورميها في الشارع، وهو ما يخالف المادة 4.1 من قانون الرفق بالحيوانات. فهذا الحيوان الذي كان يسكن في منزل، سيسلخ عن بيئته بعد رميه في الشارع، وبالتالي لن يعرف التصرّف في بيئة جديدة، وهذا ما يتسبب غالباً في قتله بحادث سير. فنسبة قتل الكلاب بحوادث السير مرتفعة جداً، وتتخطّى الحالتين يومياً. والواقع نفسه ينطبق على القطط التي نحصي أعداداً كبيرة منها في حوادث السير، ويتبيّن بعد معاينتها أنّ أظافرها مسحوبة وليست مقصوصة، وهذا يعني أنّ أصحابها فعلوا ذلك، الأمر الذي يمنعها من تسلّق الأِشجار أو الاصطياد، ويجعلها عاجزة عن الدفاع عن نفسها بعد رميها في الشارع".
وانتقدت نحفاوي حالات تسميم الحيوانات "التي يتخطّى عددها الـ 4 حيوانات يومياً، والتسميم يتمّ عبر "اللانيت"، وهو نوع من مبيد الحشرات الممنوع استخدامه عالمياً. ويا للأسف فإنّ استخدامه لا يتمّ من قبل الأفراد فقط بل أيضًا من قبل البلديات، على الرّغم من إصدار وزارة الزراعة قراراً قضى بمنع التسميم أو استخدام "اللانيت". وهذا الدواء لا يقتل الجرذان فقط، بل كل حيوان آخر يتعرّض لهذه المواد السامة. كما أنّ بعض الشركات تضع سمًّا للجرذان بشكل مكشوف فيتسبب ذلك بقتل الجراذين والقطط أيضاً".
أمّا صيد الطيور المهاجرة، فهو أيضًا نوع من أنواع العنف، قالت نحفاوي، "وهو عار على لبنان، ومخالف لقانون الصيد، ويساهم في انقراض أنواع كثيرة من الطيور، الأمر الذي يسمح بإيذاء الأشجار أيضاً، لأنّ طائفة من هذه الطيور تأكل دودة الصندل التي تفتك بالأِشجار، وعندما نقتل الطير، نساهم بتكاثر هذه الديدان المضرة بالأشجار".
وهذا الصيد لا يزال مستمراً على الرغم من أنّ لبنان ثاني أهمّ ممر عالمي للطيور المهاجرة، وقد وقّع على الاتفاقية الإفريقية الأوراسية للحفاظ على الطيور المائية المهاجرة.
وإلى ذلك، وصف أحد التقارير الأوروبية في العام 2018، لبنان بالثقب الأسود، لكون الطيور المهاجرة تدخل إليه ولا تخرج منه. واعتُبر من الدول المتسبّبة بقتل هذه الطيور.
وأضافت نحفاوي "تواصلنا مع شركة "تيكتوك" لحظر نشر فيديوهات صيد الطيور على المنصّة، إلاّ أنّها لم تتجاوب معنا، وبعد نشر صحيفة "ذا غارديان" قبل حوالى الأسبوع مقالاً عن الصيد الجائر للطيور في لبنان، عادت "تيكتوك" وتواصلت معنا ونأمل أن يتحرّكوا في هذا الإطار".
ومن صيد الطيور إلى صيد الضباع والذئاب والثعالب، أشارت الناشطة إلى أنّ "هذا النوع من الصيد يخلّ بالتوازن البيئي، لأنّ الذئاب تسمح بالسيطرة على الخنازير البرّية. وبسبب قتلها الجائر تكاثرت أعداد تلك الخنازير في لبنان".
أسباب انتشار العنف ضد الحيوانات الأليفة
تعود أسباب انتشار العنف ضد الحيوانات الأليفة في لبنان إلى بضعة عوامل:
1. ضعف التشريعات: قلّة القوانين الصارمة التي تحمي الحيوانات من العنف والإيذاء، وعدم وجود عقوبات رادعة للمخالفين.
2. قلةّ الوعي: نقص الوعي لدى البعض بأهمية رعاية الحيوانات وحقوقها، وهذا ما يؤدّي إلى تصرّفات غير مسؤولة.
3. الوضع الاقتصادي: قد تدفع الظروف الاقتصادية الصعبة بعض الأفراد إلى التخلّي عن حيواناتهم الأليفة أو معاملتها بشكل سيئ.
4. الثقافة المجتمعية: ثمة تقاليد ومعتقدات مجتمعية تسهم في التعامل مع الحيوانات على أنّها ممتلكات لا حقوق لها.
وحمّلت نحفاوي المسؤولية الكبرى للأهل، الذين لا يربّون أولادهم على ثقافة الرفق بالحيوان، بل يشجعون أنماط العنف والأذية. وأعطت أكثر من مثال عن حوادث تعنيف للحيوانات، كتصوير أحدهم ابنه وهو يعذّب صوصاً ويخنقه ثم نشر الفيديو على "تيكتوك"، وذكرت حادثة ضرب حمار في منطقة برجا، سقط على الأرض بسبب ارتفاع درجة الحرارة، فما كان من أصحابه إلّا أن ضربوه بدل إعطائه الماء. وفي حادثة أخرى حصلت في شبعا، ضُرب بغل بطريقة وحشية، وبعد أن فتح مخفر شبعا تحقيقاً في الحادثة أخرج القاضي المعني المجرم بسند إقامة من دون محاسبته.
ولفتت إلى أنّ "القوى الأمنية تتحرّك دومًا لدى كل إخبار نرسله إليها، إلّا أنّ الشكوى تصطدم بالمدعي العام، الذي يوقف القرار، ويُخرج المعنّف بسند إقامة من دون محاسبته، وهو ما يساهم في تشجيع عمليات تعنيف الحيوانات. ويُعدّ مخالفة لقانون الرفق بالحيوان الرقم 47، 2017، الذي أُقرّ في عهد الرئيس السابق ميشال عون".
وهذه الممارسات اعتبرتها نحفاوي "استخفافًا بالقانون، وكرامة الحياة، وحاجتنا إلى احترام بعضنا بعضاً، فحين نكون عاجزين عن احترام الكائنات الأضعف منا، فبالتالي نحن عاجزون عن احترام بعضنا بعضًا. وهو ما يؤكّد أنّ المجتمع يعاني أمراضًا نفسية كبيرة تتوارثها الأجيال".
⚠️لإنقاذ البغل ومعاقبة الوحشين حمدان وغادر⚠️
— Ghina (@GhinaNahfawi) July 20, 2024
كتبت صفحة وينية الدولة:
"ضرب وتعذيب "بغل" في شبعا!
أقدم ماهر فارس حمدان وعدي عبدو غادر على ضرب "بغل" بشكل وحشي ومرعب في بلدة شبعا جنوب لبنان بسبب عدم اطاعته لاوامرهما بعد أن أخذوا الامر بشكل شخصي "وحطوا عقلن بعقل البغل". وقد قاموا… pic.twitter.com/MeJp2lPDe3
وانتقدت نحفاوي طريقة صيد الأسماك بالديناميت، لأنها تضرب الثروة المائية بأكملها، فضلاً عن حدائق الحيوانات التي تعتبر سجنًا للأخيرة، ولا تستوفي الشروط العالمية. هذا الواقع تفاقم بعد الأزمة الاقتصادية. وكانت قد سجلت إحدى هذه الحدائق حالة هجوم لبوة على طفل وقضم يده، بسبب الإهمال. وبعد أن أقفلت الحديقة عاودت ويا للأسف فتح أبوابها.
وعلى الرّغم من أنّ لبنان من الدول القليلة التي لديها قانون رفق بالحيوانات، فإنّ "تطبيق هذا القانون ناقص"، بحسب نحفاوي التي أضافت "هناك قوانين دولية تحمي الحيوانات من العنف، كمعاهدة سايتس التي تحمي الحياة البرية.
إنّ معاهدة التجارة العالمية لأصناف الحيوان والنبات البري المهدد بالانقراض (CITES) هي اتفاقية دولية بين الحكومات تحدّد الأطر والإجراءات القانونية لتنظيم التجارة بأكثر من 37،000 صنف من الحيوانات والنباتات".
وتابعت نحفاوي "وتتم التجارة بطريقة غير شرعية بالأسود المعرّضة للانقراض، والنمور، وغيرها من الحيوانات البرية التي غالباً ما نجدها في بيوت الأثرياء في لبنان، خصوصاً في البقاع والهرمل. وفي الشمال أيضاً، إذ كشفنا عن شخص يتاجر بهذا النوع من الحيوانات".
جهود الجمعيات والمنظمات
في مواجهة هذا الواقع المؤلم، تعمل بعض الجمعيات والمنظّمات غير الحكومية على تقديم الدعم والرعاية للحيوانات الأليفة. من هذه الجهود:
1. إنقاذ الحيوانات: تتولّى هذه الجمعيات إنقاذ الحيوانات المشرّدة والمصابة وتقديم الرعاية الصحية لها.
2. التوعية: تنظيم حملات توعية لتثقيف الجمهور حول حقوق الحيوانات وأهمية رعايتها.
3. التبنّي: تسعى إلى توفير بيوت دائمة للحيوانات المشرّدة من خلال برامج التبني.
"ولم يسجّل لبنان سوى حالة سجن واحدة بحقّ مواطن وثّقنا عمليّة قتله كلبة مسالمة جداً" تقول نحفاوي، مضيفة أنّ "المعنيين لا يحاسبون الفاعل إلّا عندما يحرجون جداً، وذلك نتيجة نشرنا كناشطين لحوادث العنف بحق الحيوانات انتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي".
الحاجة إلى تدخل عاجل
لمعالجة مشكلة العنف ضد الحيوانات الأليفة في لبنان، يجب اتخاذ عدة خطوات عاجلة:
1. تعزيز التشريعات: وضع قوانين صارمة لحماية الحيوانات وتطبيق عقوبات رادعة على المخالفين.
2. التوعية والتعليم: تعزيز حملات التوعية في المدارس والمجتمعات حول أهمية رعاية الحيوانات.
3. الدعم الحكومي: تقديم الدعم الحكومي للجمعيات والمنظمات التي تعمل في مجال رعاية الحيوانات.
4. توفير الخدمات البيطرية: توفير خدمات بيطرية مجانية أو بأسعار معقولة لأصحاب الحيوانات الأليفة.
إنّ العنف ضد الحيوانات الأليفة في لبنان هو قضية إنسانية تحتاج إلى تدخّل فوري وجاد من جميع أفراد المجتمع والسلطات المعنية. من خلال التعاون المشترك وحده يمكننا أن نضمن حياة آمنة لهذه الكائنات الضعيفة التي تعتمد علينا بشكل كامل.