"وُضع قطار العلاقات الأوروبية-السورية على السكّة الصحيحة". بهذه الكلمات يجيب مرجع في العلاقات الدولية، مقيم في باريس ومتابع لمجريات الأوضاع في سوريا، مرجّحاً أن "موعد انطلاق هذا القطار لن يحدّد قبل منتصف أيلول، أي قبل تأليف الحكومة الفرنسية العتيدة، لأنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متمسّك ببقاء الحكومة الراهنة إلى حين تمرير دورة الألعاب الأولمبية للعام 2024، التي تقام في العاصمة الفرنسية باريس من 26 الشهر الجاري إلى 11 آب 2024".

وتأتي هذه التطورات تعقيبًا على الرسالة التي بعثت بها ثماني دولٍ أوروبيةٍ، هي: النمسا وجمهورية التشيك وقبرص والدنمارك واليونان وإيطاليا ومالطا وبولندا إلى الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل قبيل اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الذي عقد في الأيام الأخيرة، وطالبت فيها بإعادة النظر في العلاقات مع سوريا، وتعيين مبعوث خاص للاتحاد من أجل تنسيق العلاقة مع دمشق والمتابعة مع السفارة السورية في بروكسل، بحسب بيان نشر على موقع وزارة الخارجية الإيطالية وفي صحف إيطالية، فباتت تلك الرسالة وثيقةً تحفظ في ملفات الاتحاد الأوروبي.

التطورات الدولية متماهية إلى حدّ كبيرٍ مع مسار عودة سوريا إلى وضعها السابق

ويتوقّع المرجع أنّ "الحكومة الفرنسية المقبلة ستحدث تغييرًا شاملًا في السياسة الخارجية، تحديدًا حيال الأوضاع في فلسطين وسوريا، على اعتبار أنّ التقدّم الذي أحرزه اليسار الفرنسي واليمين أيضًا في الانتخابات التشريعية الأخيرة، بسبب مواقفهم المستنكرة للمجازر الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، كذلك لأنّ لديهما استياء من أداء السلطات الفرنسية في كيفية معالجة مسألة الهجرة غير الشرعية إلى فرنسا ومختلف الدول الأوروبية، جراء الحرب على سوريا، التي شاركت فيها الأولى بقوةٍ، وتسبب ذلك بنتائجٍ سلبيةٍ انعكست على الواقعين الاقتصادي والاجتماعي، جرّاء اللجوء السوري وسواه إلى الأراضي الفرنسية". ويلفت المرجع إلى أنّ "الاختلاف في الرأي بين اليمين واليسار في شأن وجود "الغرباء في البلاد" وسوى ذلك في بعض الشؤون الداخلية، لن يؤثّر في موقفهما من الوضعين في سوريا وفلسطين".

أضف إلى ذلك "أن الحكومة الفرنسية المقبلة قد تتجه إلى إعادة وصل ما انقطع بين باريس وموسكو، إثر الحرب الروسية- الأطلسية التي تدور رحاها على الأراضي الأوكرانية، لما تركت أيضاً من تداعياتٍ سلبيةٍ على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في دول الاتحاد الأوروبي. لذا من البديهي أن تعيد الحكومة المنتظرة النظر في العلاقات الفرنسية- الروسية، تحديدًا إزاء الأوضاع في أوكرانيا"، يختم المرجع.

بالانتقال إلى ألمانيا التي تشكّل وفرنسا الثنائي الأقوى في الاتحاد الأوروبي، يعتبر خبير في الشؤون الأوروبية أنّ "برلين تتجه إلى تعديل سياساتها الخارجية السابقة، خصوصًا إزاء الوضعين في أوكرانيا وسوريا، لما لذلك من ترددات سلبيةٍ على الواقعين الاقتصادي والاجتماعي في ألمانيا، جراء قطع خط الغاز الروسي عن أوروبا، منذ تموز 2022، وهذا ما تسبب بارتفاع كبير في سعر الغاز الطبيعي وانعكاس ذلك على الوضع المعيشي في أوروبا، كذلك هجرة ملايين الأوكرانيين وقبلهم آلاف السوريين إلى الأراضي الأوروبية والألمانية". زد على ذلك "أن هناك عاملًا دوليًا سيؤثر في مجريات الأوضاع في أوكرانيا وعلى مجمل السياسية الخارجية الأوروبية، وهو الانتخابات الرئاسية الأميركية، وإمكان وصول الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مجددًا، على اعتبار أنّ مواقفه ضد الحرب الأطلسية مع روسيا واضحة جدًا، كذلك كان قد أعلن انسحاب القوات الأميركية من الأراضي السورية في كانون الأول 2018، ثم عدل عن ذلك بفعل ضغوطٍ أميركيةٍ داخلية، كون هذا الانسحاب لو تم، لكان لمصلحة الدولة السورية".

إذًا، يبدو أنّ التطورات الدولية متماهية إلى حدّ كبيرٍ مع مسار عودة سوريا إلى وضعها السابق ودورها الريادي في المنطقة. فبعد استعادة مقعدها في الجامعة العربية، وقد سبق ذلك الانفتاح الخليجي على دمشق، ها هي الدول الأوروبية وتركيا تأخذان المنحى عينه برغم أنّ المسار قد يستغرق بعض الوقت لكي ينضج. ولن تحصل التطورات بسرعة دراماتيكية.