لم يستغرب محور المقاومة فحوى خطاب رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو. صوّر حربه على الفلسطينيين على أنّها حرب بين أميركا وإيران مستجدياً من الولايات المتحدة مساعدة عسكرية. لكنّ الأبرز في ما قاله هو ذاك المتعلق بجبهة الجنوب التي يخوضها حزب الله إسناداً لغزّة. لم يتحدّث عن الحرب، بل غلّب إمكان الحل الديبلوماسي. قبل أن يصعد إلى المنصّة لإلقاء خطابه في الكونغرس كان حزب الله يقصف جبهة نتنياهو بقوّة. مقطع ثالث مصوّر من فيلم "الهدهد" يكشف المزيد من المواقع الحسّاسة داخل العمق الإسرائيلي موجّهاً رسالة إلى من يعنيهم الأمر. وإذا كانت الأجزاء التي سبقت، قد صُوّرت بتاريخ سابق على النشر، فإنّ الجزء الذي عُرض أخيراً تقصد حزب الله تصويره ونشره في اليوم نفسه.
لا يزال الميدان يتصدّر اهتمامات حزب الله. الجبهة تحوّلت تدريجياً إلى حرب استنزاف للطرفين، ولكنّها ستستمرّ ما دامت حرب غزة مستمرّة.
ولهذا السبب، يحتلّ الوضع في جنوب لبنان صدارة البحث في الأروقة الديبلوماسية وفي اجتماعات شهدتها نيويورك عشية التمديد لمهام قوات اليونفيل العاملة في جنوب لبنان. تصارح دول القرار لبنان بأنّ ضغوطها على إسرائيل لم تجد نفعاً إلى اليوم، وأنّ في اسرائيل حكومة تصرّ على استكمال حربها على غزّة، وأنّ امراً كهذا يلزمه الاتفاق بين إسرائيل وحماس من جهة كما بين إسرائيل وحزب الله، بما يؤمّن عودة الهدوء إلى الحدود الشمالية مع إسرائيل. حركة موفدين دوليين باتجاه لبنان تحاول التعرّف على قراءة حزب الله للوضع، ومدى إمكان الضغط على حماس للقبول بشروط وقف الحرب. في الآونة الأخيرة، تلقّى حزب الله رسائل بالجملة من خلال وزارة الخارجية اللبنانية تحذّره من نيّات إسرائيل وفشل الضغوط لثنيها عن الاستمرار بحربها.
دولياً، لا أحد يريد للحرب الإسرائيلية على لبنان أن تتوسّع. من الاتصالات والمداولات التي يخوضها لبنان من خلال وزير خارجيته عبد الله بوحبيب يتلمّس لبنان أنّ الولايات المتحدة من أكثر الدول التي تسعى إلى تطويق احتمال الحرب الإسرائيلية الواسعة على لبنان، لأنّ هذا من شأنه أن يعرّض مصالحها للخطر من جهة، ومن جهة ثانية يجبرها على الدخول طرفاً مباشراً لحماية إسرائيل.
لا يريد المجتمع الدولي حرباً إسرائيلية، ويريد لحرب غزة أن تتوقف، وتلمس أوساط سياسية رسمية امتعاضاً دولياً لأنّ حكومة إسرائيل عصيّة على أيّ مسعى إلى وقف حربها على غزة وفي جنوب لبنان. وتنقل ما مفاده أنّ جبهة الإسناد في جنوب لبنان هي الشغل الشاغل في المحافل الدولية التي تريدها أن تهدأ كي يعود سكان شمال إسرائيل إلى مستوطناتهم. غير أنّ أمراً كهذا لا يتحقّق إلّا بتسوية أو باتفاق على إنهاء الحرب لم تتضح عناصره بعد. تقول المصادر إنّ حرب إسرائيل في جنوب لبنان ستكون قاسية على إسرائيل نفسها، لأنّ أرض الجنوب ليست مشابهة لأرض غزة، وليست سهولاً واسعة، وحزب الله ليس حماس بل لديه من الإمكانات العسكرية ما يخوّله الدخول في خوض الحرب بقوة. تتابع المصادر الرسمية قولها لـ"الصفا نيوز" إن لبنان تلقّى تحذيرات ونصائح تلفت إلى ضرورة تنبيه حزب الله إلى أنّ إسرائيل قد تعمد إلى شنّ حرب، وهي ترفض الإذعان لنصائح الغرب بوقف حربها على غزة.
إلى حين وصول رئيس وزراء إسرائيل إلى الكونغرس لإلقاء خطابه، كانت الأجواء ضبابية بأكملها، حتى للمجتمع الدولي، وسط توقّعات بأن نتنياهو قد يعلن وقفاً للحرب من طرف واحد. لكنّه أعلن مضيّه في خوضهاً مصوّراً نفسه على أنّه يخوض حرب أميركا في مواجهة أعدائها.
أمّا بالنسبة إلى لبنان فلم يتحدّث عن الحرب، مفسحاً في المجال للمساعي الديبلوماسية لتستكمل عملها. لكنّ الأفكار التي وضعها الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين صارت في مهبّ المجهول، وقد ارتبط البحث فيها بوقف الحرب على غزة. ما يفصح عنه الموفد الأميركي أمام زواره أنّ أيّ زيارة للبنان لن تعود بالفائدة ما دامت حرب إسرائيل على غزة مستمرة، وهذا ما يجعل طرح الأفكار لعودة الأمن غير ممكنة، وبالتالي فإنّ الجميع ينتظرون وقف حرب غزة من أجل تحريك المفاوضات مجدداً. وما يفصح عنه حزب الله هو أنّ مصير هوكستين بات هو أيضاً في مهبّ المجهول مع مستجدّات العملية الانتخابية في بلاده.
وتتحدث مصادر ديبلوماسية عن مخاض صعب تعيشه المنطقة، لكنّها لا تلغي احتمال التوصّل إلى وقف للحرب، بناءً على رغبة نتنياهو المستجدة، ربما في تسليف الرئيس الأميركي جو بايدن نقاطاً إيجابية، وهو الذي جعله موضع إشادة يوم أعلن عزوفه عن الترشح. بايدن المنسحب من المعركة الرئاسية لمصلحة نائب الرئيس، لا يزال رئيساً للولايات المتحدة لأشهر عدة مقبلة، وهو أمر قد يعدّ إيجابياً من حيث تعزيز فرص وقف الحرب، وسلبياً في المقابل لأنّه لم يبقَ مضطراً إلى المسايرة، وبالتالي من الممكن أن يقدم على أي خطوة قد تكون لمصلحة نتنياهو.
مخاض صعب تعيشه المنطقة، لكنّها لا تلغي احتمال التوصّل إلى وقف للحرب
لا يزال خطاب نتنياهو موضع تشريح لدى المكتب السياسي لحزب الله، كما ردات الفعل على فيلم "الهدهد". كذلك لا يزال حزب الله على موقفه المستبعد توسعة دائرة الحرب في جنوب لبنان، مع علمه أنّها بدأت تتحول حرب استنزاف، ولكنّها ستستمر. وفي رأي مصادره العليمة أنّ أيّ تطوّر جديد في الميدان أو لجهة الاتفاق على وقف لإطلاق النار قد لا يتبلور قبل الانتخابات الأميركية!