مع ارتفاع وتيرة التهديدات الإسرائيلية بتوسعة نطاق القصف على لبنان، وضرب بيروت وضواحيها، ومع كلّ كذبة جديدة يروّجها الإعلام الغربي لخرائط تزعم وجود مخازن أسلحة لحزب الله، تارة في جونيه، وطوراً في مطار بيروت، ومع تهافت البيانات التحذيرية للسفارات وطلبها من رعاياها ترك لبنان، تبرز مقاومة من نوع آخر، مقاومة سياحيّة بامتياز أبطالها لبنانيون، أطلقوا مبادرات فردية احتضن بعضها نوابٌ ووزراء، وبقيت أخرى يتيمة.

راشيا تتحدّى

ومن هذه المبادرات، إطلاق فعاليات لجنة الأنشطة السياحية لعام 2024، في بلدة راشيا الحدودية، برعاية من وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد مكاري وعضو كتلة "اللقاء الديمقراطي" النائب وائل أبو فاعور، وبدعوة من جمعية اللقاء البيئي في قضاء راشيا بالشراكة مع بلدية راشيا واتحاد بلديات جبل الشيخ. ودُعي عدد من الإعلاميين والفنانين ورؤساء ومديري تحرير، ومندوبي تلفزيونات ووسائل إعلام مرئية ومسموعة ومكتوبة ومواقع تواصل اجتماعي وناشطين بيئيين، لتمضية يوم في بلدة راشيا والتعرّف على معالمها السياحية والدينية والبيئية. فزاروا جميعهم واحدة من أقدم الكنائس في راشيا، البالغرعمرها الـ300 سنة، والسوق العتيق، والقلعة.

وفي هذا الإطار، قال أبو فاعور لـ "الصفا نيوز" إنّه "رغم الألم الكبير لما يجري في فلسطين وفي جنوب لبنان، نبعث برسالة تحدٍ مفادها أنّ الشعب اللبناني، وحتّى في المناطق القريبة من الحدود، لا يزال يصرّ على الحياة، ويتحدّى العدو الإسرائيلي، مثبتاً أنّ هذه البلاد قابلة للحياة. والهدف إظهار جمالية هذه المنطقة. ونطلب من الإعلاميين التسويق سياحياً للمنطقة في صفوف اللبنانيين والمغتربين".

ولم ينكر أبو فاعور وجود عتب على وزارة السياحة لعدم شملها منطقة راشيا ومناطق الجنوب بالحملة التسويقية، قائلاً "كنّا نتمنى على وزارة السياحة شمل جميع المناطق اللبنانية"، مشدّداً على أنّ "ما يحصل اليوم هو مقاومة سياحية".

أمّا مكاري فاعتبر في حديثه لـ"الصفا نيوز" أنّ " المجيء إلى راشيا في هذه الظروف ليس مسألة عابرة، بل على العكس هو عودة إلى جذور التاريخ لأنّ الاستقلال انطلق من هنا ولبنان تأسس من هنا، من سجن بعيد عن راشيا نحو 100 كلم، واللبنانيون في وقت الصعوبات مدعوون إلى الجذور المتأصلة في أهل هذه المنطقة وتاريخها وتقاليدها وعاداتها".

وأكّد مكاري أنّ "على الشباب بشكل خاص زيارة راشيا وقلعتها كي يعرفوا أنّ لبنان الجميل تأسس من هذه المنطقة"، داعياً مئات آلاف المغتربين من اللبنانيين كما الأخوة العرب والسياح إلى زيارة لبنان، و"هذا هو دور الإعلام الإيجابي وكلّنا عائلة واحدة، في هذا اليوم التاريخي للإعلام اللبناني”.

من راشيا إلى صور المقاومة واحدة

وإلى خطّ المقاومة السياحية، ينضمّ جورج نور، وهو من سكّان مدينة صور في جنوب لبنان، الذي أوضح لـ"الصفا نيوز" أنّ "صور تحمل اليوم راية المقاومة السياحية والصمود، وحبّ أهلها لأراضيهم. فصور لا تُحَبّ في أيام السلام فحسب، لأنّها غنيّة بالمواقع الأثرية، وأماكن السهر، والشاطئ الجميل، وأماكن العبادة المتنوّعة، بل يجب أن نحبّها أيضاً في أوقات الحرب. ونحن نأسف أنّ صور أصبحت منبوذة بعد 7 تشرين الثاني 2023، حتّى من أهلها. في الوقت الذي كانت الرقم واحد في مناسبات الفرح، وكانت تستقطب 600 ألف سائح قبل الحرب في غزة". سائلاً "ماذا ينقصها صور؟ فجميع بيوت الضيافة فتحها أهلها أمام السياح والمغتربين، للاستمتاع بكلّ المميزات التي توفّرها هذه المنطقة، من أسواق تراثية، وسياحة بيئية، ودينية، وثقافية، وحتى سياحة الأكل وعلى رأسها مطاعم السمك".

وشدد نور على أنّ "أهمّ وأنظف شواطئ في لبنان هي شواطئ الجنوب"، مستغرباً تغييب الوزارة صور عن مشوار السياحة؟"، مضيفاً "تعوا لعنا، فأبوابنا مفتوحة، وقلوبنا أيضاً".

وأكّد نور أنّ "الجنوب لطالما كان منطقة منسية في لبنان، ومهملة من قبل الدولة التي تحرمه وأهله من أبسط الخدمات. وكانوا يسمون مناطقنا بمناطق الأطراف. واليوم هذا الجزء المهم من لبنان يتألّم وحده"، داعياً "المعنيين إلى الاهتمام بصور وبمناطق جنوب لبنان".

ونفى ما تمّ تداوله في الاعلام وعلى منصات التواصل الاجتماعي، ومحوره أنّ معظم بيوت الضيافة في صور مغلقة، مؤكّداً أنّ "قلّة هي البيوت التي أغلقت أبوابها، فيما الأكثرية تزاول نشاطها بشكل طبيعي".

أهمية تنشيط القطاع السياحي

على مقلب آخر، ذكرت وزارة السياحة في حملتها التسويقية مدينة عنجر، وذلك على الرّغم من قربها من منطقة بعلبك، التي شملتها نيران الحرب الإسرائيلية، وهو ما يدفع إلى السؤال عن الأسباب التي جعلت الوزارة تسلّط الضوء على مناطق لبنانية معيّنة على حساب أخرى.

يذكر أنّ في لبنان قرابة الـ200 بيت ضيافة، يضمّ الجنوب قسماً كبيراً منها. وتتنوّع أماكن وجود هذه البيوت بين الغابات والشواطئ وداخل الأسواق. أمّا أسعارها فتعتبر الأرخص في لبنان، وتبدأ من 20$ في الليلة الواحدة وتصل إلى 200$ حدّاً أقصى، وهذا ما يتناسب وجميع الأذواق والموازنات.

ويشرح الخبير الاقتصادي د. خلدون عبد الصمد لـ"الصفا نيوز"، أنّ "اقتصادات الدول تقوم على ركيزتين، الأولى هي الاقتصاد الثابت، الذي يضمّ الزراعة والصناعة والتجارة، أمّا الركيزة الثانية فهي الاقتصاد المتحرك، الذي يضمّ قطاع الخدمات والسياحة، والمصارف".

وأضاف عبد الصمد "يرتكز لبنان بشكل رئيسي على قطاع السياحة، في ظلّ ضعف قطاع الخدمات والقطاع الصناعي، ويتمتع لبنان بمقوّمات جاذبة للسياح جعلت هذا القطاع الرافد الأساسي للاقتصاد على الرغم من كلّ الحروب والأزمات التي عاشها البلد"، مشدّداً على أنّ "القطاع السياحي اليوم، هو ثاني أكبر مورد للدولة، بعد تحويلات أموال المغتربين، إذ يدخل إلى لبنان حوالى الـ5 مليارات دولار واردات من قطاع السياحة مقابل 7 مليارات دولار تحويلات المغتربين إلى ذويهم. وهذا الرقم يشكّل نصف الناتج المحلي الذي يبلغ 28 مليار دولار بعد الأزمة".

ولتنشيط القطاع السياحي في لبنان، يجب أولاً، ضمان أن يكون الأمن مستتباً، ثانياً، تخفيض أسعار بطاقات السفر، وتوسعة خارطة المناطق التي يمكن زيارتها، بالإضافة إلى تخفيض الضرائب على المطار، وتنشيط الحملات التسويقية وتوسعة نطاقها لتشمل كلّ المناطق. كذلك يجب تنشيط سياحة الأعمال عبر استضافة مؤتمرات وإحياء الندوات. وعند تنشيط القطاع السياحي، تنشط الحركة الاقتصادية في البلد وترتفع فرص العمل والمداخيل على السواء، فتتحسن القدرة الشرائية للأفراد، وتبدأ العجلة الاقتصادية بالعودة إلى السكّة الصحيحة".