قبل أن نتحدث عن مقدار ما يصرفه اللبنانيون خارج البلاد على أسفارهم السياحية، يجب أن نعرف كم يصرفون على السياحة الداخلية.
يقول الخبير المالي نسيب غبريل لـ "الصفا نيوز"، إنّه " في 2023 بلغت الإيرادات المباشرة من السياحة 5 مليارات و 400 مليون دولار مقارنةً بـ 5 مليارات و 320 مليون دولار في 2022. وهذا يظهر تعافي القطاع السياحي، مع أنّ الإمكانات تسمح بتحقيق أرقام أكبر من ذلك بكثير، لأنّ معدّل الإيرادات السياحية المباشرة بلغ 6 مليارات و 100 مليون دولار سنوياً بين 2002 و 2022. ووصل إلى الذروة في 2019، مسجّلاً 8 مليارات و 600 مليون دولار. وهذا يظهر إمكانات السياحة عندما تكون الظروف ملائمة.
أمّا بالنسبة إلى ما يصرفه اللبنانيون خارج لبنان، فيقول غبريل "معروف أنّ اللبنانيين يحبّون السياحة، وفي 2023 بلغت النفقات السياحية للبنانيين خارج البلاد 3 مليارات و 700 مليون دولار بارتفاع 15.5 في المئة من 3 مليارات و 200 مليون دولار في 2022.
وإذا أخذنا الأرقام فصلياً، نرى أنّ أعلى أرقام جاءت في الفصلين الثاني والثالث، إذ بلغت 919 مليون دولار في الفصل الثاني من 2023 ومليار و 200 مليون دولار في الفصل الثالث من السنة نفسها، وهو فصل السياحة والسفر بامتياز. والأرقام الفصلية تظهر أنّ النّفقات السياحية خارج لبنان ارتفعت 32 في المئة في الفصل الأول من 2023 مقارنةً بالفصل الأول من 2022، و 32.6 في المئة في الفصل الثاني من 2023 مقارنةً بالفصل الثاني من 2023، و 16.5 في المئة في الفصل الثالث من 2023 مقارنة بالفصل الثالث من 2022 ، وتراجعت بنسبة 10.5 في المئة في الفصل الرابع من 2023 مقارنةً بالفصل الرابع من 2022.
والارتفاع الإجمالي بنسبة 15.5 في المئة في الفصل الثالث من 2023 مقارنة بـ2022 له عدة أسباب، بحسب غبريل، أهمّها "تحسّن القدرة الشرائية والدخل لقسم من المواطنين اللبنانيين بعد تعديل الرواتب والأجور في القطاع الخاص. وتراجعت النفقات السياحية في الخارج في الفصل الرابع بسبب اندلاع الحرب في غزة والأوضاع المتوترة في جنوب لبنان".
فأيّ دول يصرف فيها اللبنانيون أموالهم؟ يحسب غبريل "تظهر الإحصاءات في العام 2023، أنّ مصر شكّلت نسبة 10 في المئة من عدد السياح اللبنانيين في الخارج وتعادلها تركيا بنسبة 10 في المئة أيضاً، وتأتي اليونان بعدهما بـ9 في المئة، فإيطاليا بـ 9 في المئة أيضاً، ومن ثمّ سوريا بنسبة 7 في المئة.
أمّا في العام 2019، أي قبل الأزمة، فقد كانت تركيا الوجهة السياحية الأولى للبنانيين، إذ تسيطر على حصّة 18 في المئة منهم، تليها سوريا بنسبة 14 في المئة، ففرنسا والإمارات بنسبة 11 في المئة لكلّ منهما، وأخيراً الكويت بـ 6 في المئة. وذلك بحسب أرقام مؤسسة أوكسفورد إيكونوميكس ومنظمة السياحة العالمية.
وعوامل الجذب للبنانيين، بحسب غبريل، هي الكلفة المنخفضة للسياحة والخدمات في مصر وتركيا. أمّا اليونان وإيطاليا فهما وجهتان سياحيتان أساسيّتان بغضّ النظر عن الكلفة لكون هذان البلدان يسمحان للسيّاح بالسفر إليهما بموازانات متعددة".
وإزاء الكلفة المنخفضة للسياحة في دول الخارج، هل أصبح لبنان أغلى من غيره؟ يقول غبريل "إذا قارنّا لبنان بوجهات سياحية أوروبية ووجهات أبعد كأميركا الشمالية أو روسيا، لا يزال لبنان أرخص بكثير. أمّا إذا قارنّاه بتركيا ومصر فتختلف الأمور، لأنّ تركيا معروفة باستقطابها السيّاح من كلّ الفئات، بالإضافة إلى تقديمها حِزماً سياحية رخيصة (عروض وpackages) واعتمادها على الأعداد المرتفعة إذ يدخلها عشرات الملايين من السياح سنوياً".
أمّا مصر، يضيف غبريل، "فموقعها الجغرافي القريب من لبنان، وتدهور سعر عملتها مقارنة بالدولار الأميركي، فضلاً عن التسهيلات في التأشيرات، هذه العوامل كلها جعلت منها مركز جذب للسياح، وبلداً رخيصاً".
وفي ظلّ المنافسة السياحية في المنطقة، كيف بإمكان لبنان أن يحفّز السياحة في الداخل؟ يجيب غبريل أنّ "الحملات التسويقية التي تقوم بها وزارة السياحية تشجّع السياحة إذ تبرز معالم الجمال في لبنان، وتركّز على نقاط قوّته، وهذا ما يجذب المغتربين والسيّاح، ويشجّع السياحة الداخلية أيضاً. وكان عنوان الحملة العام الماضي "أهلا بهالطلّة"، أمّا هذا العام، فالعنوان هو "مشوار رايحين مشوار". كما أنّ لبنان غنيّ بسياحته الداخلية، من حيث تنوّع الأنشطة من سياحة بيئية، ودينية، وثقافية وغيرها. ومنذ بداية الأزمة، بدأ اللبنانيّون يفضّلون السياحة الداخلية، وهذا ما أدّى إلى فورة في بيوت الضيافة في مختلف المناطق اللبنانية، ولا سيما الريفية منها، وهو ما ساهم في تحقيق تنمية سياحية مناطقية. وقبل الأزمة، كان السيّاح الأجانب يأتون من أوروبا إلى لبنان ومعهم خرائط تساعدهم على مزاولة نشاطات رياضية كتسلّق الجبال والمشي في الطبيعة وزيارة مناطق لاستكشاف معالمها الأثرية والتاريخية والثقافية والدينية. فلبنان هو وجهة تلقائية وطبيعية للسياحة البيئية والدينية والثقافية والتاريخية، وبإمكانه منافسة أيّ وجهة أخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا".
لبنان حقق هذه السنة من السياحة خمسة مليارات وأربعمئة مليون دولار
وكان قد توقّع المجلس العالمي للسياحة والسفر أن تبلغ نفقات السياحة الداخلية في لبنان مليار ومئة مليون دولار في 2024 في حين بلغت 3 مليارات و600 مليون دولار في 2019 وملياراً ومئة مليون دولار في 2023.
وعن أهميّة السياحة بالنسبة إلى الاقتصاد، يشير غبريل إلى أن لبنان حقق هذه السنة من السياحة خمسة مليارات وأربعمئة مليون دولار، أي 25 في المئة من الناتج المحلّي تقريباً. وهذا الرقم يظهر أهمية السياحة للحركة الاقتصادية. أمّا العائدات السنوية التي تجنيها الدولة من القطاع السياحي، فتوفر بالدرجة الأولى وظائف وفرص عمل للشباب. وتزيد إيرادات الدولة من الضرائب، فالدولة تجني إيرادات مهمّة من السياحة من الضرائب المباشرة وغير المباشرة. وذلك من خلال حركة الطيران، وكازينو لبنان، بالإضافة إلى نفقات السيّاح، ومن خلال حركة الفنادق والمطاعم وبيوت الضيافة والنوادي الليلية، فضلاً عن تحريك السياحة أكثر من 14 قطاعاً تستفيد من زيادة الطلب على الخدمات والسلع، وتحقق المزيد من الأرباح، وبالتالي تحقّق الدولة المزيد من الإيرادات الضريبية".
وأضاف غبريل "عندما اندلعت الحرب على غزّة وعلى الجنوب، تضرّر القطاع السياحي. والغريب أنّ بعض القيّمين على القطاع نعوا الموسم بعد بضعة أيام من اندلاع المواجهات في الجنوب، ولكن القطاع أظهر أنّه يستطيع أن يقاوم على طريقته تداعيات الحرب، ورأينا المغتربين في ربوعنا في عطلة عيد الميلاد ورأس السنة. ونراهم في هذا الصيف أيضاً".
أمّا الفيديو التسويقي الذي أطلقته وزارة السياحة اللبنانية، فقاربت نسبة مشاهدته المليون، وهو إن دلّ على شيء فعلى أنّ لبنان وجهة سياحية جذّابة تتألّق بين دول الشرق الأوسط والعالم رغم الإمكانات المتواضعة والتحديات التي تواجه جميع قطاعاته.