أن يعلن الرئيس التركي رجب الطيب إردوغان أنّه في صدد توجيه دعوة إلى الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والسوري بشار الأسد لزيارة تركيا، ثم استعداده للقاء نظيره السوري في بلد ثالثٍ، هذا ما تعتبره المصادر المتابعة للشأن السوري مؤشّرًا يُنبئ بأنّ "مشروع المصالحة السورية- التركية بلغ مرحلةً متقدمةً، وإلّا لما كان إردوغان أطلق هذا الموقف، خصوصًا أنّ الأسد متمسّك بثوابته القومية المتعلّقة بوحدة سوريا وسيادة قرارها. ولم يصدر عنه، أو عن أيّ مسؤولٍ في دمشق، سوى موقفٍ واحدٍ ثابتٍ هو أنّ "سوريا مع إقامة العلاقات البنّاءة مع تركيا على أن تكون مرتكزةً على احترام سيادة البلاد وعدم التدخل في شؤونها الداخلية".

انطلاقًا من التمسّك بهذه الثوابت، لا يمكن عقد أيّ لقاءٍ على المستوى الرئاسي بين الجانبين السوري والتركي، قبل أن يبادر الأخير إلى اتخاذ خطوةٍ كبيرةٍ على طريق تبادل الثقة بينهما، كالاتفاق على جدولٍ زمنيٍ لانسحاب قوات الاحتلال التركي من الأراضي السورية، إضافة إلى تنظيم عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، خصوصًا أن لدى سوريا حاجة في الظروف الراهنة وفي المستقبل إلى الموارد البشرية لتوظيفها في مختلف القطاعات الإنتاجية والمهن الحرة، بعدما نشطت حركة اللجوء والنزوح السوري إلى الدول المجاورة، بفعل الحرب الكونية على سوريا.

تعقيبًا على ما ورد آنفًا، ترجّح مصادر في المعارضة السورية أن "تكون مواقف إردوغان جدّيةً وتحمل في طيّاتها خطوات عملانية تسهم في إعادة الثقة المتبادلة بين دمشق وأنقرة، كالتفاهم على انسحاب القوات التركية من بعض مناطق الشمال السوري، ورفع الغطاء عن التنظيمات المسلّحة الناشطة على الأراضي السورية، والتي تحظى بالرعاية التركية". غير أنّ المصادر عينها تنفي علمها بأيّ إجراءٍ فعلّيٍ متعلقٍ بهذا الشأن.

وما يعزّز إمكان عقد اللقاء بين الأسد وإردوغان هو أنّ الأخير جدّد في الساعات الفائتة موقفه الذي دعا فيه الأسد إلى لقاء في بلد ثالثٍ وسط معلومات مفادها: "أنّ الرئيس التركي كلّف وزير خارجيته هاكان فيدان التواصل مع نظيره السوري فيصل المقداد لتنظيم عقد لقاءٍ رئاسيٍ بين الجانبين السوري والتركي". وتؤكّد مصادر عليمة في الشأن التركي أنّ "هذا التقدّم في المواقف التركية الإيجابية المتكرّرة حيال دمشق، يوحي قرب نضج تسويةٍ بينهما برعاية روسيةٍ، علمًا بأنّ تركيا لم تتخذ حتّى الساعة على أرض الواقع أيّ خطوةٍ تنفيذيةٍ على "طريق المصالحة مع جارتها"، كالبدء بانسحاب قواتها من الأراضي السورية، هذا على سبيل المثال لا الحصر".

الملفّات متعددة ومعقّدة بين سوريا وتركيا، ويتطلّب حلّها وقتًا طويلًا وجهدًا كبيرًا

في المقابل، لم تصدر أيّة إشارةٍ إيجابيةٍ من دمشق تجاه أنقرة، سوى موقف الأسد المذكور أعلاه، في انتظار أن يقرن إردوغان أقواله بأفعال. فما قدّمه يقتصر على المواقف الإيجابية إزاء سوريا، غير أنّه لم يقدّم حلولًا للمشكلات القائمة. وفي هذا الصدد، لا يستبعد خبير في الشؤون التركية أن "يقدّم الرئيس التركي تعهّدًا مكتوبًا أو شفهيًا أمام الجانبين الروسي والإيراني يؤكّد فيه التزامه احترام السيادة السورية أرضًا وقرارًا، الأمر الذي قد يمهّد لعقد لقاء بين الأسد وإردوغان في بلد ثالث".

ويرى أن "لدى أنقرة حاجة اقتصادية وأمنية إلى إعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، لما لهم من أعباء على الاقتصاد التركي، وإلى إعادة فتح الحدود مع سوريا، لما لها من أهمية جغرافية في المنطقة، فهي بوابة تركيا على الشرق الأوسط. كذلك لا مصلحة لتركيا بإبقاء بؤرةٍ إرهابيةٍ عند حدودها الجنوبية، أي "إمارة جبهة النصرة" في إدلب السورية، والمصنّفة إرهابيةً وفقًا لقوائم الأمم المتحدة".

كذلك يعتبر الخبير أنّ "بإمكان السلطات التركية التفاهم مع نظيرتها السورية للحدّ من خطر الانفصاليين الأكراد في شمال شرقي سوريا، والإجهاز على "مشروع الكونتون الكردي" هناك، لما في ذلك من مصلحةٍ مشتركة ٍللبلدين".

وتجدر الإشارة إلى أنّ أنقرة تعتبر نشوء "كونتون كردي" في الشطر الثاني من الحدود، تهديدًا لأمن تركيا القومي.

إذًا، فإنّ الملفّات متعددة ومعقّدة بين سوريا وتركيا، ويتطلّب حلّها وقتًا طويلًا وجهدًا كبيرًا، ولكن لا بد من أن تسلك طريق الحلّ من خلال بدء النظام التركي تغيير سلوكه العدواني السابق حيال جارته سوريا، وبالتالي اتخاذ خطوات جدية وعملانية على هذا الطريق تسهم في إعادة الثقة بينهما وصولًا إلى إعادة تفعيل العلاقات الثنائية.