من قصر الصنوبر، انطلقت أولى خطوات المعارضة للترويج لخارطة الطريق التي اقترحتها لإنهاء الشغور الرئاسي. تجاوزت عرف الانطلاق من عين التينة ولقاءها رئيس مجلس النواب، عارضت ترؤسه للتشاور الذي دعت إليه، كما رفضت دعوته إلى المشاركة، وإن كانت قد طلبت موعداً لزيارة طرفي الثنائي. وإذا كان المكتوب يُقرأ من عنوانه، فإن ّالاقتراحين بما تضمّناه لم يحظيا بكثير ودّ من أطراف سياسية عديدة نعت مبادرة المعارضة وسجّلت ملاحظات بشأنها.

بالنسبة إلى التيار الوطني الحر، بات رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع معطّلاً للاستحقاق الرئاسي. مثله كمثل الثنائي الشيعي. يتمسّك الثنائي بترشيح سليمان فرنجية للرئاسة، ويرفض جعجع حواراً بقيادة رئيس مجلس النواب أو بحضوره، وهو يعرف ضمناً أنّ مطلباً كهذا ليس وارداً في حسابات الثنائي أو كتل نيابية أخرى رفضت ملاقاة المعارضة إلى اقتراحاتها.

المعارضة ليست موحّدة بدليل ما تنقل مصادر نيابية فيها عن أجواء اجتماعاتها الداخلية، إذ تتحدت عن اختلاف في مقاربة الموضوع الرئاسي، فضلاً عن معارضة التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الإشتراكي الاقتراحين. تقول هذه المصادر إنّ ثمّة استياء داخل صفوف المعارضة من طريقة إدارة الموضوع وإخراجه إخراجاً يُظهر القوات مايسترو المعارضة وقائدها، وهذا أمر يتسبّب باستياء الكتائب الراضية على مضض، والتي تحفّظت في الكواليس عن البيان الذي صدر عن معراب وأعقب بيان المعارضة بما يمكن تفسيره محاولة من القوات لتزعّم المعارضة.

الانطباع الذي خرج به من اجتمعوا بالمعارضة هو أنّ دعوتها إلى التشاور شكلية ودعائية، وجاءت بناءً على ضغط من جعجع الساعي إلى التحكّم بقرارها. برأيهم، يريد رئيس القوات إبعاد تهمة تعطيل انتخابات الرئاسة عنه والإيحاء للخماسية أنّه متجاوب مع التشاور. خصوصاً بعد كلام قاسٍ سمعه عدد من نواب المعارضة التقوا حول مائدة السفيرة الأميركية قبل أيام. وينقل هؤلاء انزعاجاً قواتياً من قدرة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على التحرّك وملاقاة الجميع وطرح أفكار لتحريك الجمود الرئاسي متصدّراً الساحة الرئاسية.

تقول المعلومات إن المبادرة جاءت بإيعاز من الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الذي نصح المعارضة بالتحرّك. فبادرت هذه على الفور، وعرضت المبادرة على الخماسية التي لم تعارض مضمونها، ولو أن مصادر الخماسية قالت في الكواليس إنّها مجرّد اقتراحات لتقطيع الوقت ولا يمكن الرهان عليها. وفي تعليق الممانعة على اقتراح المعارضة أنّ الأخيرة قد تراجعت بالشكل والعدد الذي كانت تدّعي أنّه 59 صوتاً مؤيّدة لمرشحها جهاد أزعور إلى 31 صوتاً، وهو العدد الذي تقدّم بالمبادرة، وهم يتحرّكون بوحي من رئيس القوات، وهذا ما يعني تراجع العدد وعدم تلاقي قوى المعارضة على موقف يجمعها لتشكّل كتلة وازنة ومتراصّة في مجلس النواب.

رفض بري لاقتراحي المعارضة وانتقادها لا يلغيان استعداد الثنائي لاستقبال موفد منها

‏بعد اجتماعات وتحضيرات وتمهيد للخماسية وأمام الرأي العام خرجت المعارضة باقتراحين:

الأول ينصّ على أن يلتقي النواب في المجلس النيابي ويتشاورون من دون دعوة رسمية أو مأسسة أو إطار محدّد، حرصاً على احترام القواعد المتعلّقة بانتخاب رئيس للجمهورية المنصوص عنها في الدستور اللبناني. على أن لا تتعدّى مدّة التشاور 48 ساعة، يذهب من بعدها النواب، بغضّ النظر عن نتائج المشاورات، إلى جلسة انتخاب مفتوحة بدورات متتالية حتّى انتخاب رئيس للجمهورية كما ينصّ الدستور، من دون إقفال محضر الجلسة، ويلتزم جميع الفرقاء حضور الدورات وتأمين النصاب.

والثاني ينصّ على أن يدعو رئيس مجلس النواب إلى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، ويترأسها وفقاً لصلاحياته الدستورية، فإذا لم يتم الانتخاب خلال الدورة الأولى، تبقى الجلسة مفتوحة، ويقوم النواب والكتل بالتشاور خارج القاعة لمدة أقصاها 48 ساعة، على أن يعودوا إلى القاعة العامّة للاقتراع، في دورات متتالية بمعدل 4 دورات يومياً، دون انقطاع ودون إقفال محضر الجلسة وذلك إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية، ويلتزم جميع الفرقاء حضور الدورات وتأمين النصاب.

وفي الاقتراحين، قفز فوق دور رئيس المجلس وصلاحياته. لم ينتظر برّي كثيراً لينعى للمعارضة اقتراحيها بقوله"تمخّض الجبل فولد فأراً". فيما يمكن التنبؤ بموقف حزب الله الذي سبق أن أعلن رفضه أيّ حوار لا يدعو إليه رئيس المجلس أو يكون برئاسته. أمّا الحزب الإشتراكي فيمكن البناء على ما قاله نائبه وائل أبو فاعور عقب استقبال وفد المعارضة "لم نر أفكاراً جديدة من الممكن أن تقود إلى انتخاب رئيس للجمهورية. ولا يصحّ أن نقول إنّ الحوار يثير الهواجس".

رفض بري لاقتراحي المعارضة وانتقادها لا يلغيان استعداد الثنائي لاستقبال موفد منها. كان الرأي أن لا جدوى من استقبال الوفد ما دام المضمون عُرف من عنوانه، ولكنْ رأي آخر فضّل استقباله بعد مرور ذكرى عاشوراء، أي منتصف الأسبوع المقبل والاستماع إلى الطروحات التي يحملها. أمّا التيار الوطني الحر فقد انتقد ضمناً تغليب الشكل في التشاور على المضمون، وهذا ما يؤدي إلى التعطيل، وعبّر بيان الهيئة السياسية عن فحوى رؤيته، وإن كان التيار قد أبدى "تجاوبه مع ما تمّ عرضه من اقتراحين من قبل نوّاب المعارضة في سبيل التشاور لانتخاب الرئيس"، فإنّه كرر وجوب تجاوز بعض الشكليّات إذا ما كانت النتيجة مضمونة بإجراء الانتخاب.

بحسب قول مصادر سياسية، فإنّ مبادرة المعارضة مع اقتراحيها تنضمّ حكماً إلى جملة الاقتراحات التي انتهت بلا نتيجة، ولم تخرج عن كونها حراكاً في وقت تشهد المنطقة مخاضاً عسيراً، والرئاسة في لبنان لم تبقَ مدرجة على جدول اهتمامات أيّ من الدول. تنهمك فرنسا بانتخاباتها النيابية التي خلطت الأوراق وأضعفت موقف رئيسها ووضعيتها السياسية، وهي تواجه مخاض تشكيل حكومة ائتلافية. كذلك تنهمك أميركا بانتخاباتها ويغرق الحزب الحاكم في خلاف على استمرار الرئيس جو بايدن. أمّا حزب الله فعينه على جبهة الجنوب ومفاوضات وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل.