في السابع عشر من حزيران الفائت، مرّت خمسة أعوام على توقيع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قانون "قيصر" القاضي بتشديد الحصار الاقتصادي على سوريا والسوريين. ولم تمدّد الإدارة الأميركية الرّاهنة العمل بهذا "القانون" الذي ينتهي مفعوله بعد خمس سنوات قابلة للتجديد.  

"مسألة التمديد من عدمها لم تطرح في وسائل الإعلام على الإطلاق. وهذا ما يوحي أنّ هناك قرارًا سياسيًا يقضي بإبعاد هذه المسألة برمّتها عن الإعلام راهنًا، لأسبابٍ مصلحيةٍ تعود إلى الإدارة في واشنطن. وقد يكون السبب الجوهري لسحب هذه المسألة من التداول، هو محاولة هذه الإدارة إنضاج تسويةٍ لوقف الصراع في المنطقة، قد تشمل سوريا"، برأي خبير في العلاقات الدولية ومتابع للسياسة الأميركية. 

ما يوحي أنّ هناك قرارًا سياسيًا يقضي بإبعاد هذه المسألة برمّتها عن الإعلام راهنًا، لأسبابٍ مصلحيةٍ تعود إلى الإدارة في واشنطن.

ويشير الخبير إلى أنّ "التحضير لتمديد "القوانين" الأميركية المماثلة لـ"قيصر" يستغرق عادةً أشهراً عدّة، على الأقلّ. واللافت هنا غياب أيّ حركةٍ داخل الكونغرس وخارجه من أجل "التمديد". على سبيل المثال، فقد استغرق التحضير لقانون "قيصر" قبل إقراره في الكونغرس في العام 2019، ثم توقيعه من ترامب في العام 2020، نحو خمسة أعوام"، ودائمًا بحسب معلومات الخبير. 

وهذا ما يعزّز رأيه أنّ "لدى واشنطن قرارًا يقضي بإبعاد "قيصر" عن الأضواء في الوقت الراهن"، لأنهّا قد تكون في حاجةٍ إلى تبريد الأجواء لإتمام محادثاتٍ تصبّ في مصلحة أميركا وسياساتها في المنطقة، ولكن هذا لا يعني أنّها اتخذت قرارًا نهائيًا يقضي بوقف العمل بهذا "القانون"، بل تجميده لجلاء ما ستؤول إليه الأوضاع في المنطقة"، أو إلى ما قد تصل إليه "المحادثات" في حال حصولها.  

ما يعزّز فرضية وجود قرار أميركي وراء إبعاد "قيصر" عن الإعلام، أنّ بعض أعضاء الكونغرس سعوا إلى إمرار "قانون مناهضة التطبيع مع دمشق" في أواخر شباط الفائت، ثمّ أقرّته غالبية الأعضاء. لكن يبدو أنّ البيت الأبيض اعترض على العمل بهذا "القانون" الجديد، وإن في شكلٍ غير رسميٍ وعلنيٍ. وهذا ما يخفي وجود إرادة بعدم تزخيم سلاح العقوبات على سوريا، أي تركه في "مساحةٍ غامضةٍ" راهنًا، كأنّه نوع من إتاحة الفرصة للإدارة الأميركية للتفاوض اللاحق. 

في سياقٍ متّصل، لا ريب في أنّ هناك "قبّة باط" أميركية أتاحت للنظام التركي الانفتاح على فرص إعادة تفعيل العلاقات الثنائية مع دمشق، وكذلك الأمر بالنسبة إلى بعض الدول الخليجية، التي لن تُقدم على اتخاذ أي خطوةٍ على طريق التقارب مع سوريا من دون غطاءٍ من واشنطن، التي يبدو أنّها تترك لنفسها مجالًا معيّنًا للمناورة السياسية في الظروف الراهنة في انتظار جلاء صورة الوضع، سواء لتخفيف هذا الحصار أو للمضي في تشديده على الشعب السوري، إذا اقتضت المصلحة الأميركية ذلك. 

غير أنّ مرجعاً في العلاقات الدولية يستبعد "تجميد العمل بـ "قيصر"، الذي أنهك وينهك الشعب السوري، الذي يعاني أزمة اقتصادية- معيشيةً غير مسبوقةٍ في تاريخ سوريا الحديث جراء هذا القانون. وما يدعو واشنطن إلى التمسّك بتطبيق هذا القانون، هو فشل المحور الغربي في إدارة الولايات المتحدة بإسقاط الدور السوري عسكريًا، عبر المجموعات الإرهابية المسلّحة. لذا لجأت الإدارة الأميركية إلى استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية ضدّ السوريين في محاولةٍ لإخضاعهم، وتأليبهم على دولتهم، خصوصًا في غيابٍ تسوية تنهي الصراع في المنطقة". 

لهذه الغاية أيضًا، وبحسب المرجع نفسه، تدخّلت واشنطن مباشرة بقواتها في سوريا، عبر وجودها العسكري في شرق البلاد، للسيطرة على منابع النفط التي تحقق اكتفاءً ذاتيًا لسوريا، ومن أجل تقطيع أوصال محور المقاومة الممتد من إيران مرورًا بالعراق ثم سوريا وصولًا إلى لبنان في آنٍ واحد، ولا ريب في أنّ عملية "تقطيع الأوصال هذه" تسهم بقوةٍ في تشديد الحصار على دمشق، من خلال عرقلة مرور السلع الاستهلاكية وفي مقدِّمها المواد النفطية. 

بناءً على ما تقدم، يبقى الاحتمالان قائمين، أي وقف العمل بـ "قيصر" أم تمديده، في انتظار ما ستؤول إليه الأوضاع في المنطقة، خصوصًا الحرب الإسرائيلية على غزّة، والتطورات الدولية، وفي طليعتها الانتخابات الرئاسية الأميركية.