بين إعلان الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي، الأسبوع الماضي، خلال زيارته بيروت، أنّ الجامعة تراجعت عن وصف "حزب الله" بأنّه "منظمة إرهابية"، ومن ثم الاضطرار إلى إيضاح أنّ كلامه "فسّر على غير المقصود منه"، سرت تكهّنات كثيرة حول الأسباب والدوافع التي حدت مبعوث الأمين العام للجامعة على إعلان ما أعلنه في بيروت والتراجع عنه بعد عودته إلى القاهرة.
لوهلة، بدا أنّ الجامعة العربية التي أوفدت زكي إلى بيروت للإعلان عن هذا الإجراء المتّخذ في القمة العربية بالرياض عام 2023، إنّما القصد منه نزع أيّ ذريعة قد تتخذها إسرائيل مسوّغاً لتبرير أيّ حرب تشنّها في المرحلة المقبلة على "حزب الله" ولبنان، ويرمي إلى إظهار أنّ الموقف العربي موحّد، في رفض توسعة الدولة العبرية للحرب وتحويل لبنان إلى غزّة ثانية.
عزّز هذا الاعتقاد اللقاء الذي عقده زكي خلال زيارته لبيروت مع رئيس الكتلة النيابية لـ"حزب الله" النائب محمد رعد. وأشار زكي إلى نقطة مهمّة في سياق اللقاءات التي أجراها مع المسؤولين اللبنانيين أيضاً، وهي أنّ "قمة البحرين الأخيرة شهدت تطوّرات لافتة، من بينها عدم صدور قرار في شأن موضوع التدخّلات الإيرانية في الدول العربية".
وذهبت التفسيرات إلى حدّ الاستنتاج أنّ الإعلان عن قرار الجامعة العربية، ما كان ليتمّ، لو لم تكن الأجواء الإقليمية تشجع على مثل هذه المبادرة.
ما يساعد على ذلك، هو أنّ الظروف السائدة، اليوم، في المنطقة، تختلف عن تلك التي كانت سائدة في العام 2016، عندما قرّرت الجامعة العربية اعتبار الحزب "منظّمة إرهابية". عامذاك كان التجاذب الإقليمي سيّد الموقف في ظل حربين دائرتين في سوريا واليمن.
قرار الجامعة العربية، ما كان ليتمّ، لو لم تكن الأجواء الإقليمية تشجع على مثل هذه المبادرة
ومنذ اتفاق التطبيع قبل أكثر من عامين بين السعودية وإيران وما تلاه من هدنة في الحرب اليمنية، سجّلت خطوات جدّية في نطاق التطبيع بين دول الخليج العربية وطهران، وتبادل الجانبان السفراء والزيارات، وحضر الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي القمّة الإسلامية التي عقدت في الرياض العام الماضي، للبحث في الحرب الإسرائيلية على غزة.
وفي دلالة على الشوط الكبير الذي قطعته العلاقات الخليجية-الإيرانية، زار وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف بن راشد الزياني طهران في 24 حزيران الماضي، للمشاركة في حوار حول "حوار التعاون الآسيوي". والزيارة كانت مناسبة ليتّفق الزياني مع وزير الخارجية الإيراني بالوكالة علي باقري كني، على الشروع في مفاوضات لمعاودة العلاقات الديبلوماسية المقطوعة منذ ثماني سنوات بين طهران والمنامة.
وبديهي أنّ أجواء الانفتاح بين دول الخليج العربية وإيران ساهمت في كسر الحظر الذي كانت تفرضه عواصم عربية على التواصل مع "حزب الله". وعلى سبيل المثال، زار رئيس لجنة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا دولة الإمارات العربية المتحدة في آذار الماضي.
وبحسب ما تبيّن من مواقف المسؤولين الأميركيين خلال زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت للولايات المتحدة قبل أسبوع، فإنّ إدارة الرئيس جو بايدن تضغط بقوّة من أجل منع تمدّد الحرب إلى لبنان. وبعد عودة غالانت تغيّرت إلى حدّ ما التصريحات الإسرائيلية باستثناء تلك الصادرة عن الوزيرين المتطرّفين إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
وإذا كان المبعوث الأميركي الخاص آموس هوكستين يواصل بذل المساعي للتوصّل إلى حلّ ديبلوماسي يمنع إسرائيل من فتح الجبهة الشمالية، فإنّ الدول العربية ليست بعيدة عن هذه الاتصالات، وخصوصاً مصر وقطر.
وعند الحديث عن الإجراء الذي اتّخذته الجامعة العربية، تحضر إلى الذهن الخطوات التي تتخذها دول عربية حيال سوريا، ومنها تعيين السعودية سفيراً لها أخيراً في دمشق، إلى تشجيع الرياض وأبو ظبي تركيا على التقارب مع سوريا، وهو تقارب يسير ببطء لكن بثبات، مدعوماً من روسيا.
لكنّ الإيضاح الذي صدر عن زكي وتبعه موقف لأبو الغيط من تراجع الجامعة عن وصف "حزب الله" بـ"المنظمة الإرهابية"، "لا يعني بأيّ حال زوال التحفّظات والاعتراضات العديدة على سلوك وسياسات الحزب وأفعاله ومواقفه ليس فقط داخلياً فحسب بل إقليمياً أيضاً".
مراقبون وضعوا مسارعةَ الجامعة إلى الإيضاح، بأنّها نتيجة ضغوط أميركية، ونتيجة اعتراض أطراف عربية على هذه المسألة.