انهمك متابعو الشأن السوري بالخبر الذي نشرته صحيفة "آيدنليك" ( أي النور) التركية، والذي كشفت فيه عن "استئناف المحادثات في مسار التطبيع التركي مع الحكومة السورية". وبحسب الخبر، فقد التقى الوفدان التركي والسوري الأسبوع الماضي، في قاعدة حميميم الجوية الروسية في اللاذقية، على أن لقاء ثانياً سيعقد في العاصمة العراقية بغداد.
وفي إطار ردود الفعل، اعتبرت مصادر في المعارضة السورية أنّه "في حال انعقاد هذا الاجتماع بين وفدين عسكريين في "حميميم"، فهذا يعني أنّه مخصّص للبحث في الشأن العسكري وليس السياسي، وقد يكون متعلّقًا بمنطقة خفض التصعيد، التي رسمت حدودها في الجولة السادسة من مسار أستانا". مع العلم أن هذا المسار يأتي بناءً على محادثات عُقدت في العاصمة الكازاخية في أيلول 2017، ورمت إلى التفاهم على حلٍ سياسيٍ للأزمة السورية، بضمانة كلّ من روسيا، وتركيا، وإيران ومشاركة ممثل عن الدولة السورية. وتضمّ منطقة خفض التصعيد: محافظة إدلب، وأجزاء من أرياف حلب، وحماة، واللاذقية.
ولا تستبعد مصادر المعارضة أن "يكون الاجتماع المذكور مخصصًا للبحث في احتمال قيام أنقرة بهجومٍ عسكريٍ على "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) ذات الأمرة الكردية، التي تسيطر على بعض المناطق في شمال سوريا وشرقها". وتلفت إلى أنّ "التنسيق العسكري قائم بين الجيشين السوري والتركي". وتختم: "لم نلحظ حتّى الساعة أيّ تحرّكٍ سياسيٍ يتعلّق بإعادة تفعيل العلاقات السورية -التركية".
ومعلوم أنّ أنقرة أكّدت مرارًا على لسان كبار المسؤولين فيها أنّها "مستعدة لاستئناف المحادثات مع سوريا، بمشاركة روسيا وإيران، ضمن مسار تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق".
الخبير في الشأن التركي الدكتور محمد نور الدين يأمل أن "يحقّق مسار العلاقات السورية- التركية تقدّمًا لما فيه الخير للشعب السوري وشعوب المنطقة عمومًا"، غير أنّه شكّك في صحة هذا الخبر، الذي نقلته صحيفة "آيدنليك" المعروفة بنزعتها القومية التركية المتطرّفة، بخاصّة ضد الأكراد، وهي مؤيّدة لإعادة العلاقات مع دمشق.
ويوضح نورالدين أنّ "المعلومات الواردة عن لقاء حميميم غير واضحة، كذلك لم يصدر أيّ تصريحٍ أو معلومات رسميةٍ عن هذا اللقاء، من الجهات المعنية، لا السورية ولا التركية ولا العراقية، ولم يرد هذا الخبر في أيّ وسيلة إعلام أخرى. فإذا لم تتوافر وقائع أو معلومات أو معطيات، تؤكّد صحّة هذا الخبر، فيمكن اعتبار أنّه غير موثوق به".
ويشير نورالدين إلى أنّ "الاجتماعات السابقة بين الطرفين على مستوى وزيري دفاع البلدين مرارًا، وعلى مستوى وزيري الخارجية مرةً واحدةً، لم تفضِ إلى نتائج تذكر". سائلًا: "هل يؤدّي اجتماع على مستوى أمنيين، إلى النتائج المرجوةٍ، هذا إذا صح خبر "اللقاء"؟ ولماذا سيقدّم التركي تنازلاتٍ لدمشق في هذا التوقيت؟". ويختم: "رغم أن هذا "الخبر" مشكوك في صدقيته، نأمل أن تنهي أنقرة احتلالها للأراضي السورية في أسرع وقت".
أنقرة أكّدت مرارًا على لسان كبار المسؤولين فيها أنّها "مستعدة لاستئناف المحادثات مع سوريا، بمشاركة روسيا وإيران، ضمن مسار تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق".
على خط موازٍ، يؤكّد الباحث في الشأن السياسي السوري الدكتور أسامة دنورة أنّ "موقف دمشق من التطبيع مع أنقرة، واضح جدًا ولا يحمل أيّ التباس، فلا يمكن المضي قدمًا في هذا الاتجاه، قبل أن تعلن تركيا خطوات واضحة تفضي إلى إنهاء احتلال الأراضي السورية، والكفّ عن دعم المنظّمات الإرهابية. لذا فإنّ خبرًا عن أيّ اجتماعٍ ليس ميزةً بالنسبة إلى الموقف السوري". ويشدّد على أنّ "التحرك الجدّي نحو التطبيع مقترن بنيّةٍ واضحةٍ ولربما بوضع جدولٍ زمنيٍ لإنهاء الاحتلال التركي للأراضي السورية، والاتفاق على ذلك ضمن مسار ثنائي، أو متعدد، وهذا الأمر عبّر عنه بوضوحٍ وزير الخارجية السورية فيصل المقداد".
أمّا في شأن الوساطة العراقية الرامية إلى إعادة تفعيل العلاقات الثنائية السورية- التركية، فيعتبر دنورة أنّ "المبادرة العراقية واعدة، ولكن لا يجوز الإغراق في التفاؤل، لأنّ التركي كان يتملّص من التزاماته. ولكن ربما يتبدّل الموقف التركي في ضوء التحركات الانفصالية الكردية، كالدعوة إلى إجراء إنتخاباتٍ محليةٍ في المناطق التي تسيطر عليها "قسد" في المناطق المحاذية لتركيا، الأمر الذي يشكل تهديدًا لأمنها القومي".
وتعقيبًا على ما نُشر، اكتفى عضو مجلس الشعب السوري النائب الدكتور في القانون الدولي محمد بشير شربجي بالقول: "في نهاية المطاف، لا يصحّ إلّا الصحيح، فسوريا تمضي قدمًا لاستعادة دورها في العالم العربي والمنطقة، أمّا في شأن العلاقة مع تركيا، فالأمور مرهونة بخواتيمها...".