في ظلّ الأزمات الاقتصادية والبيئية التي تواجه العالم، باتت الحاجة إلى مصادر طاقة مستدامة وفعّالة أكثر إلحاحاً من أيّ وقت مضى. وتوقّعت وكالة الطاقة الدولية أن يزيد إجمالي استثمارات الطاقة عالمياً على 3 تريليونات دولار في العام 2024، وذلك للمرّة الأولى. وأوضحت في تقرير الاستثمار العالمي للطاقة، أنّه سيتمّ توجيه نحو تريليوني دولار لتكنولوجيا الطاقة النظيفة، بما في ذلك الطاقة المتجدّدة والسيارات الكهربائية والطاقة النووية وشبكات التوزيع والتخزين والوقود المنخفض الانبعاثات وتحسين الكفاءة وغيرها. في حين سيُوجّه الباقي إلى الاستثمار في الفحم والغاز والنفط.
لبنان، كغيره من الدول، يسعى إلى التغلّب على تحدّيات الطاقة من خلال تبنّي حلول مبتكرة ومستدامة. أحد هذه الحلول الواعدة هو مشاريع الطاقة الشمسية.
الوضع الحالي للطاقة في لبنان
يواجه لبنان أزمة طاقة مزمنة تتمثّل في انقطاع الكهرباء المستمر وارتفاع تكلفة الوقود الأحفوري المستورد. هذه الأوضاع دفعت العديد من الأفراد والمؤسسات للبحث عن بدائل طاقة أكثر استدامة وأقلّ تكلفة. وجاء على رأس هذه البدائل، مشاريع الطاقة الشمسية، التي تتميّز بأنّها نظيفة، ومتجدّدة، ومتوفّرة بكثرة في لبنان بفضل موقعه الجغرافي المتميز. وتساهم هذه المشاريع في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وخفض تكاليف الطاقة، والحد من انبعاثات الكربون.
في هذا الإطار، شرح لـ"الصفا نيوز" مدير المركز اللبناني لحفظ الطاقة (إل سي آي سي) المهندس بيار الخوري، قال "استخدام الطاقة المتجدّدة في لبنان، والطاقة الشمسية بشكل خاص، بدأ منذ العام 2005، تحديداً مع تسخين المياه على الطاقة الشمسية. وفي العام 2009 التزمت الحكومة اللبنانية الوصول إلى 12 في المئة من الطاقة المتجددة في العام 2020، وهو أوّل ركن رسمي في قطاع الطاقة المتجددة. ومنذ هذا التاريخ، بدأت تتطوّر مشاريع الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء بسرعة وصولاً إلى العام 2019. فنتيجة الأزمة الاقتصاديّة، نشأت فورة كبيرة في قطاع الطاقة الشمسية جراء انعدام التيار الكهربائي. كما أنّ سعر الطاقة الشمسية الذي أصبح أرخص بكثير من سعر الكهرباء من أيّ مصدر آخر، خصوصاً بعد رفع وزارة الطاقة تعرفة الكهرباء، وهو ما شجّع المواطنين على الانتقال إلى الطاقة الشمسية كبديل من مصادر الطاقة التقليدية".
وكشف الخوري أنّ "المجموع التراكمي لمشاريع الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء في لبنان إلى اليوم، هو 1500 ميغاوات، وهو ما يساوي حوالى 500 ميغاوات طاقة أحفورية، وبالتالي فإنّ 1500 ميغاوات من الطاقة المتجدّدة تنتج ما يعادل انتاج معمل كهرباء بقدرة 500 ميغاوات، وهو رقم ممتاز. فيما تشكّل الطاقة المتجدّدة (أي مجموع انتاج الطاقة الشمسية والكهرومائية من مياه الليطاني) 25 في المئة من إجمالي الطلب على الطاقة في لبنان".
11 رخصة، وماذا عن الكلفة؟
وفي لبنان 11 رخصة، بحسب الخوري، "سلّمتها الحكومة لـ11 شركة لبنانية، وكلّ رخصة تسمح بإنتاج 15 ميغاواتاً، بما مجموعه 165 ميغاواتاً، وأعطيت بناء على مناقصة انطلقت في العام 2017، ومرّت بعدة مراحل وصولاً إلى إطلاق الرخص. ومن أصل 11 رخصة هناك شركتان باعتا رخصتيهما للشركة الفرنسية CGACGM، (عملاق الشحن المائي)، وهناك نقاش مع شركات كبرى أخرى، ترغب في الاستثمار في هذا القطاع في لبنان، من بينها شركة توتال وشركة قطر أنرجي".
ولا تتخطّى تكلفة الطاقة الشمسية الـ 7 سنتات لكلّ كيلووات، يضيف الخوري، "بينما كلفة المولّد قد تصل إلى 70 سنتاً. وهنا تبرز أهمّية الطاقة الشمسية لأنّ كلّ لوح طاقة شمسيّة يركّبه المواطن اللبناني، (1 كيلووات)، يوفّر عبره مبالغ مالية كبيرة على جيبه، وعلى مؤسسة كهرباء لبنان، وعلى الاقتصاد اللبناني. كما يقلّل من ساعات التقنين، لأنّ كميّة الطاقة الشمسيّة المركّبة تسمح لكهرباء لبنان بتأمين الكهرباء 24 ساعة".
مشاريع الطاقة الشمسية تدخل في جميع القطاعات
شرح المهندس فرنسوا فرج مدير شركة "غرين اسانس ليبانون" لـ "الصفا نيوز" أنّ “مروحة مشاريع الطاقة الشمسية في لبنان واسعة جداً، وتبدأ من 4 ألواح للمنازل الصغيرة، وصولاً إلى آلاف الألواح التي تستخدم في المشاريع الضخمة وتنتج كمّيات طاقة كبيرة تراوح بين الـ 5 والـ 10 ميغاوات. وغالباً ما تستخدمها المصانع الكبيرة لتلبية حاجتها من الطاقة بتكاليف منخفضة. ولا يقتصر استخدام الطاقة الشمسية على قطاع واحد في لبنان، بل يشمل جميع القطاعات، من قطاع صحّي (المستشفيات) وتعليمي (المدارس والجامعات)، وسياحي (الفنادق والمطاعم) إلخ.".
وأضاف فرج أنّ "أكثر المناطق استخداماً للطاقة الشمسية، هي المناطق التي تتوفّر فيها مساحات شاسعة من الأراضي، والسهول، أي القرى، وليس المدن. كمناطق عكّار، والبقاع الغربي، التي تحوي مباني أقلّ وأراضي أكثر".
وعن كلفة مشاريع الطاقة الشمسية، رأى أنّها "انخفضت إلى مستويات مقبولة جداً، كما أنّ بعض هذه الأنظمة الشمسية أصبحت تردّ الكلفة الاستثمارية التي تكبّدها المرء عند تركيب الألواح، بعد سنة واحدة من الاستخدام. وتختلف تكلفة هذه المشاريع بحجم أنظمة التخزين المستخدمة فيها، (البطاريات)، فيما لا تتعدى كلفة الاسترداد في هذه المشاريع السنوات الثلاث".
وتبقى المشكلة، بحسب فرج، "في قدرة المستثمر، إن كان صاحب منزل أو مصنع، على الاستثمار في خدمات الطاقة الشمسية، في ظلّ غياب منفذ التسهيلات المصرفية".
قروض مصرف الاسكان
يذكر أنّ مصرف الإسكان قد أطلق بالتعاون مع المركز اللبناني لحفظ الطاقة مبادرة تقتضي منح ذوي الدخل المحدود والمتوسط قروضاً لتركيب محطات شمسية، في محاولة للتغلّب على أزمة ارتفاع فواتير الكهرباء وحث اللبنانيين على الاتجاه إلى الطاقة المتجددة. ومن أبرز الشروط للحصول على القرض، أن يكون طالب القرض لبنانياً منذ أكثر من 10 سنوات متمتعاً بالأهلية القانونية، وغير محكوم بجرم شائن "لا حكم عليه"، وألاّ يكون قد ورد اسمه على لائحة الشيكات المرتجعة خلال السنوات العشر الماضية. كما تتطلّب الشروط أن يكون المرفق المُراد إمداده بالكهرباء ملكية خاصة بالمتقدم للحصول على القرض أو هو لأحد أفراد عائلته، والحصول على الموافقة الخطية لنحو 75 في المئة من لجنة مالكي البناء حيث يقع المسكن.
أبرز مشاريع الطاقة الشمسية في لبنان
١- مشروع محطّة زحلة للطاقة الشمسية:
* تعد محطة زحلة من أكبر المشاريع الشمسية في لبنان، حيث توفر الكهرباء للمئات من المنازل والشركات.
* تم تجهيز المحطة بأحدث التقنيات لضمان كفاءة عالية في توليد الطاقة.
٢- مشروع جامعة بيروت العربية للطاقة الشمسية:
* ركّبت الجامعة أنظمة شمسية على أسطح مبانيها لتلبية جزء كبير من حاجتها إلى الكهرباء.
* يعزز هذا المشروع دور المؤسسات الأكاديمية في تبني الحلول المستدامة.
٣- مشروع صيدا للطاقة الشمسية:
* يهدف المشروع إلى تزويد المدينة بالكهرباء من خلال تركيب ألواح شمسية على نطاق واسع.
* يسهم المشروع في تعزيز استقلالية المدينة الطاقوية وتقليل الاعتماد على الشبكة الوطنية.
التحديات والفرص
برغم الفوائد العديدة لمشاريع الطاقة الشمسية، تواجه هذه المشاريع عدّة تحديات، منها:
- البنية التحتية: تحتاج الشبكة الوطنية إلى تحديثات لتتمكن من استيعاب الطاقة المنتجة من المصادر المتجددة.
- التمويل: تحتاج مشاريع الطاقة الشمسية إلى استثمارات كبيرة، وهذا قد يكون تحدّياً في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
- التوعية: هناك حاجة إلى زيادة الوعي بين الناس حول فوائد الطاقة الشمسية وأهمّية تبنّيها.
إذا تم التغلب على التحديات الحالية، يمكن أن تلعب الطاقة الشمسية دوراً محورياً في تحقيق الاستدامة الطاقوية في لبنان. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون هذه المشاريع نموذجاً يحتذى به في المنطقة، وهذا ما يعزز من مكانة لبنان كداعم للحلول المستدامة والابتكارية في مجال الطاقة.
تُعدّ مشاريع الطاقة الشمسية في لبنان خطوة مهمة نحو تحقيق مستقبل أكثر استدامة وأقلّ اعتماداً على الوقود الأحفوري. من خلال الدعمَيْن الحكومي والشعبي، يمكن هذه المشاريع أن تحدث تحولاً جذرياً في قطاع الطاقة اللبناني يضمن مستقبلاً أفضل للأجيال المطلة.