انضمّت الطفلة نسرين عز الدين، التي توفيت بعد أن سقطت من فجوة في باص متهالك، إلى قائمة ضحايا الموت العبثي، في بلد يحكمه الفساد والإهمال والتقصير. ونسرين سبقها كثير من أطفال في عمر الورد، منهم ماغي محمود التي توفيت في طرابلس عندما انهار سقف الصف عليها، ورين جمعة، ابنة السنة ونصف السنة، التي توفيت في العام 2022، بعد إغلاق باب الحافلة المدرسية التي كانت تقلّها من دار الحضانة على رأسها. وتعيدنا الذاكرة إلى حادثة وفاة نايا حنّا، ابنة الـ7 سنوات، بعد إصابتها برصاصة طائشة أثناء وجودها في المخيم الصيفي في مدرستها. كما لقي إيليو سلّوم في العام 2015 مصير العديد من الأطفال الذين توفّوا بسبب الإهمال في الحضانة.
المسؤولية جماعية
"سقطت بفجوة من فجوات الدولة اللبنانية"، بهذه الجملة عبّرت لمى طويل، وهي عضو في اتحاد لجان الأهل، في المدارس الخاصة، عن حادثة نسرين عز الدين، مضيفةً "نسرين وقبلها أطفال كثر خسروا حياتهم نتيجة الاستهتار".
وردّت طويل المسؤولية في حديثها لـ"الصفا نيوز"، إلى "وزارة الداخلية بالدرجة الأولى"، سائلةً "أين رقابة الوزارة التي تقع عليها مسؤولية التأكّد من سلامة وسائل النقل الخاصة بالمدارس؟".
وأضافت أنّ "المدارس الخاصّة غير مسؤولة عن الباصات التي لا تملكها، أمّا وزارة التربية فتتحمّل جزءاً من المسؤولية، إذ يجب أن يكون هناك نوع من التفتيش والرقابة على كل الوسائل التي تنقل الطلاب، والتابعة إلى المدارس والحافلات الخاصة".
وتابعت طويل "تقتصر مسؤوليتنا، كلجان أهل، على المواضيع الخاصة بالمدرسة، والتي تحدث داخلها وليس خارجها، إلاّ أنني ألوم أيضاً الأهل الذين لم يتأكّدوا من مدى سلامة وسائل النقل التي تنقل أطفالهم إلى المدرسة. ويبقى الخطأ الأكبر على من يملك الباص، الذي تقع عليه مسؤولية قانونية كبيرة، والذي بدوره يجب أن يكون مؤمّناً على الباص".
وقالت "هذه ليست المصيبة الأولى التي تصيب أطفالنا، فقبل نسرين سقط الكثير من الأطفال نتيجة إهمال المعنيين. وبالتالي، إنّ المسؤولية جماعية".
على ماذا ينصّ القانون؟
في سياق متصل، قالت مصادر قانونية لـ"الصفا نيوز" إنّ "المراسيم الصادرة عن مجلس الوزراء تظهر أنّ الشروط نفسها تطبّق على أصحاب الحافلات الخاصّة والباصات التابعة إلى المدرسة. فصاحب الباص يجب أن يمتلك عقد تأمين على الباص، يغطّي الأضرار الناتجة من أيّ حادث، كما يُثبت أنّ وضع الباص جيّد يراعي المواصفات القانونية وملتزم معايير السلامة، وإلاّ فلا تؤمّن شركات التأمين على الباص. كما يشترط القانون حيازة الباص شهادة معاينة ميكانيكية. وعندما تتوفّر هذه الشروط، على صاحب الباص الالتزام بعدد طلاب معيّن، بحسب قدرة الباص الاستيعابية، ورخصة المركبة الصادرة عن هيئة إدارة السير. كذلك يجب أن يكون هناك مرافق موجود دائماً مع السائق، وإلاّ تفرض على الأخير غرامة ماليّة".
وتابعت المصادر "في حادثة نسرين، يجب انتظار التحقيقات، التي ستظهر ما إذا كانت الشروط المذكورة أعلاه منفّذة أم لا"، مشددةً "على نقص الرقابة، إذ لا وجود لأجهزة رقابية رسمية على باصات المدارس، التي تستخدم بشكل دوري، وهذا الأمر متروك إمّا للمدارس، أو لصاحب الباص إذا كان خاصاً، أمّا الجهاز الوحيد المولج بممارسة هذا الدور، فهو قوى الأمن الداخلي، انطلاقاً من دورها في تطبيق قانون السير. أمّا الكشف الدوري الوحيد الذي يجب أن يحصل على الباصات، فهو من خلال المعاينة الميكانيكية المتوقفة منذ أكثر من سنتين عن العمل".
أزمة رخص السير وغياب المعاينة
وقال لـ”الصفا نيوز" المحامي زياد عقل، رئيس مؤسسة اليازا "إننا نعاني مشكلة كبيرة جداً في قطاع النقل، والتقصير كبير جداً لدى وزارة الداخلية، وهيئة إدارة قطاع السير، إذ من غير المقبول ألا يكون هناك امتحانات قيادة منذ أكثر من عامين، فيما هناك شباب تخطى عمرهم الـ21 عاماً، ومن حقهم الحصول على رخص قيادة، لكنهم محرومون منها، اليوم. كما نرفض القرار الذي صدر في أيّار 2022، أيّ قبل أكثر من عامين وشهرين، لأنّ ثمة خللاً في الشركة المشغّلة لقطاع المعاينة الميكانيكيّة الذي تملكه الدولة، ومن الضروري تحسينه ومعالجة الخلل الذي يعانيه".
ولفت إلى أنّ "معظم المواطنين اللبنانيين لا يقومون بالمعاينة الميكانيكيّة الذاتية بشكل دوري. وبغياب هذه المعاينة، تكثر المآسي كالتي أدّت إلى قتل الطفلة نسرين، لأنّ صاحب الباص، على غرار عدد كبير من أصحاب الباصات، والسيارات، غير مهتم بالسلامة العامّة، فيما الجهات المعنيّة لا تقوم بدورها كما يجب، ويا للأسف".
وختم عقل "رهاننا على المحاكم التي يجب أن تلعب دوراً قيادياً في ملفّ السلامة المروريّة، وأن تتابع التحقيق بجديّة، وتعيّن من تقع المسؤولية عليه. وهنا، تبرز أهميّة دور القضاء في موضوع سلامة السير، وتحقيق العدالة للأهل، ليبقى الرهان على المحاكم في التعامل الجاد مع قضية كهذه، ومع جميع القضايا المشابهة".
كثرت الروايات عن سبب الفجوة في الباص، وعن وجود خدعة ما بغية استخدامها في أمور غير قانونية، إذ قيل إن للأمر علاقة بعصابات سرقة الريغارات المعدنية من الطرق. كما قيل إن للمسألة علاقة بظاهرة التهريب عبر الحدود. أيّا كانت الرواية الحقيقية التي من المؤمل أن تكشف عنها التحقيقات، يبقى أن ياسمين فارقت الحياة تاركة خلفها أهلها المفجوعين بوفاتها بهذه الطريقة البشعة.
أما السؤال الأهم فهو إلى متى سيبقى هذا هو حالنا؟
يبدو أن هذا السؤال أصبح "كليشيه"يخفي في طيّاته وجعاً كبيراً، وعتباً، وغضباً، وقرفاً من وضع أصبح سامّاً، وأفقدنا أيّ أمل بالشفاء.
فإلى متى سيبقى أطفالنا ضحايا طبقة غير مهتمة وغير معنية وغائبة عن السمع، طبقة في غيبوبة دائمة عندما يتصل الأمر بالمجتمع وبالمواطنين؟