في اجتماع رسمي مغلق، اعترفت ممثلة ديبلوماسية الاتحاد الاوروبي في لبنان ساندرا دو وال "بأنّ ما قالته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين زاد موضوع النازحين تعقيداً"، مقرّةً أنّ المشكلة الأساسية جاءت من رئيستهم التي تحدّثت عن مليار يورو هي عبارة عن برنامج مساعدات الاتحاد الأوروبي للبنان على مدى أربع سنوات. يحتسب للنواب إجماعهم على قضيّة وحّدتهم إلى درجة الاعتقاد بأنّ معظمهم تحدّثوا بلسان حال جبران باسيل يوم كان سبّاقاً إلى إثارة الموضوع واتّهموه بالعنصرية. طالب نائب الحزب الاشتراكي بعودتهم فوراً إلى سوريا، ولم يعد النازح لاجئاً في قاموس القوات. ليست عملية تبديل مواقف بل تغيّرات في المنطقة بدأ الجميع يتلمّسونها ويسعون إلى ركب الموجة. كلّ الأنظار متجهة نحو مؤتمر بروكسل وما ستخرج به دول الإتحاد الأوروبي من توصيات متعلّقة بالنازحين.
تؤكّد مصادر مطّلعة على وجود تواصل حصل بين الحكومتين اللبنانية والسورية. تناول البحث سبل حلّ أزمة النزوح في لبنان والتنسيق بشأن مؤتمر بروكسل، وكان الاتفاق على انتظار نتائج هذا المؤتمر وما سيخرج به من توصيات. وكشفت مصادر مطلعة لـ"الصفا نيوز" عن زيارة قريبة إلى سوريا سيقوم بها وزير الطاقة وليد فياض لعقد اجتماع للجنة المياه المشتركة، كما سيعقد اجتماع بين اللجنة اللبنانية السورية العسكرية من أجل مناقشة ضبط الحدود ومكافحة التهريب. وفي ما يتعلق بالعودة التي ينظمها الأمن العام بإشراف المدير العام اللواء الياس البيسري، قالت إنّها عبارة عن "عودة طوعية مشابهة لتلك التي كانت حصلت في الماضي، وستتم متابعتها". وأضافت المصادر أنّ "البيسري مكلّف متابعة موضوع المعتقلين والموقوفين، والجانب اللبناني يدرس الأمور القانونية ليتصرف في ضوئها".
زيارة قريبة إلى سوريا سيقوم بها وزير الطاقة وليد فياض
بعراضات نيابية ونقاشات هزلية انتهت الجلسة النيابية المخصّصة للبحث في ملف النازحين السوريين، وقبول هبة المليار دولار بإعلان توصية مؤلّفة من تسعة بنود. قلّة من النواب اطّلعت عليها أو ملكت جواباً عما أُقرّ منها وما بقي موضع خلاف. وأبرز ما جاء في هذه التوصيات إعادة التأكيد على ما نصّت عليه مذكّرة التفاهم الموقّعة بين الحكومة اللبنانية ممثّلة بالمديرية العامّة للأمن العام والمكتب الإقليمي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في 9/9/2003، والتي لا تزال سارية المفعول ومنظّمة للعلاقة بين الدولة والمفوضية، والتي تقول إنّ لبنان ليس بلد لجوء. كما نصّت على تفعيل اللجنة الوزارية التي يترأسها رئيس الحكومة وتضمّ وزراء الدفاع والداخلية والمهجرين والشؤون الاجتماعية وممثلين لقيادة الجيش والأمن العام والأمن الداخلي وأمن الدولة، بغية التواصل مع الجهات الدولية والإقليمية والهيئات المختلفة، ولا سيما مع الحكومة السورية من أجل وضع برنامج زمني وتفصيلي لإعادة النازحين باستثناء الحالات الخاصّة المحمية بالقوانين اللبنانية التي تحددها اللجنة.
من وجهة قانونية، لا تلزم أيّ توصية نيابية الحكومة أو الجهات المعنية في لبنان. كما لا تلزم المجتمع الدولي بمندرجاتها. لا يخرج ما شهده مجلس النواب في جلسة النزوح عن عراضة سياسية وحفلة مزايدات "وتنفيس" للمواقف حيال ملف النازحين، بعدما فتح البازار عقب زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وإعلانها عن مساعدات أوروبية مقابل إبقاء النازحين في لبنان. وإذا كانت التوصيات التي انتهت إليها الجلسة نصّت على بند مطالب بالتزام الحكومة بهذه التوصية، وتقديم تقرير كل ثلاثة أشهر للمجلس النيابي حول مراحل تنفيذ ما تضمّنته، فإنّ من المستبعد أن توضع مثل هذه التوصيات الفضفاضة موضع التنفيذ، لأنّ الاتفاق النيابي واللبناني عموماً على أزمة النزوح لم يلغ الخلاف على مقاربة الحل.
مصادر نيابية وصفت لـ"الصفا نيوز" الجلسة بأنّها "كانت جلسة الرئيسين برّي وميقاتي بامتياز. حقّق الأول جلسة نيابية بحضور مكتمل وحاز الثاني تشريعاً لحكومته كي تستكمل عملها تحت عنوان النزوح"، معتبرةً "أنّ الجلسة كانت نتيجة اتفاق ودوزنة مسبقة بين الكتل النيابية التي اتّفقت على التوصيات بالشكل الذي خرجت به، وإنْ أراد بعض النواب رفع الصوت ومحاولة التمايز في جلسة نقلت وقائعها مباشرة على الهواء".
وتوقّفت المصادر عند "البلبلة التي سادت خلال التصويت ليخرج النواب من دون علم بنتائج التصويت أو بالبنود التي أُقرّت أو تلك التي صرف النظر عنها". وما لاحظته المصادر هو "أنّ النواب وافقوا على البند الذي تحدث عنه النائب علي حسن خليل حول الاتفاقية على أمل تصحيح خطأ لفظي ورد فيها".
في حين قالت مصادر أخرى إنّ الجلسة النيابية "لم تنته إلى إقرار قانون ملزم بل انتهت إلى إقرار توصيات لا تتمتّع بقوّة القانون، ولكنها أظهرت موقفاً لبنانياً موحداً ضد بقاء النازحين في لبنان، وإنْ لم تنته إلى اتفاق على معالجة أزمتهم"، مشيرةً إلى أنّ تلك النقطة إيجابية تجاه تعاطي لبنان مع المجتمع الدولي. والمصادر نفسها قلّلت من أهمية أيّ طرح يتعلّق بمعالجة ملف النزوح ما لم تفتح الحكومة حواراً مباشراً مع الحكومة السورية، مستغربةً كيف لا تتم دعوة سوريا إلى مؤتمر يعنى بشؤون النازحين ببروكسل في حين تُدعى عدّة دول تموّلهم في أماكن استضافتهم وترفض عودتهم.
في تعليقها على فحوى التوصيات التي صدرت، قالت مصادر مطلعة على الموقف السوري "إنّ ما قيل لم يأت بجديد عمّا يتم تداوله، كان يجب أن تكون التوصيات أوضح من ذلك". ونقلت المصادر حقيقة الموقف السوري الذي يعتبر أنّ "الكرة في ملعب لبنان والدول التي تفرض قانون قيصر، وأنّه من الضروري توجيه البوصلة في الاتّجاه الصحيح". لو أرادت الحكومة معالجة الموضوع لما كانت هناك حاجة إلى توصيات. الجلسة كلها يمكن تلخيصها بما قاله النائب جميل السيد "اذهبوا إلى تطبيق الاتفاقيات والقوانين. والمبادرة عندكم، بحيث يمكن ترحيل كلّ سوري مقيم على أراضي لبنان بطريقة غير شرعية، وهذا ما يحصل في كلّ دول العالم". على اعتبار أنّه "لا بدّ من تفاهم لبناني سوري وإنجاز اتفاق وتنسيق لإعادتهم"، تقول مصادر رسمية إنّ "الإيجابية الوحيدة في جلسة البرلمان تمثلت في كونها أمّنت غطاء سياسياً للحكومة كي تعمل على معالجة الملف". لكن السؤال هو هل الحكومة مستعدة لذلك؟ وهل يمانع رئيسها التحدث مع السوريين خوفاً من قانون قيصر؟ المهم أنّ المبدأ متّفق عليه وهو أنّ النازحين باتوا عبئاً على لبنان، وأنّ الحكومة بات بمقدورها أن تتصرف، وأن تصرّ على تسلمّ نسخة عن داتا النازحين بالأسماء والأرقام ومحلّ الإقامة بدل إبقاء الملفّ خاضعاً لأجندات سياسية.