أوقفت السلطات الأمنية اللبنانية عددًا من المتهمين باستدراج أطفال واغتصابهم، بينهم الـ"تيكتوكر" ج. م. المعروف بعبارة "بتحب تشرب شي؟"، بعدما فضحه مؤثّر شهير آخر على "تيك توك" كان قد أوقف قبله ببضع ساعات.
وقالت قوى الأمن الداخلي، في بيان، إنّه جرى توقيف 6 أشخاص في بيروت وجبل لبنان والشمال، من بينهم 3 قُصَّر ذائعي الصّيت على تطبيق تيك توك، وهم من جنسيّات لبنانيّة، وسوريّة، وتركيّة.
كما ذكرت المعلومات أنّ المدعو ج. م. كان يستدرج الأطفال عبر تطبيق tiktok مستغلاً شهرته، بحجة تنفيذ فيديو لعرضه على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم يدعو الأطفال إلى إحدى الحفلات حيث يتم الاعتداء عليهم.
وكشفت التحقيقات عن أن الموقوفين يشكّلون عصابة منظّمة تتألف من 30 شخصًا يمتهنون تجارة الممنوعات واغتصاب الأطفال، بينهم 10 أشخاص يختارون لرئيس العصابة الأطفال عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقسم آخر يحدد مكان الجريمة من خلال حجز الشاليهات في جبل لبنان وبيروت، والقسم الأخير لتنفيذ الاعتداءات. وبحسب المعلومات، فإنّ 8 أطفال تقدموا بشكوى مع أهاليهم من أصل 30 طفلاً تعرضوا للاغتصاب.
كذلك قدّم أحد المحامين إخباراً للنيابة العامّة بحق "التيك توكر"، فتحرك رئيس مكتب مكافحة الجرائم باتريك عبيد مع جمعية الأحداث للكشف عن هويّة الأطفال كافة.
ما هي العقوبة؟ وما الأثر النفسي الذي تعرّض إليه الأطفال؟
تقول لـ"الصفا نيوز" المتخّصصة في علم النفس، الدكتورة لانا قصقص، إنّ "ظاهرة الاستدراج الإلكتروني عبر مؤثرين، تتمّ أولاً، بتكوين ثقة بين المؤثّر والضحية، لا بل الثقة تتكوّن على مستوى أعمق، بين المؤثّر وجمهور واسع يشاهده، إذ يكوّن المؤثّر صورة له كبيرة في أذهان المتابعين، تضمّ هالة مؤلّفة من الشهرة، والظهور، والتواصل الدائم. وبعد بناء قاعدة شعبية كبيرة تثق بمحتواه، ينتقل إلى استقطاب الفئة الأضعف من المتابعين، وغالباً ما تكون من الأطفال. وفي حال التيكتوكر المعني، تمّت عمليّة الاستدراج عبر ترغيب الأطفال بالظهور معه في مقاطع فيديو، وبعد أن يستقطب هؤلاء الأطفال، يبدأ باستخدام سلطته وقوته بدعوتهم إلى العشاء، وبالتالي سيخجل هؤلاء من رفض الدعوة، لينتقل بعدها إلى التقنية الثالثة وهي التهديد والابتزاز بعد تصويرهم بطريقة معيّنة، إذ يخاف الطفل من المجتمع، والفضيحة، وأهله".
والآثار النفسية كبيرة جداً على الطفل، بحسب قصقص، "إذ يشعر أنّه مستضعف، ودون سند، وينتابه الخوف والقلق، ويشعر أنّ الأمور خرجت عن سيطرته، وتتراجع ثقته بنفسه، وهذا ما يشكّل له صدمة كبيرة تمنعه عن معرفة كيفية التصرّف أو التفاعل، فيدخل في حالة من الجمود والشلل الفكري يجعلانه يخضع للمستغلّ، وينفّذ ما يريد من دون القدرة على الإفصاح عن الاستغلال، لأنّه يحمّل نفسه الذنب والمسؤولية، لأنه أخطأ في الدرجة الأولى بقبول الدعوة. وقد تراوده أفكار سوداوية تدخله بنوع من العزلة، والعجز عن القيام بأنشطته اليومية، وتبقيه في دوامة اكتئابية تجعل حياته غامضة".
وأكّدت قصقص أنّ "المتحرّشين أصبحوا يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة للتحرّش، ففي السابق، قبل انتشار الانترنت، كانوا ينتشرون قرب المدارس، وفي الحدائق العامة، والملاهي، لاصطياد ضحاياهم، ثم أصبحوا يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، عبر متابعة الملفات الشخصية لهؤلاء الأطفال، والتواصل معهم عبر الـMessenger، واستهداف الأطفال الذين يستعرضون حياتهم بدون ضوابط. أمّا في عصر التيك توك، فقد أصبحت عمليّة الدخول إلى جميع البيوت أسهل، ومعها عمليّة بناء الثقة، وهي العامل الأهمّ في استدراج الأشخاص، وبالتالي الآلية أو الإستراتيجية هي ذاتها، ولكنّها تختلف باختلاف نطاقها الزمني".
وشدّدت قصقص على أنّ "الحماية تبدأ من المنزل عبر مراقبة الأهل لأنشطة أطفالهم، والتقرّب منهم، وبناء ثقة معهم، فمن دون ذلك سيستغلّ المتحرّش هذا الفراغ، ويبني هو بدوره ثقة مع الولد، كما يجب على الأهل معرفة مع من يتواصل أبناؤهم، وبمن يتأثّرون، ومع من يذهبون، وهو ما يخلق عامل حماية قوياً".
والمعالجة تبدأ أولاً، برأي قصقص، "عبر عدم لوم الطفل، واحتضانه، ودعمه، وطمأنته وإفهامه أنّ ما حصل معه لن يمثّل عاراً على العائلة، وإذا ظهرت أعراض نفسية اكتئابية وانسحابية على الولد، يجب أن نلجأ إلى الاستعانة بمتخصصين يعملون على معالجة الآثار الحالية، ويحمون الطفل من النتائج والآثار البعيدة المدى".
لبنان ملتزم الاتفاقيات الدولية
التزم لبنان في مقدمة دستوره الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر العام 1948، والمواثيق الدولية الراعية لهذه الحقوق، ومنها "الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل" التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة (في 20/11/1989)، والتي وافقت عليها الحكومة اللبنانية في 20/11/1990. وقد حظيت هذه الاتفاقية بموافقة 191 دولة من أصل 193، وهو عدد لم تحظَ به أية اتفاقية أخرى. كما أقرّ المجتمعون في مؤتمر القمة العالمي من أجل الطفل في مقر الأمم المتحدة في نيويورك (30/10/1990) "الإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته ونموه".
نصّت اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة، في المواد 19، و34، و36، على حماية الأطفال من العنف، والاعتداء الجنسي، والاستغلال. قالت المادة 19 منه "على الحكومات حماية الأطفال من العنف، والإساءة، والتعرّض للإهمال من قبل أيّ شخص مسؤول عن رعايتهم". وشدّدت المادة 34 "على الحكومات أن تحمي الأطفال من الاستغلال الجنسي والإساءات الجنسية، بما في ذلك من الأشخاص الذين يجبرون الأطفال على ممارسة الجنس مقابل المال، أو على تصوير أفلام أو صور جنسية لهم"، أمّا المادة 36 فأعطت الأطفال الحق بالحصول على الحماية من جميع أنواع الاستغلال، حتى لو كانت غير مذكورة في هذه الاتفاقية.
ماذا يقول قانون العقوبات؟
قال المحامي جاد طعمه لـ"الصفا نيوز" إنّ "التحرّش أو محاولة الاعتداء على القاصرين، هي جناية، أي أنّ هذا الجرم يُحال إلى محكمة الجنايات في نهاية المطاف. ويعاقب قانون العقوبات اللبناني على كل من يدفع الأطفال على ارتكاب الفحشاء أو الأفعال المنافية للحشمة. فكلّ من أكره قاصراً لم يتم الخامسة عشرة من عمره، بالعنف والتهديد على مكابدة فعل منافٍ للحشمة أو إجرائه، عوقب بالأشغال الشاقة مدّة لا تنقص عن 6 سنوات (م507 عقوبات). ومن ارتكب بقاصر دون الخامسة عشرة من عمره فعلاً منافياً للحشمة أو حمله على ارتكابه عوقب بالأشغال الشاقة المؤقّتة. ولا تنقص العقوبة عن أربع سنوات إذا لم يتم الولد الثانية من عمره (م 509 عقوبات). وكلّ شخص من أحد أصوله أو أصهاره أو يمارس عليه سلطة شرعية أو فعلية أو أحد خدمهم، يرتكب بقاصر بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة من عمره فعلاً منافياً للحشمة أو يحمله على ارتكابه، يعاقب بالأشغال الشاقة مدة لا تزيد على عشر سنوات (م 2510 عقوبات)".
وأضاف طعمه "لا يقتصر القانون على معاقبة من يقوم بأعمال الفجور والدعارة، بل يعاقب أيضاً كل من اعتاد حضّ شخص أو أكثر، ذكراً كان أو أنثى، لم يبلغ الحادية والعشرين من عمره، على الفجور أو الفساد أو على تسهيلهما له أو مساعدته على إتيانهما. وعقوبته الحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من 50 ألفاً الى 500 ألف ليرة. وينال العقاب نفسه من تعاطى الدعارة السرية أو سهّلها (م 523 عقوبات)".
"أمّا جريمة الاغتصاب فتعتبر من الجرائم الماسّة بأمن المجتمع"، يتابع طعمه، "ومن أشدّ جرائم الاعتداء على العرض وعلى الحرية العامة وعلى حصانة جسم الإنسان وشرفه. وتشتد فظاعة هذه الجريمة عندما تقع على طفل بريء".
هل يتكرر سيناريو طالب؟
"ولأنّ مرتكبي الجرم، عصابة أشرار، فلا وجود لأسباب تخفيفية، إلاّ أن أصداء المجتمع تدفع باتجاه تشديد العقوبة وليس تخفيفها. والمفارقة في هذه الحادثة هي استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لاستدراج القصّر وارتكاب الجرائم بحقّهم، وهذ ما استدعى تدخلاً جازماً وصارماً بحق المرتكبين، ليكونوا عبرة لمن اعتبر، لأنّ المجتمع يقف خلف القضاء لضمان أن تكون العقوبة مشدّدة"، بحسب طعمه.
وعن المخاوف من تسيس الملفّ، أجاب طعمة "الجرم هو جرم، ولكنّ هناك فرقاً كبيراً بين أن يكون الفاعل أحد أفراد العائلة، فتتم إذ ذاك مقاربة الموضوع على أنه شأن عائلي ضيّق، وإن كان لا يمكن تبريره، ولكن القضاء قد يتعاطى معه بطريقة أخفّ وطأة بناء على طلب العائلة. أمّا اليوم فنحن في مواجهة أفراد عصابة منظمة وأشخاص غرباء يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، لاستدراج قصّر لا تربطهم بهم أيّة علاقة. وبالتالي، فإنّ القضية أقسى وأدهى. والملفّ يحمل شقّين، الأوّل ضبط كيفية التصرّف عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهو من اختصاص مكتب جرائم المعلوماتية الذي اكتشف الأمر. أمّا الثاني، فهو قانون العقوبات الذي يجرّم هذه الأفعال".
في سياق متصل، أكدت مصادر قضائية لـ "الصفا نيوز" أنّ التحقيق جارٍ وتفاصيله ستبقى قيد الكتمان حرصاً على سريته، واحتراماً لهويّة الأطفال الضحايا".
ارتفاع حالات العنف الجنسي ضد الأطفال في لبنان
على الرغم من وجود النصوص القانونية، التي تنظّم حقوق الطفل وتدعو الى حماية الطفولة وتحظّر سوء معاملة الأطفال أو تعنيفهم، تسجّل التقارير الرسمية وغير الرسمية تجاوزات بالغة القسوة ضد الطفولة تتصل بسوء معاملتهم وتعرّضهم لأبشع الجرائم المهينة بحق الإنسان والبشرية بشكل عام. وقد سجّل لبنان ارتفاعًا في حالات العنف الجنسي ضد الأطفال ما بين عامي 2020 و2022، راوح بين 10 و 12 في المئة وفق جمعية "حماية" المعنية بمتابعة تلك الحالات، وتوزعت حالات العنف المسجلة هذا العام بين 46 في المئة للإناث و54 في المئة للذكور.
وكانت البلاد قد عاشت واقعة صادمة في الصيف الماضي، تمثلت في حادثة مقتل طفلة بعد اغتصابها، كشف التحقيقات عن ضلوع خالها في الجريمة وسط تكتّم والدتها وأهل الأم، وقد فجّرت القضية غضبًا عارمًا في البلاد.
كذلك أقدم شخص في عقده الخامس على اغتصاب طفل في الخامسة من عمره، في أيلول الماضي، ببلدة حقل العزيمة بقضاء الضنية شمالًا. وذكرت وسائل إعلام محلية أنّ المعتدي قد أُوقف وتردد أنّه "يعاني من اضطرابات عقلية".
وفي آخر مستجدات قضية "التيكتوكرز"، أفادت مصادر قضائية بأن المدعو (ج. ح. د) متّهم بتهريب كمية من المخدّرات داخل البسكويت التابع لعلامته التجارية كانت في طريقها إلى تركيا، وهو من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، وقد أثارت مشكلاته العائلية الجدل أخيرًر بين رواد "تيك توك" وغيرها من منصات التواصل.
في غمرة الفساد الأخلاقي المستشري، يبقى على الأهل الدور الأكبر في تأمين بيئة آمنة لأولادهم، كي لا يقعوا ضحّية مؤثري العالم الافتراضي، "فاحموا أولادكم".