على الرّغم من سلسلة النضالات التي قادتها الجمعيات النسوية في لبنان، على مدى السنوات العشر الماضية، سعياً لتحقيق المساواة بين الجنسين، وتحصيل حقوق النساء، لا تزال مشاركة المرأة اللبنانية في مراكز صنع القرار في الحياة السياسية متواضعة جداً إذا ما قورنت بدول عربية وأجنبية. ولتصحيح هذا الواقع سعى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة "فيفتي فيفتي"، بتمويل من الاتحاد الأوروبي والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، على مدى السنوات الأربع الماضية، إلى إعداد تعديلات على القانون الانتخابي لتطبيق الكوتا النسائية كتدبير خاصّ مؤقّت، وذلك بهدف تعزيز مشاركة المرأة في السياسة والعدالة والشمولية في الانتخابات البلدية والنيابية.
أهميّة إقرار الكوتا
في حديثها لـ "الصفا نيوز" اعتبرت رئيسة جمعية فيفتي - فيفتي، جويل أبو فرحات، أنّ "لإقرار الكوتا أهمية كبيرة، كون لبنان قد وقّع على اتفاقيات دوليّة تعهّد عبرها بمنح النساء نوعاً من التمييز الإيجابي يمكنهنّ من الوصول إلى مناصب القرار في السياسة وغيرها، وهذه الاتفاقيات هي: اتفاقية سيداوي في العام 1997، واتفاقية بيجين في العام 1995، وحتى اليوم لم تُطبّقا. كما تعتبر الكوتا جسر عبور للمرأة يسمح لها بكسر الحاجز الزجاجي الموجود في المجتمع، وتخطّي كلّ التحديات والمعوقات السياسية والثقافية، التي تمنعها من الدخول إلى مراكز القرار. وتتيح الكوتا الاستفادة من خبرات النساء، وإشراك المكوّنين (المرأة والرجل) في القرارات السياسية، لأنّ المجتمع مؤلّف منهما، وإذا غُيّب أحدهما فلن يكون لدينا مجتمع صحي".
وعن اعتبار البعض أنّ النساء بإمكانهن الوصول بدون كوتا، أجابت أبو فرحات: "هذه الفكرة غير دقيقة، فلا شكّ في أنّ النساء قادرات على الوصول، إلاّ أنّ المعوّقات لا تأتي من المرأة، بل من البيئة التي تحيط بها، كالبيئة الاجتماعية التي تسيطر عليها العقلية الذكورية، والبيئة الثقافية التي تمنع النساء من خوض المعركة السياسية بحرّية، إذ يجابه قسم منهنّ بحملات التنمّر والضغط، والحلّ يكمن في تغيير القانون لتغيير العقليّة المجتمعية، والسماح للنساء بالمشاركة في نسب أعلى في الحياة السياسية. واستهدت بتوصيات المنتدى الاقتصادي العالمي الذي قال: إذا لم يتبنَّ لبنان تدابير إصلاحية كالكوتا النسائية، لدعم وصول المرأة إلى المراكز المرأة، فعلينا الانتظار أكثر من 100 عام للوصول إلى المساواة بين الرجال والنساء في لبنان".
نسب مشاركة النساء في الشأن السياسي
وفي لغة الأرقام، أشارت أبو فرحات إلى أنّ "نسبة مشاركة المرأة في البلديات لا تتعدّى الـ5.4 في المئة، وفي المجلس النيابي 6.5 في المئة إذ لدينا 8 مقاعد للسيدات من 128 مقعداً، أمّا نسبة مشاركة النساء في الحكومة فهي 4 في المئة، إذ لدينا سيدة واحدة من مجموع 24 وزيراً. وهذه النسب تعتبر من أدنى النسب عالمياً، إذ يحتلّ لبنان المرتبة 174 على 190 بلداً، في مؤشر تمثيل المرأة في السياسة في المجالس النيابية، وفي المرتبة 15 على 17 بلداً عربياً من حيث مشاركة المرأة في الحياة السياسية، وبالتالي فإنّ جميع دول العالم سبقتنا من أميركا اللاتينية وأوروبا وأفريقيا والدول العربية، وكلّ بلد اعتمد نوع كوتا مختلفاً، إلّا أنّ جميعها أبقت الكوتا لتتمكّن المرأة من الوصول إلى مراكز القيادة السياسية. ومن أهمّ الدول العربية، الإمارات العربية المتحدة، التي فرضت مناصفة بنسبة 50 في المئة في مجلس النواب (مجلس الشورى الإماراتي)، وبالتالي أصبح للنساء 20 مقعداً من أصل 40 في مجلس الشورى. وفي الإمارات 6 سيّدات في مجلس الوزراء. أمّا في السعودية فتبلغ نسبة مشاركة النساء في مجلس الشورى 19.9 في المئة!".
اقتراحا قانون كوتا نسائية
وعن جهود فيفتي - فيفتي في مجال الدفع باتجاه إقرار الكوتا، شرحت أبو فرحات "تقدّمنا باقتراحي قانون، الأوّل يتصل بكوتا في المجلس النيابي، يقضي بحجز 26 مقعداً للنساء يتنافسن عليها في المجلس النيابي، وهي أولى الخطوات التي تسمح للنساء بالدخول إليه، كما ينصّ مشروع القانون على السماح لـ40 في المئة من النساء بالترشّح على جميع اللوائح الانتخابية. ونوقش القانون مع مختلف الكتل النيابية وطرح في مجلس النواب، وتبنّته النائب الدكتورة عناية عزّ الدين، ولكن لم يؤخذ مشروع القانون على محمل الجدّ بل تعرضت عزّ الدين للتنمّر، ليُحال القانون على الدراسة في اللجان. أمّا اقتراح القانون الثاني فهو اقتراح قانون كوتا في الانتخابات البلدية، وأصبح في مراتب متقدّمة، بعدما وقّعه 10 نوّاب ونائبات: سيمون أبي رميا، سامي الجميل، هادي أبو حسن، الياس حنكش، بلال عبد الله، عناية عز الدين، ندى البستاني، راجي سعد، نجاة عون، حليمة قعقور. وتبنّته 5 كتل، ويتمّ البحث فيه في اللجان، على أمل إقراره قبل موعد الانتخابات البلدية التي أُرجئت عاماً. ويطلب القانون أن يكون هناك 30 في المئة من كلا الجنسين على الأقلّ، من أعضاء في مجلس البلديات الصغيرة، التي تضمّ 9 إلى 12 عضواً. والبند الثاني في مشروع القانون يطالب بتمثيل 50 في المئة، من كلا الجنسين، في البلديات التي تضمّ من 15 عضواً إلى 24. كما يطالب مشروع القانون بأن يكون هناك مناصفة بين الجنسين في الرئاسة ونيابة الرئاسة، أي إمّا يكون الرئيس رجلاً ونائبه امرأة أو العكس. كما يشمل اقتراح القانون مبدأ الاحتساب الذي ينصّ على "عند احتساب الأصوات التي يأخذها المرشحون والمرشحات، يجب فصل لوائح النساء عن لوائح الرجال، وعليه، فإنْ أخذ الرجال الستة الأوائل أعلى أصوات يحصلون على المقاعد وإنْ أخذت النساء الثلاث الأوليات أعلى نسبة أصوات يحصلن على مقاعد".
الأحزاب التي وافقت على قانون الكوتا في البلديات
والأحزاب التي وافقت على مشروع القانون هي "الحزب الاشتراكي، حركة أمل، التيار الوطني الحرّ، حزب الكتائب، التغييريون. أمّا الأحزاب التي لم توافق بعد، فهي حزب الله، والقوات اللبنانية. فرأي الأخير كان أنّه يجب أن لا يتمّ فرض المرأة في السياسة، فجاء ردّ فيفتي - فيفتي أنّ المرأة لا يتمّ فرضها لأنّها موجودة في الحياة السياسية، وأكبر مثال على ذلك هو نسبة 35 في المئة من انتساب النساء إلى حزب القوات اللبنانية، وبالتالي لا تزال المفاوضات مستمرّة مع هذا الحزب. أمّا حزب الله فليس ضدّ فكرة مشاركة النساء في الحياة السياسية بشكل مطلق، إذ يحضّر إستراتيجية لتعزيز دور المرأة في الحزب، وهذا الحديث حصل قبل عمليّة طوفان الأقصى، خلال اجتماع عقدناه مع رئيس كتلة التنمية والتحرير، النائب محمّد رعد. وهو ما نعتبره اليوم تقدّماً ولو بسيطاً على صعيد آراء الأحزاب المعارضة للكوتا"، قالت أبو فرحات.
والنسبة التي تطمح إليها فيفتي - فيفتي هي مناصفة كاملة،ج في جميع المراكز السياسية المعيّنة والمنتخبة، وهذا هو التوجه العالمي اليوم أيضاً. فنسبة النساء في المجتمع اللبناني هي 52 في المئة، ومن المفترض أن يتحقّق التشارك بين النساء والرجال، ليظل كللهما في مراكز القرار، لحكم بلد منصف وعادل وصحي. ولا مشكلة في أن نبدأ بتمثيل كوتا نسائية بنسبة 30 في المئة، إلاّ أنّ هذا العمل يجب أن يتطوّر للوصول إلى المناصفة في جميع مراكز القرار".
تجربة شخصية
من جهتها، شاركت عضو بلدية كفردبيان، ورئيسة لجنة السياحة، جوزفين زغيب، تجربتها في العمل السياسي مع "الصفا نيوز"، قالت "ترشّحت إلى الانتخابات البلدية في العام 2010، وكنت أوّل امرأة تترشح في جرد كسروان. ولم أكن مؤمنة بالكوتا، أمّا اليوم فأنا أؤمن بها وأناضل من أجل إقرارها. فعندما وصلت إلى المجلس البلدي كنت وحدي بين 15 رجلاً. وهذا ما تطلّب مني العمل أضعافاً مضاعفة لأثبت أنّني قادرة على تحمّل المسؤولية. وكنت أسعى لخلق علامة فارقة، وتمكّنت من تحقيق عدّة إنجازات، على رأسها إقرار قانون منع التعدي على جسر الحجر الطبيعي وقلعة فقرا، ونبع اللبن، في كفردبيان، كما قمت وآخرين بتنشيط الحركة السياحية في كفردبيان حتى أصبحت البلدة على خارطة السياحة العالمية، بعد انتزاعها لقب عاصمة السياحة الشتوية العربية. وهو ما أكّد مرّة جديدة أنّ المرأة قادرة على إحداث فرق في الشأن السياسي".
ولفتت زغيب إلى أنّ "المرأة اللبنانية اكتسبت حقّ الاقتراع منذ العام 1953، وسبقت بهذه الخطوة دولة سويسرا، ولكن حتّى اليوم ليس لدينا سوى 8 نساء في المجلس النيابي. ومن أصل 12139 مقعداً في المجالس البلدية، هناك 663 امرأة فقط، فيما لبنان هو من الدول التي شاركت في صياغة شرعة حقوق الإنسان، فكيف لبلد كان متقدّماً في رؤيته وسبّاقاً في قوانينه، أن يميّز على قاعدة الجندر، ويسمح باستمرار تهميش النساء من السلطة؟ مع العلم أنّ هناك أكثر من 90 بلداً أقرّت الكوتا، ومن هذه الدول، دول عربية مثل تونس والأردن وفلسطين والمغرب والعراق، والإمارات، والسعودية التي أقرّت الكوتا، فماذا ينتظر لبنان؟".
في المحصّلة، تبقى مسألة إقرار الكوتا ضرورية لتحقيق المساواة بين الجنسين، في الحياة السياسية، ولإشراك النساء في عملية صنع القرار، وإلاّ فسيبقين على هامش العمل السياسي، لأنّ الحقوق لا تعطى بل تؤخذ، ومع تطبيع القوانين يطبّع الشعب.
نسب مشاركة المرأة اللبنانية في الحياة السياسية:
- نسبة مشاركة المرأة في البلديات لا تتعدّى الـ5.4 في المئة.
- وفي المجلس النيابي 6.5 في المئة إذ لدينا فقط 8 سيدات من مجموع 128 مقعداً نيابياً.
- نسبة مشاركة النساء في الحكومة 4 في المئة، إذ لدينا سيدة واحدة على 24 حقيبة وزارية.
- يحتلّ لبنان المرتبة 174 على 190 بلداً في مؤشر تمثيل المرأة في المجالس النيابية.
أهمّية الكوتا:
- لبنان وقّع على اتفاقيات دوليّة تعهّد عبرها بمنح النساء نوعاً من التمييز الإيجابي يمكنهنّ من الوصول إلى مناصب القرار في السياسة وغيرها.
- تعتبر الكوتا جسر عبور للمرأة يسمح لها بتخطي كلّ التحديات والمعوقات السياسية والثقافية، التي تمنعها من الدخول إلى مراكز القرار في السياسة.
- تسمح الكوتا بالاستفادة من خبرات النساء اللبنانيات، وإشراك المكوّنين (المرأة والرجل) في القرارات السياسية.
موقف الأحزاب:
الأحزاب والكتل التي وقّعت على مشروع قانون الكوتا في البلديات:
الحزب الاشتراكي، حركة أمل، التيار الوطني الحرّ، حزب الكتائب، التغييريون.
حزب الله ليس ضدّ فكرة مشاركة النساء في الحياة السياسية بشكل مطلق، إذ كان يحضّر قبل عمليّة طوفان الأقصى إستراتيجية لتعزيز دور المرأة داخل الحزب.
حزب القوات يرى أنّه يجب أن لا يتمّ فرض المرأة في السياسة ولا تزال المفاوضات مستمرّة بينه وبين فيفتي – فيفتي.