بلغ معدّل البطالة في لبنان 29.6% في العام 2022، مقابل 11.4% بين العامين 2018 و2019، أي بزيادة نسبتها 18.2%، بحسب تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية عنوانه "التشغيل والآفاق الاجتماعية في الدول العربية - اتجاهات 2024".
وأخطر ما ذكره التقرير هو أنّ 48.9% من العاطلين عن العمل، هم في بطالة طويلة الأمد، فيما نسب البطالة بين الشباب وصلت إلى 47.8%. وإلى ذلك، عبّر 63% من المشاركين في الاستطلاع عن رغبتهم في مغادرة لبنان بشكل دائم.
واعتبر التقرير أنّ البطالة في لبنان مرتبطة بانكماش مذهل في النّاتج المحلي الإجمالي وبتقلص القطاعات وإقفال شركات ومؤسسات يصعب أن تفتح أبوابها مجدداً.
معدّل البطالة في المنطقة سيبقى مرتفعاً
وأزمة البطلة لا تنحصر في لبنان، بل تشمل جميع دول المنطقة العربية، حيث توقّع التقرير أن يبقى معدل البطالة في المنطقة 9.8 % في العام 2024، أي أعلى من مستويات ما قبل جائحة كوفيد - 19، وهذا ما يعكس عوامل مختلفة تؤثر في أسواق العمل في المنطقة مثل عدم الاستقرار السياسي، والصراعات، والأزمات الاقتصادية، وضعف القطاع الخاص، والضغوط الديموغرافية.
وفي العام 2023، قدرت منظمة العمل الدولية أن 17.5 مليون شخص في المنطقة كانوا يريدون العمل ولكنهم لم يتمكنوا من العثور على وظيفة، هذا ما أدى إلى معدّل فجوة وظائف بنسبة 23.7 في المئة.
أزمة نزوح خارجي وداخلي
وقد تكون أزمة النازحين السوريين في المنطقة، هي التحدي الأكبر الذي يواجه شباب لبنان في سوق العمل. وفي حين تعتبر سوريا أكبر مَصدر للنازحين في العالم، فإنّ لبنان والأردن هما من الدول الرئيسية المتلقية للنازحين، إذ يستضيفان أكبر عدد من النازحين بالنسبة إلى عدد السكان في العالم. ويواجه النازحون صعوبات في العثور على وظائف في البلدان المضيفة، حيث يتنافسون مع السكان المحليين على العمل، ويلجأ العديد منهم إليه بشكل غير نظامي.
وتنضمّ أزمة النزوح داخل الدولة الواحدة، إلى العوامل التي تساهم في رفع نسبة البطالة، لأنّ تصاعد حالات النزوح الداخلي الناجمة عن الصراعات والعنف والكوارث الطبيعية في لبنان مثيرة للقلق. فبعد اندلاع أحداث 7 تشرين الأول 2023، نزح أكثر من 82 ألف مواطن من قرى الشريط الحدودي، وتمركزت غالبيتهم في قرى جنوبية أخرى، أو في المدن المحيطة بالعاصمة أو داخلها.
نسبة الفقر وصلت إلى 82%
إلى ذلك، كان وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال، هيكتور حجار، قد أعلن أن "نسبة الفقر المتعدّد الأبعاد بين اللبنانيين وصلت إلى 82%، في وقت يرزح 32% تحت فقر مدقع"، لافتاً إلى أنّ "الحرب في الجنوب أثّرت سلباً في كثير من العائلات التي لم تتمكن من جمع محاصيلها الزراعية التي كانت تؤمّن لها التمويل لعام كامل"، كاشفاً أنّ "اللجنة الوزارية المفترض أنّها تتابع الوضع جنوباً لم تجتمع مرّة واحدة منذ تشكيلها".
وأوضح حجار أنّ "وزارته انطلقت في تطبيق هذه الإستراتيجية، حتى قبل إقرارها، لكن المفترض تأمين الموازنات اللازمة لذلك، منبّهاً إلى "مؤشرات خطيرة لجهة خفض التمويل الخارجي للبنانيين أو السوريين، وهذا ما قد يؤدّي إلى عدم استقرار اجتماعي يدفع من يستطيع من لبنانيين إلى الهجرة، ويكون النازحون السوريون البديل الجاهز، كلّ ذلك وسط متغيرات كبيرة تشهدها خريطة المنطقة".
أرقام غير دقيقة
في سياق متواصل، قال الخبير الاقتصادي أنطوان فرح لـ"الصفا نيوز" إنّ "مسألة الأرقام في لبنان ليست دقيقة، فحتّى الأرقام الصادرة عن منظمة العمل الدولية يتمّ اقتباسها من المؤسسات اللبنانية الرسمية والإحصائية، فيما لا تملك هده المؤسسات أرقاماً دقيقة وموحّدة تعبّر عن واقع الحال، خصوصاً في ما يتعلّق بنسب البطالة والفقر. ولكن إذا سلّمنا جدلاً بأنّ الأرقام الصادرة عن منظّمة العمل الدولية دقيقة، فهي مرتبطة بالدرجة الأولى بالانهيار الاقتصادي في العام 2019، والمقارنة بأرقام العام 2018 تظهر ارتفاع نسب البطالة، وهو أمر طبيعي لأنّ حجم الاقتصاد اللبناني انكمش من 55 ملياراً إلى قرابة 22 ملياراً، ونسبة الانكماش المئوية هي أكبر من نسبة البطالة".
ورأى فرح أنّ "انتشار نسبة البطالة بين الشباب أمر طبيعي، فمن كانوا يعملون قبل الأزمة، استمرّ قسم منهم في عمله ولكن بمداخيل أقلّ، إذ انخفضت القدرة الشرائية للعاملين، ومن جهة ثانية، شكّلت فرص العمل الجديدة تحدّياً للشباب، إذ تحتاج إلى مهارات وخبرات معيّنة قد لا تكون متوفّرة نتيجة الفجوة الحاصلة بين اختصاصات الجامعة وحاجات سوق العمل. ولولا الهجرة الكبيرة التي بدأت في الـ2019 والـ2020، لكانت نسبة البطالة بين الشباب أكبر بكثير ممّا هي عليه اليوم. لأنّ النسبة الكبرى من الشباب هاجرت لبنان بحثاً عن فرص عمل ومستقبل أفضل".
أنواع البطالة
وشرح فرح "هناك عدّة أنواع من البطالة، النوع الأوّل هو بطالة موسميّة تنطبق على المزارعين وأصحاب المطاعم، أمّا النوع الثاني فهو البطالة القصيرة الأمد، وتراوح مدتها بين 3 و 6 أشهر حدّاً أقصى، وهي تنطبق على من ينتقل من وظيفة إلى أخرى، بحثاً عن راتب أفضل، أو لاضطرار مؤسسته إلى الإقفال. أمّا البطالة الطويلة الأمد، فتشمل من يبحث عن عمل جديد، أو ترك عمله، ولن يتمكن من إيجاد فرصة عمل جديدة قبل عام أو أكثر. هذه المدة قد تكون أطول بكثير في لبنان، لأنّ الأفق مسدود، ولا أمل بنمو اقتصادي يبشّر بتخفيض نسبة البطالة".
ومعالجة البطالة في لبنان، بحسب فرح، "لا يمكن أن تتم إلا عبر النمو الاقتصادي الذي هو محصور بخطّة اقتصاديّة إنقاذيه للأزمة، تسمح لنا البدء بمسيرة الخروج من الإفلاس والانهيار".
مبادرات غير حكومية لمساعدة الشباب
وفي ظلّ النفق الاقتصادي المعتم في لبنان، تبرز جهود لجمعيات غير حكومية تهدف إلى تمكين الشباب ومساعدتهم على إيجاد فرص عمل. من هذه الجمعيات، JCI، وهي جمعية تساعد طلاب المدارس والجامعات، وتوجههم نحو أكثر الاختصاصات طلباً في سوق العمل.
تقول راوية عيتاني الرئيسة المحلية للغرفة الفنية في بيروت للعام 2024، إنّ "الجمعية أجرت العام الماضي معرض PathFinders 2023 الأول من نوعه، وفي اليوم الافتتاحي بحضور الأب يوسف نصر أمين عام المدارس الكاثوليكية في لبنان، استقبلنا أكثر من 500 طالب ومشرف من جميع أنحاء لبنان. ويمثل هذا الحدث وجهة أساسية لاستكشاف الحياة المهنية والتقدم التعليمي للطلاب اللبنانيين".
ويتميز الحدث بحسب عيتاني بثلاثة مكوّنات رئيسية هي:
1- رؤى مهنية: يشارك محترفون ذوو خبرة رحلاتهم الشخصية ورؤاهم في مجموعة متنوعة من المهن. بالإضافة إلى ذلك، يسلط المتحدثون الوطنيون الضوء على منظر العمل المتغير باستمرار في لبنان.
2- عروض الجامعات: ويمكن الطلاب استكشاف البرامج والعروض التعليمية المقدمة من كل جامعة لبنانية والتعرّف على متطلّبات الالتحاق في المؤسسة التعليمية التي يحلمون بها.
3- فرص عالمية: يمكن الزوار الاطلاع على فرص التعليم الدولي من خلال مجموعة متنوعة من الجامعات الشمالية الأميركية".
وبيّنت عيتاني أنّ "هذا الحدث ينظم بالشراكة بين مؤسسات مرموقة هي Edubolt و Khalil Services SARL و JCI Lebanon بهدف توجيه الطلاب اللبنانيين والطلاب في الشرق الأوسط نحو فرص التعليم العالي في الخارج، كذلك في مجال الدروس الخصوصية باستخدام تكنولوجيا مبتكرة. علماً أنّ جمعية الأعمال الدولية في لبنان تركز على تمكين الشباب كقادة مبتكرين تغييريين في المجتمع".
وقالت ربى حسامي نائبة رئيس جمعية JCI لـ"الصفا نيوز" إنْ "رؤيتنا هي تمكين الطلاب اللبنانيين من الحصول على المعرفة والأدوات لرسم مساراتهم الخاصة نحو النجاح". وأضافت "تتمثّل رسالتنا في توفير الوصول المجاني إلى رؤى مهنية وفرص تعليمية وآفاق دولية من خلال التعاون مع المحترفين والجامعات والمنظمات المبتكرة. ووضعنا تحت تصرف الزوار أيضًا قائمة بالجامعات المشاركة من لبنان، هي:
Airways Aviation school، ESA، MUBS ، Cordon Bleu ، LCU، USJ، Balamand،Military School، Al Jinan University، AUST، وغيرها. كما يشمل الحدث مجموعة من الجامعات الرائدة من الولايات المتحدة، ومن الجامعات الكندية".
وختمت حسامي "هذا العام، نجهد لتنظيم Boot camp عن ريادة الأعمال، لمدّة يومين، يفسح في المجال لكلّ من يراوح عمره بين الـ18 والـ40 عاماً، لعرض مشاريعهم، ومساعدتهم على تطويرها. والمشروع الأقوى يفوز بجائزة".