قبل أشهر، بدأ الحوار المباشر بين التيار الوطني الحر ورئيس مجلس النواب نبيه بري. زار النائب غسان عطاالله عين التينة موفداً من رئيس التيار جبران باسيل "في مهمّة تشاورية وليس تقريرية". حوار غير مرهون بفترة زمنية معيّنة ولا تحدّه خطوط حمر. منطلقه الأساس أزمة رئاسة الجمهورية. عندما تختمر الأمور سيعقد لقاء يجمع برّي وباسيل "علماً أن لا شيء يمنع اللقاء في أيّ وقت بين الطرفين. لكن يجب أن يكتمل المسار إلى أن يصل البحث إلى قرار مُجدٍ وهادف".
في عصر الجمود المخيّم على الأجواء وسط حبس أنفاس تطورات الوضع في الجنوب، يتحرّك التيار الوطني الحر ساعياً إلى فتح قنوات الحوار مع كلّ الفرقاء في الداخل، إيماناً منه أنّ الحلّ للرئاسة هو حلّ داخلي ولا يمكن فرضه من الخارج. يبلور ما ورد في خطب رئيسه جبران باسيل الذي كرّر الحديث مرّات عدّة أخيراً عن اليد المدودة للحوار. تقول مصادر قيادية في التيار الوطني "سلكنا المسار التشاوري في المرحلة الأولى مع كلّ الفرقاء في لبنان. مسار لم يبدأ اليوم بل مع نهاية ولاية الرئيس ميشال عون وبرنامج الأولويات الرئاسية الذي سبق أن أعلنه رئيس التيار، وكان بري في عداد الذين تواصلنا معهم وناقشنا وإياهم رؤيتنا المكتوبة".
وكانت المرحلة الثانية بعد اندلاع حرب غزة وامتدادها إلى لبنان بعد السابع من تشرين "أعدّ التيار ورقة تشاورية توجّه بها إلى كلّ الفرقاء الذين التقاهم، وبينهم بري. تستكمل هذه الورقة الأولويات الرئاسية، ولكنها تنطلق من الخوف على لبنان. قلنا فلنتفق على حق الشعب الفلسطيني بالمقاومة، ولا يكون مبدأ حق لبنان بالدفاع عن نفسه موضع انقسام، وإعادة تشكيل السلطة كمنطلق لحماية الدولة بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية، ولنتفق على المخاطر وعلى مواجهة قضية النزوح السوري والتزام الثوابت في مواجهة إسرائيل وحقّ العودة للفلسطينيين بعدما مضت ستة أشهر على الحرب وما يقارب العامان على الفراغ الرئاسي. المخاطر التي حذر منها التيار واستشعرها ستضاعف الانقسام الموجود أصلاً على خلفية المشاركة في حرب غزة وحول حدود المقاومة بالدفاع عن النفس".
البحث مع رئيس المجلس يشمل العلاقة الثنائية وما شابها في الماضي، وجرى التطرّق إلى حماية الوحدة ووقف انهيار الدولة وإعادة تكوين السلطة
إزاء هذه المخاطر كلّها "لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي". انطلق التيار في حراك لا يفصله عن سياق التحرّك الأخير لبكركي التي جمعت المسيحيين تحت لواء وثيقة وطنية تؤشّر إلى الأزمة ومكامن الخلل وتقترح الحلول، وجميعها تنطلق من مسلمة انتخاب رئيس للجمهورية. وتقول مصادر التيار القيادية "في موازاة استجابتنا لدعوة البطريرك الراعي إلى وضع وثيقة في بكركي، وفي موازاة عملنا لتكون وثيقة وطنية، عزّزنا مسار الحوار مع رئيس المجلس بما يمثّل من مرجعية قرار كبيرة في موضوع الاستحقاق الرئاسي سواء لجهة دعم سليمان فرنجية كمرشح، أو لجهة التوافق الحاصل مع حزب الله، أو لجهة التواصل بينه وبين الخارج حول هذا الاستحقاق وغيره من المسائل".
تشير المعلومات إلى أنّ البحث مع رئيس المجلس يشمل العلاقة الثنائية وما شابها في الماضي، وجرى التطرّق إلى حماية الوحدة ووقف انهيار الدولة وإعادة تكوين السلطة. فالموضوع ليس محصوراً بنقاش اسم الرئيس المحتمل أو أسماء المرشحين المحتملين بل يرتكز بشكل أساسي على تحديد المخاطر، وما يجب أن يكون عليه برنامج الرئيس والأولويات في المرحلة المقبلة "من دون مزايدات إذ كلّنا مدركون مخاطر الفراغ الرئاسي، وأنّ أيّ رئيس لا يأتي بالتوافق اللبناني الداخلي لن يستطيع أن ينجح مهما كانت قوته. البحث ينطلق من هذه القواعد التوافقية وهو ليس توافقاً لغايات ثنائية بل تشاور لبلورة موقف لبناني ولو بالتدرج بشأن الاستحقاق الرئاسي. الغاية هي تكوين السلطة للعبور بمرحلة تحتاج إلى قرارات إنقاذية جريئة".
وتمضي مصادر التيار قائلة "تأخّرنا جداً وقدرة لبنان على المقاومة تضيق مالياً وسياسياً، ومع الحرب الإسرائيلية المفتوحة بلا حدود ولا ضوابط تزداد الحاجة إلى الاتفاق على رئيس جمهورية وبرنامج عمل بما يحتّم التشاور مع الكلّ تحت سقف بكركي". منذ فترة باشر التيار حواره مع قوى أخرى خارج الثنائي، فجمعه لقاء مع رئيس الحزب الاشتراكي السابق وليد جنبلاط وآخرين. يلمس التيار "جدّية في التعاطي وكلّ طرف يدرك مسؤولياته" مؤيداً حلاًّ يشمل الجميع ولا يستثني أحداً.
على أنّ الفكرة التي يشدد التيّار على الحوار بشأنها مع رئيس المجلس تتمحور حول دوره وحقيقة مواقفه "إنّ الحلّ ليس بيده ليعرقله وهو ليس صاحب الحرب ولا ربط بالموضوع الرئاسي وحده".
العلاقة مع حزب الله
"لا نقول إنّنا توصّلنا إلى نقاط حاسمة بل إنّ التيار وبرّي مدركان للمخاطر، ذلك أنّ الوقت لا يلعب لمصلحة لبنان ومن يربح في إضاعة الوقت هي إسرائيل وكلّ من يريد هدم الدولة وتخريبها، ومن يخطّط لأوهام لا تخدم الدولة ومصالحها". فتواصل مع بري والحوار معه يركز في جانب ظاساسي منه على التطورات جنوباً وهو لا يلغي وجود حوار مع حزب الله إذ تؤكد مصادر التيار القيادية "أنّ هذا الحوار لم يتوقف وهاجسه كيفية مواجهة احتمال توسع الحرب وحماية الحدود وليس تبديدها بحروب لا علاقة لنا بها". يتمسك التيار بموقفه "مستعدون لدعم المقاومة ولا نقبل رهن قرارها بأيّ ساحة أخرى، أو أن يتخذ قرار الحرب خارج لبنان ونصبح ملزمين به وتحصل مفاوضات لا علاقة لنا بها، وكأنّ لبنان ساحة للحرب ولا تكون له الكلمة الفصل في تقرير مصيره".
الخماسية وباسيل
منتصف الشهر المقبل يستقبل باسيل وفد الخماسية الرئاسية، وقد سبق أن استقبل سفير مصر ثم سفير قطر وهو على تواصل مع السفير السعودي، وكان السفير الفرنسي قد تسلّم ورقة التيار حول رؤيته للحلّ واستعداده للمساعدة". لكن، ومع تقديره مساعي الخماسية "فالتيار مقتنع بأنّ الحلّ يجب أن يكون لبنانياً، ولو اجتمعت كلّ قوى العالم لفرض حلّ سيشعر من في الداخل أنّهم غير معنيين به
فيفشل. بينما كل اتفاق داخلي من شأنه أن يعزز أيّ حلّ يمكن التوصل إليه". ولذا "مع إيجابيتنا بالتعاطي مع المبادرات الدولية واللجنة الخماسية لا نزال نعتبر أنّ أقصر الطرق هو التفاهم بين اللبنانيين، وعلى هذه القاعدة يتعزّز الحوار نحو ما هو الأفضل للبنان".