أفاد تقرير جديد لمجموعة البنك الدولي، تحت عنوان "التقييم الشامل لخدمات رعاية الأطفال في لبنان"، بأنّ "مسؤولية رعاية الأطفال تُعدّ من المعوقات الرئيسية التي تحول دون دخول المرأة في لبنان إلى سوق العمل. ويمكن أن يؤدّي توسعة نطاق خدمات رعاية الأطفال وتوفيرها بتكلفة ميسورة وجودة عالية، والمواءمة مع التقاليد الاجتماعية المتعلّقة بالاستفادة من هذه الخدمات، إلى دعم المرأة في دخول سوق العمل أو البقاء فيه، مما سيؤدّي في نهاية المطاف إلى خلق فرص العمل وتحقيق النموّ الاقتصادي. وفي الوقت نفسه، سيساهم ذلك في تحقيق النموّ الكامل للأطفال".
وأشار التقرير إلى أن "في لبنان، لا تتجاوز نسبة النساء اللواتي تراوح أعمارهن بين 15 و64 عاماً، الـ 22% في صفوف القوى العاملة، وفقاً لبيانات عام 2022 الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي".
وبحسب 60% من الأمّهات اللواتي شملهن المسح الاستقصائي أثناء إعداد هذا التقرير، فإنّ "رعاية الأطفال هي السبب الرئيس لعدم انخراطهن في العمل. وتشمل الأسباب المهمّة الأخرى انخفاض الأجور وعدم توفر وسائل النقل والمواصلات، بالإضافة إلى الاعتبارات الاجتماعية والثقافية".
وعلى صعيد أرباب العمل والشركات، تقدم 5% من الشركات التي شملها المسح خدمات رعاية الأطفال للموظفين. ومع ذلك تطبّق غالبية الشركات سياسات مراعية للأسرة من خلال منح إجازة الأمومة، وإجازة الأبوة، وساعات العمل المرنة، وترتيبات العمل من المنزل. وتهدف برامج، كمبادرة "القادة من أجل المساواة" التي تمّ تنفيذها في إطار برنامج تمكين المرأة في المشرق بالتعاون مع غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان، وتقديمها إلى 10 شركات رائدة، تهدف هذه البرامج إلى تعزيز توظيف النساء في القطاع الخاص، وذلك من خلال دعم الشركات في تنفيذ إستراتيجيات التنوّع والشمول وغيرها من السياسات الداعمة".
حملة "تتكمل إمكاناتنا كلّنا"
في هذا الإطار، تقول رئيسة الهيئة الوطنية، كلودين عون لـ"الصفا نيوز" إنّ "الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية كانت قد أطلقت، بالتعاون مع البنك الدولي، حملة توعوية لتعزيز مشاركة المرأة في القوى العاملة ودعمها داخل الأسرة وفي مكان العمل. وهذه الحملة التي أطلقت تحت شعار " #تتكمل_إمكانياتنا_كلنا "، ترمي إلى تشجيع النساء على الدخول إلى سوق العمل وتُلقي الضوء على أهمّية مساندة الرجل للمرأة، وخصوصاً الأم، ومشاركتها في تحمّل المسؤوليات الأسرية لكي تتمكّن من تحقيق النجاح والمساهمة في تحسين الشروط المعيشية لأسرتها. وترمي كذلك إلى دفع المؤسّسات الحكومية والاقتصادية إلى اعتماد سياسات داخلية داعمة ومحفّزة لمشاركة المرأة في القوى العاملة. وتندرج هذه الحملة التوعوية في إطار "برنامج تمكين المرأة في المشرق" المدعوم من البنك الدولي والمموّل من الحكومة الكنديّة والحكومة النرويجيّة".
قرار مجلس الامن 1325
كما نظّمت الهيئة الوطنيّة لشؤون المرأة اللبنانيّة، بالشراكة مع منظمة الأسكوا، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، ومجموعة البنك الدولي ومعهد الدراسات النسائية في الجامعة اللبنانية الأميركية، جلسات حوارية وطنية تحت عنوان "قطاع رعاية صغار الأطفال في لبنان"، في إطار مشروع "التمكين الاقتصادي للمرأة في المنطقة العربية – تطوير اقتصاد الرعاية" الذي تنفذه الأسكوا.
وهذه اللقاءات، تشرح عون، "جاءت متابعةً للعمل التنسيقي الذي تقوم به الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية في إطار تنفيذ خطة العمل الوطنية لتطبيق قرار مجلس الأمن 1325 حول المرأة والأمن والسلام، خاصّة مشاركة المرأة في القطاع الاقتصادي وتمكينها، ومتابعةً للدراسات التي أنجزت والتوصيات التي صدرت عنها بشأن أهمية توفير خدمات رعاية الأطفال من أجل إفساح المجال للأمهات الراغبات في ولوج سوق العمل في لبنان وفي إجراء المشاورات بغية تنظيم قطاع حضانة الأطفال وتوسعة النطاق الجغرافي الذي تقدّم في إطاره. ورمت إلى بلورة رؤية إستراتيجية وطنية موحّدة لتنظيم قطاع رعاية صغار الأطفال وتطويره ورسم خريطة طريق للعمل المستقبلي في هذا المجال".
كذلك أطلقت الهيئة الوطنية حملات دعائية، تسلّط الضوء على أهمية التشاركية في الأعمال الرعائيّة بين الرجل والمرأة.
مسؤولياتنا كتيرة والحِمل بدو اثنين #تتكمل_إمكانياتنا_كلنا
نجاح المرأة هو نجاح للعيلة#تتكمل_إمكانياتنا_كلنا
معاً لدعم النساء بالبيت وبالعمل#تتكمل_إمكانياتنا_كلنا
اقتراح تعديل قانون العمل
وتقدمت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة بـ "اقتراح قانون يرمي إلى تعديل مواد وإضافة أخرى إلى قانون العمل، أعدّته بالتعاون مع المعهد العربي للمرأة واعتمده سبعة نوّاب هم: شامل روكز، آلان عون، الياس بو صعب، جورج عقيص، ميشال موسى، جميل السيد، جان طالوزيان، وقُدّم إلى مجلس النواب.
ومن أبرز الإصلاحات التي يتضمّنها نص القانون، بحسب عون، "التشدّد في عدم التمييز ضد النساء العاملات، خصوصاً بالنسبة إلى المساواة في الأجر بين النساء والرجال لكلّ عمل ذي قيمة متساوية حتّى ولو كان العمل مختلفاَ. وكذلك، تساعد أحكام هذا النص على تأمين شروط عمل أكثر ملاءمة للأمهات، إذ تقترح تمكين الوالدات من تأمين الرضاعة للمواليد الجدد بتخصيص ساعة في اليوم خلال دوام العمل لضخ الحليب، لمدّة سنة بعد انقضاء إجازة الأمومة. كما تقترح تمديد هذه الإجازة إلى 15 أسبوعاً، بدلا من عشرة أسابيع".
ويأتي هذا الاقتراح بجديد من حيث إدخال مفهوم الإجازة العائلية إلى التشريع اللبناني، تضيف عون، "وهذه لا تنحصر بإجازة الأمومة، بل تشمل أيضاً الوالد الذي يرزق مولوداً جديداً إذ يصبح من حقّه الاستفادة من إجازة أبوة، بأجر كامل مدّتها عشرة أيام خلال الأشهر الثلاثة التي تلي الولادة. إلى ذلك، تنطوي الإصلاحات المقترحة على اعتراف التشريع بضرورة توزيع الواجبات الأسرية بين الأب والأم، لأنّها تعطي حقاً للوالد، كما للوالدة، بالاستفادة من إجازة مرضية للأولاد، مدّتها 7 أيام سنوياً للأطفال الذين لم يتجاوزوا السنوات السبع".
الصورة النمطيّة للأدوار الجندريّة
وقالت لـ"الصفا نيوز" منسّقة التحرير في منصّة "شريكة ولكن"، مريم ياغي: "هناك الكثير من التحديات التي تحول دون مشاركة النساء في سوق العمل، والموضوع مرتبط في الدرجة الأولى بالصورة النمطية للأدوار الجندريّة، التي تنصّ على أنّ العمل الرعائي هو من وظيفة النساء الأساسيّة، وهو عمل غير مدفوع، وهذا ما يحرم المرأة من الوقت الكافي للعب أدوار أخرى تطمح إليها. ومقابل الدور الرعائي، وتنميط أدوار النساء، تأتي مشكلة عدم المساواة في الأجر بين النساء والرجال، وحصر المناصب الإداريّة إلى حدّ بعيد بالرجال، بذريعة أنّ النساء غير قادرات على تولّي مناصب إداريّة، أمّا الرجال فيملكون القدرة والمقوّمات والوقت الكافي، وليس لديهم أدوار أخرى ، في حين أنّهم في الحقيقة يحرمون النساء من هذا الوقت، ومن تطوير مهاراتهنّ. وهذه الدائرة مرتبطة بالنموذج الاقتصادي القائم على الهرميّة الذكوريّة، والاقتصاد الرأسمالي الذي يرتكز على العمل الرعائي غير المدفوع للنساء ويستثمر فيه بطريقة سلبيّة، ويحيّد النساء عن سوق العمل".
لذلك، تدفع الحركات النسويّة باتجاه الاعتراف بالعمل الرعائي كوظيفة في الدرجة الأولى، تتابع ياغي، "وكعمل يجب أن يكون مدفوعاً، كما نطالب بتقاسم هذه المهمّات الرعائيّة بين الرجل والمرأة، فالفرص متوافرة، إلّا أنّ النساء مبعدات عنها بسبب إلزامهنّ بالعمل الرعائي. وتحقيق ذلك يتطلّب إقرار قوانين، فضلاً عن تخفيض ساعات العمل اليوميّة الإلزاميّة، بحيث لا يتذرّع الرجال بساعات عملهم لعدم مشاركتهم في الأعمال الرعائيّة، وهذه الآلية ستضمن المشاركة الحقيقيّة والفعالة للنساء في سوق العمل، والرفاهيّة للجميع، وستوفّر فرصاً متساوية للجنسين من دون تمييز".
نماذج وظائف تستبعد النساء
وأعطت ياغي بعض الأمثلة عن نماذج وظائف في لبنان، تُستبعد منها النساء أو يحصل تمييز بينهن، منها "منع النساء المتزوجات من التقدّم إلى الوظائف الديبلوماسيّة أو الأمنيّة، بذريعة أنّ للمرأة أدواراً أخرى تلعبها في منزلها قد تمنعها من ممارسة عملها كما يجب. هذه العقليّة الذكوريّة التي تتبنّاها الدولة بقوانينها وأنظمتها وتشريعاتها، تجعل النساء مهمّشات في سوق العمل. فضلاً عن عدم تضمّن قوانين العمل آليات تساعد النساء على الانخراط في سوق العمل، وتأخذ في الاعتبار ظروفهن الشخصيّة، كعدم توفّر قوانين تعطي النساء عطلاً مرضيّة خاصّة خلال الحيض (الدورة الشهريّة)، في حين أنّ الاعتبارات التي تأخذها المؤسسات في توظيف النساء تعود إلى الرجل، إذ ترى بعض المؤسسات أنّ الرجل قد لا يوافق على سفر زوجته مثلاً، أو العمل حتى ساعة متقدّمة من الليل".
هل الرجال غير قادرين على القيام بالعمل الرعائي؟
وعن شيوع مبدأ أنّ الرجل غير قادر على القيام بالأعمال الرعائيّة أجابت ياغي بأنّ "المسألة تعود إلى طريقة التربية والترويج المجتمعي لأنّ العمل الرعائي هو من وظيفة النساء، كونهنّ "كائنات عاطفيّات"، والعمل الرعائي يتطلب الحبّ والاهتمام.في حين أنّ الرجال مقولبون وتربّوا على منطق القيادة والعقل. هذه التبريرات المرتبطة بالفكر العقائدي والديني والعرفي، هي تبريرات أبويّة وذكوريّة، وجدت كدعامة أساسيّة لترسيخ هذا الفكر الذكوري، وتحييد النساء عن جميع المساحات ومن ضمنها مساحات العمل. فالرجل غير مؤهل وليس غير قادر، لأنّ القدرة تحتاج إلى إرادة، بينما الرجال لا يملكون الإرادة ليصبحوا مؤهلين لتربية الأولاد".
أزمة عقود العمل
من جهة أخرى، تجدر الإشارة إلى أنّ النسبة التي أوردها تقرير البنك الدولي عن النساء المشاركات في سوق العمل، قد لا تكون دقيقة، لكونها استندت إلى أرقام القوى العاملة المصرّح عنها في لبنان، علماً أنّ فئة كبيرة من المواطنين والمواطنات لا يصرحون عن وظائفهم/هنّ، لأنّ. المؤسسات تفضّل عدم الاعتراف بهم كموظّفين، وبالتالي توفير التكاليف التي قد تترتّب عليها من ضمان وبدل ساعات عمل إضافيّة، وإجازات مدفوعة... وهو ما يفتح إشكاليّة جديدة، هي أزمة عقود العمل المجحفة بحقّ النساء والرجال على السواء، والتي تستغلّ كلّ باحث وباحثة عن عمل في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة الحاليّة.