اعتدنا في رحلاتنا السياحيّة إلى أيّ بلد، جمع فواتير التسوّق لتقديمها إلى كشك الـGlobal blue لدى مغادرة المطار، للحصول على خدمة الـTax free واسترداد ضريبة القيمة المضافة. إلّا أنّ هذه الخدمة توقّفت في لبنان مع تفاقم الأزمة الاقتصاديّة، نتيجة تعدّد أسعار الصرف، والانهيار الدراماتيكي الذي شمل العملة الوطنية.
أمّا اليوم، فعاد الحديث عن احتمال إعادة تفعيل آليّة استرداد الضريبة على القيمة المضافة لغير المقيمين، في مطار بيروت، فما أهميّة هذه الخدمة؟ وما الدور الذي تلعبه في تنشيط الحركة السياحيّة في الدولة المضيفة؟
الخسائر الاقتصاديّة
في جوابه عن هذين السؤالين، يقول رئيس جمعيّة تجّار بيروت، نقولا شمّاس لـ"الصفا نيوز"، إنّ "في كلّ دول العالم، يحقّ لغير المقيمين استرداد الضريبة على القيمة المضافة، وهذه الخدمة تطبّق على اللبنانيين المغتربين، أو السيّاح الأجانب، وهذه الآليّة، كانت متوفّرة منذ أكثر من 20 سنة. قبل حوالى السنة، توقّفت هذه الخدمة بسبب الاضطرابات الماليّة والنقديّة. ولحسن الحظّ، ستعود مؤسسة Global blue الدولية، بدعم من جمعية تجّار بيروت، وغرفة التجارة ومؤازرة وزارة المالية، إلى تقديم هذه الخدمة في مطار بيروت قريباً".
وأشار إلى أنّ "غياب هذه الخدمة كان مكلفاً للاقتصاد اللبناني، إذ أصبح لبنان أغلى من الدول الأخرى بنسبة 11% (نسبة الضريبة)، ما ضرب الدورة التجاريّة والاقتصاديّة في البلد"، وبالأرقام شرح شماس أنّ "المغترب اللبناني الذي كان يتسوّق في لبنان، بالإضافة إلى 3 جنسيات عربية هي مصر، العراق، سورية، اشتروا من أوروبا بقيمة 208 ملايين يورو، كما أنّ المتسوّقين من 4 دول خليجية، هي السعودية، قطر، الإمارات، والكويت، اشتروا في العام 2023، بقيمة مليار و100 مليون يورو، بينما هذه الفئة من السيّاح كانوا يتسوّقون في لبنان. وهذه الأرقام هي فقط للنفقات التجارية، امّا النفقات السياحية فهي مضروبة بـ 5 أضعاف هذه الأرقام".
واعتبر شمّاس "أنّ عدم العمل بهذه الآلية، هو انتحار. بعد عودة العمل بها ستكون بالدولار، (بعملة الشراء). ومطلبنا اليوم هو إعادة تفعيل هذه الآليّة بأسرع وقت، خصوصا أننا على مشارف أعياد تعتبر محطّات تجاريّة بالغة الأهميّة، لأنّ عيد الفصح يمثّل 10% من المبيعات لغير المقيمين، والفطر 12% وعيد الأضحى أيضاً 12%، أمّا الموسم الصيفي فـ31%، أيّ نحو ثلثي المبيعات. وهذه المبيعات لغير المقيمين أصبحت تمثّل 30% من مجمل المبيعات التجارية في لبنان. كما أنّ هذه الدورة التجاريّة تساهم في بناء ما يعرف بالـcustomer loyalty، أو ولاء العميل، الذي إن لم نعرف كيف نجذبه فسنخسره وتكسبه دول أخرى".
ورأى شمّاس أنّ "التأخير في إعادة الخدمة إلى العمل، سيخسّر لبنان المزيد من السيّاح، لأنّ في العام الأوّل من عودة الآليّة لن يتمكّن لبنان من استرجاع سوى 40% ممّا خسره وسينتظر حتّى السنة الخامسة ليستعيد 70%".
أهميّة إعادة آلية استرداد الضريبة على القيمة المضافة
"على الرغم من أنّ الدولة لا تستفيد من آلية استرداد الضريبة على القيمة المضافة لغير المقيمين"، بحسب شماس، "لأنها لا تخسر ولا تربح، إلّا انّ هذه الآليّة تشجّع المغتربين والسيّاح على المجيء إلى لبنان، وبالتالي، تدخل مداخيل أخرى إلى خزينة الدولة، إذ سترفع من نسبة الصرف السياحي في لبنان. فالسيّاح سيصرفون في المطاعم، والفنادق، وسيستأجرون السيارات، والشقق المفروشة، وهذه الخدمات لا تستردّ ضريبة القيمة المضافة إليها، فتستوفيها الدولة. ومن جهة ثانية، ستستوفي الدولة الضريبة على الأرباح مما حققته المؤسسات التجارية من ربح في المواسم السياحية، نتيجة ارتفاع نسبة البيع، والأمر نفسه ينطبق على القطاعات السياحية. وعندما تزيد حركة البيع، توظف المؤسسات التجارية والسياحيّة عدداً أكبر من المواطنين، وهذا ما يستولد المزيد من فرص العمل، ويرفع الأجور، وتالياً ترتفع ضريبة الدخل التي تجبيها الدولة. كما أنّ لهذه الآليّة عامل تضاعف المعروف بالـ Multiplier effect، إذ ستبدأ القطاعات الاقتصاديّة بالتعافي الواحدة تلو الأخرى، مما ينشىء حلقة اقتصاديّة إيجابية Virtuous cycle، تعود بالمنفعة على المؤسسات والدولة".
خطوة أساسيّة للمنافسة
وبيّن الخبير الاقتصادي أنطوان فرح لـ"الصفا نيوز" أنّ " آلية استرداد الضريبة على القيمة المضافة لغير المقيمين، أي إعفاء الزوّار والسيّاح من ضريبة الـTVA على مشترياتهم من البلد، تعتبر من الأمور الحيويّة والضروريّة، من منطلق أنّ جميع دول العالم المتطوّرة تعتمد أسلوب حسم ما يعرف بضريبة الـTVA. أمّا عدم إعادة هذه الضريبة للزائر تخسّر القطاعات التجاريّة السياحيّة والاقتصاديّة القدرة التنافسيّة. ففي عصر العولمة، أصبحت المنافسة في جميع المجالات، ومن ضمنها الأسواق التجاريّة، والسائح يعرف إذا ما كان سعر السلعة في بلد ما أغلى من بلد آخر، حيث أنّ جزءاً من غلاء سعر السلعة قد يعود إلى الضريبة المفروضة على القيمة المضافة، ومن هنا جاءت فكرة خصم هذه الضريبة، وردّها للزائر".
وأضاف فرح "ضريبة الـTVA غير موحّدة في دول العالم، فقد تصل في بعض الدول إلى الـ27%، أمّا في دول أخرى فلا تتخطّى الـ5% أو لا وجود لها من الأساس. وإعادة دفع الضريبة إلى السائح والزائر يستولد نوعاً من العدالة في التنافسية بين الدول، وباعتبار أنّ لبنان يعتمد على قطاع السياحة، من الضروري أن يعيد إحياء هذا النهج الذي كان سائداً قبل الأزمة".
وختم فرح "من الطبيعي أن تكون هذه الآلية قد توقّفت خلال جائحة كورونا مع توقّف حركة السفر، وبعد اندلاع الأزمة الاقتصاديّة، وما ترتّب عليها من تداعيات ماليّة ونقديّة، ولكن اليوم أصبح من الضروري إعادة إحياء هذه الآليّة، بحيث يتمكّن الزائر من استعادة الضريبة على القيمة المضافة وهو يغادر لبنان، خصوصاً أنّ حركة السياحة عادت بقوّة في العام الماضي، ونحن نأمل أن تستمرّ هذه الحركة في الأعوام المقبلة، بعد أن تكون قد انتهت الحرب على غزّة، والحرب في الجنوب، لإعادة مواكبة الحركة السياحيّة العالميّة، ومنح القطاعات التجاريّة اللبنانيّة القدرة التنافسيّة، وهو ما سيعود بالنّفع على الدولة اللبنانيّة وموازنتها، والحركة الاقتصادية في لبنان".
1