برزت ظاهرة زواج القاصرات بشكل لافت في لبنان في الآونة الأخيرة، وهو ما يشكّل انتهاكًا واضحًا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في ظلّ غياب قانون يحدّد سن الزواج أو قانون مدني ينظّم شؤون الأحوال الشخصية، ويعود الأمر إلى المحاكم الدينية حيث 15 قانوناً للأحوال الشخصية.
إقرار تشريع يفرض سنّ 18 سنة سنًّا أدنى للزواج
تقول لـ"الصفا نيوز" السيدة كلودين عون، رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية "الوضع في لبنان تفاقم خلال السنوات الأخيرة بالنسبة إلى التزويج المبكر، مع تدهور الأوضاع الاقتصادية. إذ بات الفقر يمس معظم السكان بعد هبوط العملة الوطنية إلى أقل من 90% من قيمتها الأصلية. وقد زادت بالتالي معدلات الزيجات المبكرة لدى الإناث، خاصة في المناطق الريفية الضعيفة اقتصادياً، وزادت نسب التسرّب المدرسي لدى الفتيات، وما يزيد الأمر خطورة عدم وجود قانون مدني يفرض سنّاً أدنى للزواج. فالمسائل المتعلّقة بالزواج وبالحقوق الأسرية تعتبر جزءاً من الأحوال الشخصية، وقد آثر واضعو الدستور أن يتركوا تنظيمها للطوائف الدينية الـ 18 المعترف بها رسمياً، والتي تطبّق في إدارتها لهذه الطوائف 15 قانوناً تراوح فيها السنّ الأدنى لزواج الإناث بين 12 و 17 سنة إذا ما وافقت على ذلك السلطات الدينية المشرفة على الزواج".
وتشير عون "يدرك الناشطون/ات في مجال القضايا الاجتماعية في لبنان، أنّ مكافحة ظاهرة التزويج المبكر للفتيات تتطلّب إقرار تشريع يفرض سنّ 18 سنة سنّاً أدنى للزواج، كما تتطلّب العمل على تغيير الذهنيات التي لا تزال ترى في تزويج الفتيات في أعمار مبكرة سبيلاً لتخفيف الأعباء الاقتصادية عن الأسرة الفقيرة ووسيلة لصون العفة، وذلك من غير اعتبار للحقوق الإنسانية للفتاة في طفولة آمنة وفي تربية تؤهّلها للنمو كمواطنة قادرة وفاعلة في مجتمعها".
وتلفت إلى أنّ "الإستراتيجية الوطنية للمرأة في لبنان، التي وضعتها الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية مع شركائها في القطاع العام وفي المجتمع المدني إلى العام 2030، تناولت موضوع مكافحة ظاهرة التزويج المبكر للفتيات من زاويتي السعي إلى اعتماد قانون مدني يحددّ سن 18 سنة حدّاً أدنى للزواج باعتبار أنّ الموضوع يتعلّق بالنظام العام من جهة، وبالعمل من جهة أخرى، على أن تكون الثقافة السائدة مبنية على مبادئ حقوق الإنسان للرجال والنساء، إذ هي أحد أهداف الإستراتيجية، مع الإشارة إلى أن الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية تشارك في اجتماع اللجان النيابية لدى مناقشة مواضيع تتعلّق بقضايا المرأة".
على صعيد التشريعات، قالت عون "قبل أشهر أقرّت لجنة حقوق الإنسان في البرلمان اقتراح قانون يرمي إلى حماية الأطفال من التزويج المبكر، ونحن كلّنا أمل في أن يتوصّل المجلس النيابي إلى تبنّيه نهائياً. ولابدّ أن نذكر أيضاً أنّ المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى للطائفة الإسلامية السنية في لبنان فرض في العام 2021 إتمام الثامنة عشرة من العمر لزواج الشبان الشابات وحظّر تزويج القاصرين والقاصرات قبل الخامسة عشرة من العمر. أمّا على صعيد العمل بغية تغيير السلوك المجتمعي باتجاه الإقلاع عن تزويج القاصرات، فنذكر من المبادرات التي اعتمدتها وزارة الشؤون الاجتماعية خطة عمل وطنية للوقاية والاستجابة والحماية من زواج الأطفال في لبنان. وشملت مجالات التدخل التي نصت عليها كالتعليم والصحة والفقر والعدالة والسلوك الاجتماعي. كذلك نظمت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة سلسلة من الحملات التوعوية في صفوف الفتيات أنفسهنّ وأهاليهنّ".
"نفذت الهيئة الوطنية بالشراكة مع وزارة التربية والتعليم العالي واليونيسف حملات متصلة بمناهضة العنف ضد الفتيات"، تضيف عون، "ومن بينها تزويج الأطفال، واستهدفت في العالم الماضي نحو 10,000 تلميذ وتلميذة في 23 مدرسة رسمية ثانوية في جميع المناطق اللبنانية، وذلك في إطار تطبيق سياسة حماية التلميذ والتلميذة في البيئة المدرسية. كذلك توجهت في هذه الحملات التوعوية إلى أهالي التلامذة من خلال لجان الأهل في بعض المدارس التي شملها البرنامج".
كيف تتوزّع نسب تزويج القاصرات في لبنان؟
تقول منسّقة التواصل في التجمّع النسائي الديمقراطي اللبناني، رشا وزني، لـ"الصفا نيوز"، إن " التجمّع النسائي الديمقراطي اللبناني (RDFL) أطلق ضمن حملة "مش قبل الـ18" دراسة وطنيّة حول تزويج الأطفال والطفلات، تزامناً مع اليوم العالمي للمرأة، وهي أوّل دراسة وطنية تعدّ بعد آخر دراسة نفّذت في العام 2016، وتأتي ضمن جهود المناصرة للتجمع النسائي لإنهاء تزويج الأطفال والطفلات في لبنان، مع تقديم اقتراح قانون في المجلس النيابي في العام 2017 لتحديد سنّ الزواج".
وكشفت وزني أنّ "الدراسة فضحت أرقاماً خطيرة عن نسب تزويج القصار في المجتمع اللبناني، حيث أنّ 20 % من الموجبين والموجبات تّم تزويجهم وهم دون سنّ الـ 18%، في حين أن 87 %من هذه النسبة هي من النساء، و36% لبنانيون ولبنانيات.".
والسبب الرئيسي وراء انتشار هذه الممارسة في لبنان، بحسب وزني، يعود إلى "غياب إطار قانوني يحمي الفتيات والفتيان من التزويج المبكر، إذ من واجبات الدولة تشريع قوانين تحمي هؤلاء الأطفال، بناء على المعاهدات الدوليّة التي وقّعت عليها، وعلى رأسها اتفاقيّة حقوق الطفل، التي تنصّ على أنّ أيّ شخص يقلّ عمره عن 18 سنة، هو طفل. بالإضافة إلى بعض العادات والتقاليد في القرى، والتي ضمن إطارها يتمّ تزويج الأطفال والطفلات تحت سنّ الـ 18 مع غياب الوعي المجتمعي حول مخاطر تزويج القصر على الصعيدين النفسي والجسدي، وعلى المجتمع من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية. كما أنّ الوضع الاقتصادي الحالي يجعل العائلات تزوّج الأولاد للتخلّص من العبء الاقتصادي عليها، مع العلم أنّ هذه الخطوة هي دوّامة من العنف والفقر تعيد نفسها. لأنّ أغلب الناجيات اللواتي نقدّم لهن الدعم، أُجبرن على الزواج في عمر الـ 13 سنة، وعدن مطلقات مع ولدين وهنّ في عمر الـ 17، وبالتالي نحن نكرّر أزمات اجتماعية واقتصادية متلاحقة، كما أنّ أغلب من يتمّ تزويجهنّ في سنّ مبكرة يقعن ضحية عنف عائلي واقتصادي واجتماعي ونفسي".
وأظهرت الدراسة أيضاً، بحسب وزني، أنّ "56% من الموجبات والموجبين الذين انتفعوا من تزويج أطفالهم أكّدوا أنّ هذا الزواج أمّن الدعم الاجتماعي للأسرة، بحيث أصبح الزوج مسؤولاً عن الطفلة. وشملت النسب جميع المحافظات اللبنانيّة، وسجّلت بعلبك الهرمل أعلى نسبة تزويج قاصرين وقاصرات وهي 31%، في حين سجّلت بيروت النسبة الأقلّ 10%، وجبل لبنان 15%، وشمال لبنان 25%، وعكار 27%، والجنوب 17%، والبقاع 29%، والنبطية 23%. ونحن كتجمّع نسائي نعمل منذ العام 2016 على مقترح قانون تقدّم إلى المجلس النيابي في الـ2017، لإقرار قانون مدني موحّد على جميع الأراضي اللبنانية، يحدّد سنّ الـ18 عاماً سنّ الزواج الرسمي، وهو مشروع يأتي ضمن حملة "مش قبل الـ18"، وقمنا بحملات إعلامية على الصعيد الوطني، وجذبنا رأياً عاماً حتى بات يعي مخاطر التزويج المبكر، كما شكّلنا تحالفاً وطنياً من 65 منظّمة غير حكوميّة محليّة ودوليّة لدعم هذه القضية. وبعد جهود كبيرة أقرّ القانون في لجنة حقوق الإنسان النيابيّة في أيلول 2023، وهو حالياً في لجنة المرأة والطفل، وحصلنا على تعهّد من النائبين أنطوان حبشي وجورج عقيص، اللذين تبنّيا هذا القانون، بارسال طلب خطي لإحالة القانون إلى اللجان المشتركة، ونحن نتابع الموضوع من داخل المجلس النيابي، للضغط في اتجاه اقراره".
وعن مخاطر التزويج المبكر، تلفت وزني إلى "حرمان الطفلات من التعليم، إذ إن 26 % من الأطفال غير منخرطين في برامج تعليميّة، و56% في هذه النسبة من الفتيات، اللواتي يتمّ حرمانهنّ من التعليم لتزويجهنّ، وتحميلهنّ عبء هذا الزواج وهنّ غير مستعدات له فكرياً أو جسدياً أو نفسياً. كما أنّ سماكة الرحم لا تكون جاهزة لتحمّل الفتاة عبء الحمل، وهو ما يسبّب مضاعفات خطيرة تفضي إلى الوفاة. عدا أنّ أغلب الناجيات من تزويج الأطفال يتعرّضن لعنف اقتصادي إذ يتمّ اجبارهنّ على العمل لأخذ أموالهن، وتعنيفهنّ جسدياً ونفسياً، وهذا ما ينعكس على المجتمع في المستقبل ويولّد حلقات من الأزمات الاقتصاديّة والاجتماعيّة".