رئاسياً، لا جديد تحت الشمس. الخيار الثالث لا يزال في علم الغيب. اسمه لا يزال مجهولاً. ولادته مرهونة بوضع المنطقة والتسوية الموعودة. ما نجحت فيه كتلة "الاعتدال الوطني" النيابية أنّها أخرجت الاستحقاق الرئاسي من الجمود وأعادت تحريك البحث بشأن الخيار الثالث مجدداً. ما عصي على دول لن يكون بمقدور خمسة نواب تحقيقه وإن حازوا بركة الخماسية. جميع اللقاءات التي عقدتها اللجنة في كفّة ولقاؤها الإثنين المقبل مع كتلة الوفاء للمقاومة النيابية في كفّة موازية.
بين مرحّب ومتحفّظ تراوحت الآراء بشأن تحرّك التكتل النيابي. اقتراحه حول الجلسة التشاورية الذي يستتبع بجلسة انتخاب الرئيس تعترضه عقبات تتعلّق بالشكل. أي إدارة الجلسة وتنظيم النقاشات بين النواب ومواضيع البحث وإن كان عنوانه واحداً، أي الاستحقاق الرئاسي.
يقول مصدر نيابي إنّ التكتل يقدّم عرضاً سبق أن كان موضع رفض من كتل نيابية وازنة رفضت الجلوس إلى طاولة واحدة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري لاعتباره طرفاً. اليوم انقلب المشهد. فهل يرضى برّي أن يجلس مع رافضي اقتراحه ويقبل أن يترأس الجلسة كبير السنّ من بين النواب، أي مروان حمادة من تكتل اللقاء الديمقراطي؟ بالمبدأ لم يرفض برّي اقتراح التكتّل ولم يَتبنَّه بالمقابل. والموقف نفسه يمكن أن ينسحب على موقف حزب الله ما دام الاقتراح المقدّم يقوم على تشاور ليوم واحد ثم جلسات انتخاب متتالية إلى أن يُنتخب رئيس بحضور ثلثي مجلس النواب وتصويت 65 نائبًا. فهل يرضى الثنائي عن انتخاب رئيس بجلسات مفتوحة على أساس الأكثرية العددية بدلاً من التوافق المسبق على رئيس، وأن يدخل إلى جلسة انتخاب من دون توافق على مرشّحه فيصبح احتمال انتخابه ضعيفاً جداً.
لا يقبل فرنجية أيّ بحث في مسألة انسحابه من السباق الرئاسي، ويعتبر أنّ نتائج حرب غزّة ستزيد من حظوظه رئاسياً
طرف ثالث عارض اقتراح التكتّل النيابي هو المرشح سليمان فرنجية الذي رفض اسقبال نوابه. لا يقبل فرنجية أيّ بحث في مسألة انسحابه من السباق الرئاسي، ويعتبر أنّ نتائج حرب غزّة ستزيد من حظوظه رئاسياً. وما دام الثنائي متمسّكا به فلن ينسحب. ولكن السؤال ماذا لو وافق النواب على اقتراح التكتّل، فهل تعقد جلسة حوار من دون الثنائي الشيعي أم أنّ عقدها سيظهره رافضاً للحوار على عكس ما يؤكّد؟
من غير المحسوم أنّ الدعم الذي سمعه نواب التكتّل خلال زياراتهم سيتبلور حضوراً لجلسة التشاور وموافقة على اقتراح الجلسات المتتالية التي تحرج الثنائي وحلفاءه كما تحرج مرشّحه.
يسعى التكتّل لأن يحدث خرقاً رئاسياً في وقت ينصبّ الاهتمام الدولي والإقليمي على جبهة غزّة والجنوب. تلك الجبهة المفتوحة جنوباً على احتمالات التصعيد أكثر منها على احتمالات الهدوء. يبدي حزب الله خشيته من أن تعمد إسرائيل إلى رفض سريان أيّة هدنة يٌتفق عليها بشأن غزّة على جنوب لبنان، ما يضطره إلى خوض معركة قد تقود لحرب شاملة.
قبل سؤال حزب الله عن الخيار الرئاسي الثالث، يفترض السؤال عن احتمال انتخاب رئيس في ظلّ الظروف الراهنة. من حيث المبدأ، يرفض حزب الله الربط بين الرئاسة وغزّة، وهذا بات واقعاً بدليل المبادرات الدولية المطروحة والتي تولي وضع الجنوب أولوية. يرحّب بالمبادرات الداخلية، لكن اهتمامه في مكان آخر، على نحو يؤكّد عدم قابليته للدخول في نقاش بشأن خيار ثالث أو رابع. قبل الحرب وبعدها يؤكّد حزب الله تأييد فرنجية إلى أن يختار مرشّحه بنفسه الانسحاب.
لكنّ موقفاً كهذا لا يلغي أنّ الخيار الثالث الرئاسي بات بحكم المحسوم متى آن أوان الرئاسة، لكن المشكلة في الاسم المفترض أن يشكّل تقاطعاً محلّياً مع الخارج. إلى اليوم ما زالت بورصة الترشيحات خالية إلّا من أسماء فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون والمدير العام للأمن العام بالإنابة الياس البيسري. عربياً وإقليمياً لا يحظى فرنجية بالدعم، في حين يتقدّم اسم العماد عون وتفشل قطر في تقديم ترشيح البيسري ليكون مرشّحاً جدياً.
رداًّ على سؤال، تقول مصادر سياسية "لا شيء جديداً رئاسياً وحراك تكتّل الإعتدال مجرّد حراك لا يعوّل على نتائجه". من باب المجاملة ورفع العتب يستقبل حزب الله نوّاب التكتّل ليستمع إلى أفكاره وما ينوي القيام به. من حيث المبدأ، يثني على أيّ تحرّك داخلي في الرئاسة، لكن لا يرى أنّ الظروف ناضجة في هذا الوقت البالغ الحساسية في الجنوب لحسم ملفّ الرئاسة. ويقول مطّلعون على أجواء حزب الله "سبق أن تحرّكت الخماسية وأدارت فرنسا محرّكاتها ولم يخرج أحد بنتيجة، فهل ينجح التكتّل حيث فشل هؤلاء".
بالمحصلة، يؤكّد أكثر من فريق سياسي التقى التكتّل واستمع إلى طروحاته، أنّه "حركة بلا بركة". يتحرّك التكتّل في لحظة فراغ ومناكفات أميركية فرنسية ومخاض عسير تعيشه المنطقة، فعن أيّ نجاح يمكن الحديث، وعلى أي خيار ثالث يمكن الاتفاق؟