في الوقت الذي تتنافس فيه دول العالم على احتلال مراتب متقدّمة في مؤشر السياحة العالمي، وجذب السيّاح إليها، بخطط إستراتيجية طويلة الأمد، وبميزانيات ضخمة، ومن بينها دولة الإمارات العربية المتحدة التي أطلقت حملة "أجمل شتاء في العالم" لعام 2024، لا يزال لبنان محافظاً على موقعه على الخريطة السياحية العالمية، ولو بقدرات متواضعة وبدعم مادي معدوم، لا بل سجّل لبنان مرّة جديدة إنجازاً في القطاع السياحي، بعد تصنيف بلدة كفردبيان اللبنانية (التي تقع في قضاء كسروان – جبيل)، "عاصمة السياحة الشتوية العربية لعام 2024" من قبل منظمة السياحة العربية. وجاء هذا الإنجاز حصيلة سنوات من العمل الدؤوب والتعاون المشترك بين بلدية كفردبيان ولجنة السياحة فيها، ووزارة السياحة اللبنانية.
جوهرة السياحة الشتوية والصيفية
"لقد خصّ الله هذه المنطقة بجمال طبيعي خلّاب، وبمعالم أثرية ساحرة كقلعة فقرا وجسر الحجر الطبيعي، ما جعل منها جوهرة السياحة الشتوية والصيفية"، بهذه الجملة يختصر رئيس بلدية كفردبيان، الدكتور بسام سلامة، جمال بلدة كفردبيان ومميزاتها، في حديثه لـ"الصفا نيوز"، قائلاً "في هذ الظروف الاقتصادية الصعبة والحروب القائمة والجو التشاؤمي الذي يحيط بنا، جاءت مناسبة تصنيف كفردبيان عاصمة للسياحة العربية الشتوية كبارقة أمل للبنان، لتؤكّد أنّ هذا البلد سيبقى قادراً على النهوض من جديد مهما عصفت به الأزمات".
"والفضل بهذا الإنجاز يعود إلى الاستراتيجية التي وضعها أعضاء بلدية كفردبيان وفريق العمل وسعيهم المستمرّ على مدى السنوات الماضية لحماية المواقع الأثرية والترويج لها ولما تحمله من قصص تاريخية، وطبعاً بالاشتراك مع وزارة السياحة التي واكبت عملنا ورفعت الملفّ السياحي إلى منظمة السياحة العربية، وهكذا تمكّنت بلدة كفردبيان من الترشّح والفوز بلقب عاصمة السياحة العربية الشتوية لعام 2024"، بحسب سلامة.
وتابع "منتجعات كفردبيان السياحية هي الرائدة في منطقة الشرق الأوسط، والدور الرئيسي الذي نقوم به كبلدية هو الإضاءة على هذه المنتجعات والثروات الطبيعية والسياحية، لننفض غبار الحرب والانقسامات التي طمست هذه المعالم، ونأمل أن ينهض هذا البلد بأهله ويأخذ موقعه من جديد على الخارطة العالمية".
نقطة انطلاق لمرحلة سياحية جديدة
واعتبر سلامة أنّ "يوم السبت 24 شباط (يوم الاحتفال بإطلاق بلدة كفردبيان عاصمة السياحة العربية الشتوية) نقطة انطلاق لمرحلة سياحية جديدة للبلدة، مع الكم الهائل من الوسائل الإعلامية التي ستكون حاضرة لتغطية الحدث، بحضور عدد من سفراء العرب والأجانب في ظلّ أجواء احتفالية. وهذه الخطوة ستكون حافزاً أساسياً لمنطقة كفردبيان لتطوير الحركة السياحية فيها، وستفتح فرصاً للبلدة للتعاون مع وكالات السفر والقطاع الخاص للترويج للسياحة في كسروان. كما سنطلق حملة سياحية تسويقية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والوسائل الإعلامية للإضاءة على جميع النشاطات السياحية في بلدة كفردبيان، لتحفيز السياح على زيارتها والتعرّف أكثر فأكثر على البلدة وآثارها والاستمتاع بالنشاطات التي توفّرها، فتصبح بذلك كفردبيان عاملاً جاذباً للسيّاح كي يزوروا لبنان لبنان".
وكشف أنّ "عدد الزوّار على ساحات التزلّج، (نادي فقرا السياحي، ومنتجع المزار) يصل إلى 13 ألفاً في اليوم الواحد. وقد وضعت البلدية خطّة بالتعاون مع وزارة الأشغال والأجهزة الأمنية لتنظيم دخول الزوّار وفتح الطرق أمام السياح وتنظيم السير لضمان تسهيل المرور وتأمين جو مريح للزوّار الآتين من مختلف الدول والمناطق اللبنانية".
التحديات التي تواجه البلديات
وفي ظلّ الظروف الصعبة التي تعيشها البلديات، شدّد سلامة على "أنّنا كبلدية لم نيأس يوماً أو نتوقّف عن إكمال عملنا، ونحن ملتزمون بمسؤولياتنا تجاه أبناء بلدتنا، فالسرّ يكمن في الإصرار على النجاح والإرادة والمثابرة، إلى جانب إطلاق فرص الشراكة بين القطاع العام والخاص".
وعن الصعوبات التي تواجهها البلدية، لفت إلى "عدم حصول الجهاز البشري من أعضاء فريق العمل وأعضاء بلدية وغيرهم، على حقوقهم المادية بسبب قلة الأموال المخصّصة للبلديات، إلّا أنّنا نسعى قدر الإمكان لتأمين مستلزمات الحياة لهم، آملين أن يتمكنوا من تحصيل حقوقهم في المستقبل. فما نقوم به هو فعل محبة كبير في زمن صعب".
كفردبيان بلدة كلّ الفصول
من جهتها شرحت جوزفين زغيب، وهي عضوّ في مجلس بلدية كفردبيان، لـ"الصفا نيوز"، إنّ هناك العديد من الأسباب والعوامل التي ساهمت في إعلان كفردبيان عاصمة للسياحة العربية الشتوية، والسبب الأول أنّها بلدة كلّ الفصول، وتحمل تاريخاً أثرياً كبيراً إذ زارها الفينيقيون والرومان، وشيّدوا قلعة فقرا التاريخية. وبدأت حركة السياحة في هذه المنطقة منذ الستينيات وشهدت افتتاح أول مراكز للتزلّج في الشرق الأوسط. كذلك تحوي البلدة على العديد من الفنادق، منها الـ 5 نجوم والـ4 نجوم، إلى جانب بيوت الضيافة والمخيمات، والمطاعم التي تقدّم أشهى المأكولات من المطبخين اللبناني والأجنبي. كما تتميز كفردبيان بطبيعتها الخلابة التي نحتت الصخور الكلسية وصنعت جسراً طبيعياً في قلب الطبيعة، فضلاً عن وفرة الأنهر والينابيع في البلدة، ومنها نبعا اللبن والعسل. أمّا أهل كفردبيان فاشتهروا بكرمهم وضيافتهم وحبهم للزوار وجودة خدماتهم. كما تضم البلدة مصانع للنبيذ والعرق الفاخر، ووصل هذان الصنفان إلى العالمية. وأخيرا تضمّ هذه البلدة العديد من المنتجعات السياحية الفاخرة، وتنظّم سباقات للخيل ومهرجانات دولية".
وما يميز كفردبيان عن باقي المناطق اللبنانية؟ أجابت زغيب "عند مدخل كفردبيان ساحل يقع على علوّ 550 متراً عن سطح البحر، وآخرها جرد يصل علوّه إلى 2465 متراً عن سطح البحر. وهي قريبة من العاصمة بيروت وتربط البحر بالجبل. وهي معروفة بلقب البلدة التي لا تنام لا في الصيف ولا في الشتاء. ومنذ أكثر من 4000 سنة، كانت مسكونة واعتبرها الرومان محطّة أساسية تربط الطريق بين مرفأ جبيل وبعلبك".
6 معايير أساسية دعمت التصنيف
وعن المعايير التي اعتمدتها المنظمة العربية للسياحة - جامعة الدول العربية، لتصنيف كفردبيان عاصمة السياحة العربية الشتوية، تذكر زغيب "المعيار الأول سلامة السائح من حيث أكله وأمنه وصحته، المعيار الثاني التنوع بالأنشطة بين الرياضة والاستجمام، المعيار الثالث تعدّد الفنادق التي تتناسب وجميع الأذواق والطبقات الاجتماعية، المعيار الرابع رقابة السلطة المحلّية على تطبيق المعايير السياحية العالمية والتشاركية مع القطاع الخاص ووضع خطة تسويقية، المعيار الخامس الآثار التي تحويها المنطقة، والمحافظة عليها لاستقبال السائح وتوفير "الأوديو غايد" للإرشاد السياحي. أمّا المعيار السادس فهو تعدّد دروب المشي القصيرة والطويلة على ضفاف النهر أو في رأس الجبل".
أمّا القيمة المضافة التي يقدمها هذا التصنيف الى كفردبيان، بحسب زغيب، "فهو خطوة جديدة تدفع نحو إعلاء شأن لبنان سياحياً ويعطي الأمل ويبرهن على حرفية اللبناني بمطاعمه وفنادقه وأهله، واستعداده لاستقبال جميع الزوار وخاصة العرب".
ووجّهت زغيب في الختام، رسالة إلى اللبنانيين، ذكّرت فيها بأنّ "السياحة في لبنان عمود رئيسي للاقتصاد، ومنذ الاستقلال حتّى اليوم أكّدت بلدة كفردبيان أنّ لكل رؤية طريقاً، ولن نقبل بأن تتراجع عزيمتنا برغم الصعوبات، وهذه المرة هدفنا هو العالمية ولا شيء سيقف بوجهنا"، مضيفة "ناطرين اشتقنا ونحن نرحّب بالجميع 24 ساعة في اليوم على مدى سبعة أيام الأسبوع".
من جديد يؤكّد لبنان أنّه قادر بعزيمة أهله على التغلّب على جميع المشقات والمحافظة على وجهه المشرق ليبقى لؤلؤة مضيئة في هذا الشرق، ونموذجاً سياحياً مميّزاً وفريداً.