مرّ اليوم الدولي للمرأة والفتاة في ميدان العلوم الموافق في 11 شباط مرور الكرام في العالم العربي، وحتّى في دول العالم الغربي، حيث لا تزال مشاركة النساء في هذا المجال ضعيفة ومتواضعة، وتحظى مشاركتهن باهتمام إعلامي، أو مجتمعي، متواضع، خصوصاً في البلدان العربية. ويعدّ هذا اليوم بمنزلة تذكير بأنّ للنساء وللفتيات دوراً حاسماً في مجتمعات العلوم والتكنولوجيا. ولا بد من تعزيز مشاركتهن.
وإلى ذلك، يعتمد التصدّي لعدد من أهم التحدّيات التي يواجهها جدول أعمال التنمية المستدامة، بدءاً من تحسين الصحة، وانتهاء بمكافحة تغيّر المناخ، على تسخير كلّ المواهب. وهذا يعني زيادة عدد النساء العاملات في هذه المجالات حيث يؤدّي التنوّع في الأبحاث إلى توسعة دائرة الباحثين الموهوبين، ممّا يجلب وجهات نظر جديدة ومواهب وإبداعات.
ومع أنّ مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات تُعدّ ذات أهمية بالغة للاقتصادات الوطنية، فإنّ معظم البلدان، بغضّ النظر عن مستوى التنمية لديها، لم تحقّق المساواة بين الجنسين في هذه المجالات حتّى الآن.
بالأرقام
واستناداً إلى أرقام منظّمة الأمم المتحدة، يتبيّن أنّه كثيراً ما تحصل الباحثات على منح أقلّ قيمة من التي يحصل عليها الرجال. وعلى الرّغم من أنَّ نسبة الباحثات تبلغ 33,3% من مجمل الباحثين حول العالم، فإنَّ 12% من أعضاء الأكاديميات الوطنية للعلوم هم من النساء. فيما تبلغ نسبة النساء في المجالات المتقدّمة مثل الذكاء الاصطناعي امرأة واحدة لكلّ خمسة مهنيين، أي 22%.
ولم تزل نسبة النساء الخرّيجات في كلّيات الهندسة تشكّل 28% من مجمل الخرّيجين حول العالم، في حين تصل نسبة الخريجات في كليات علوم الحاسوب والمعلوماتية إلى 40%، على الرّغم من النقص في المهارات في معظم المجالات التكنولوجية التي تقودها الثورة الصناعية الرابعة.
وتميل المسيرة المهنية للنساء إلى أن تكون أقصر وأقلّ أجراً، ولا تظهر أعمالهن بالقدر الكافي في المجلَّات البارزة، وغالباً ما يجري تجاهلهنَّ عند الترقية، بحسب تقرير الأمم المتحدة في اليوم العالمي للنساء في العلوم.
أمّا في الدول العربية، فتشير إحصاءات البنك الدولي إلى أنّ هناك أقلّ من 15% من النساء يشاركن في سوق العمل في العراق والأردن، و26% في لبنان. وتُعدّ هذه النسب من أدنى معدّلات مشاركة المرأة في العمل على مستوى العالم.
عائق الزواج والسن
في هذا الصدد، يقول ساروج كومار جها، المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي: "من الضروري أن نركّز على ضمان أن تتمتّع النساء بالفرص ذاتها التي يتمتّع بها الرجال في الحصول على العمل، إن كنّ يرغبن في ذلك".
وبحسب تقرير البنك الدولي "فمن المرجّح أن تحصل النساء الأفضل تعليماً والأصغر سنّاً وغير المتزوجات على فرص عمل. فعند دراسة أنماط مشاركة النساء في القوى العاملة في البلدان الثلاثة، تبرز بعض المسائل: المستوى التعليمي يحظى بأهمّية كبيرة، وكذلك الوضع العائلي والعمر. ففي البلدان الثلاثة، ثلثا النساء الحاصلات على تعليم عالٍ يعملن أو يبحثن عن عمل. وثمة تحوّل بين الأجيال في الأردن ولبنان حيث ترتفع معدّلات المشاركة بين النساء الأصغر سناً. كما أنّ للوضع العائلي للمرأة تأثيراً: فعلى سبيل المثال، يظهر لبنان تراجعاً في معدل مشاركة المرأة بعد الزواج والمزيد من التراجع بعد الإنجاب".
في الإطار نفسه، تشير تقديرات الإسكوا إلى أنّ النساء في المنطقة العربية يحتجن إلى حوالى 50 سنة للوصول إلى المعدّل العالمي لمشاركة المرأة في القوى العاملة. ويحتجن إلى 93 سنة تقريباً كي تصل مشاركتهنّ إلى المعدّل العالمي لمشاركة الرجال في القوى العاملة. ويحتجن إلى نحو 95 سنة لتحقيق المساواة مع معدلات مشاركة الرجال في القوى العاملة في المنطقة.
وعلى الرغم من قتامة الأرقام، يبقى في لبنان نساء حققن إنجازات فريدة ومميزة في مجال العلوم وصلت أصداؤها إلى أقاصي الأرض، وقد كُرّمن في أكبر المحافل الدولية. ومنهنّ:
نيفين محمد علي خشاب
البروفسورة اللبنانية نيفين محمد علي خشاب التي تُوّجت بجائزة "نوابغ العرب" في الإمارات، عن فئة العلوم الطبيعية، وذلك تقديراً لإسهاماتها البارزة في مجالات علوم الكيمياء، والهندسة الحيوية، والعلوم البيولوجية. وتركّز الاهتمامات البحثية للبروفسورة خشاب على تطبيقات المواد المتناهية الصغر القابلة للبرمجة الذكية والمصنّعة هندسياً، وعلى استخداماتها للأغراض الطبية، والصيدلانية، والصناعية، والبيئية.
آية بدير
آية بدير مؤسسة شركة ليتل بيتس "LittleBits" ومخترعة مجموعة وحدات إلكترونية ممغنطة تسمح لأي شخص "بالبناء والاختراع".
واستهدفت بدير في مشروعها الأطفال، وتحديداً الفتيات في عمر العاشرة. واستخدمت هذه القطع في الآلاف من مدارس الولايات المتحدة الأميركية، وأطلقت آية في العام 2019 مبادرة مقدارها 4 ملايين دولار موّلتها شركة ديزني لمحاولة سدّ الفجوة بين الجنسين في مجال العلوم والتكنولوجيا والابتكار من خلال تزويد 15,000 فتاة في عمر العاشرة في كاليفورنيا بمجموعات مجانية من قطع ليتل بيتس.
نجاة صليبا
انتخبتها "بي بي سي" من بين أكثر 100 امرأة ملهمة ومؤثرة لعام 2019، وتجري النائب والأستاذة الجامعية نجاة صليبا أبحاثاً رائدة على مستوى العالم حول تلوث الهواء. وسبب اهتمامها في هذا المجال يعود إلى كونها شهدت إصابة أصدقاء وأقارب وزملاء لها بمشاكل صحية نتيجة للتعرض لمواد سامة في البيئة المحيطة، في فترة الحرب. لذا تأمل أن تقود أبحاثها مع الجامعة الأميركية في بيروت إلى إمكان معالجة عدد من التحديات البيئة التي نعيشها اليوم.
جوي إليان الحايك
الاختصاصية في طب الأطفال، والأستاذة في كليّة طب الأسنان في جامعة القديس يوسف في قسم طب أسنان الأطفال وطب أسنان - الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الجديدة، الدكتورة جوي إليان الحايك، التي فازت بجائزة "لوريال-اليونسكو من أجل المرأة في مجال العلوم"، في مجال طبّ أسنان الأطفال، لإدخالها الـdigital dentistry بهدف الحصول على بسمة بيضاء لدى الأطفال، بعد أن كانت التقنية مقتصرة على الكبار.
وكان لـ"الصفا نيوز" حوار مع د. الحايك، التي لفتت إلى أنّ اختصاص الطبّ كان حلمها منذ الطفولة، "وقد تحقّق هذا الحلم بفضل دعم أهلي، ولأنني تربّيت في عائلة كسر فيها الوالد الصورة النمطية الذكورية للأب، فكنت أرى كيف يدعم أمي ويدعمني كفتاة في هذا المجتمع، وهو ما أزال جميع الحواجز من طريق أحلامي وطموحاتي".
وعن مسارها الأكاديمي تذكر أنّها درست طبّ الأسنان ومن ثمّ تخصّصت في طبّ أسنان الأطفال، وأنهت اختصاصاً ثانياً هو ماستر بحثي في الـ biomaterial أي المواد الحيوية، واليوم تنهي شهادة الدكتوراه.
خلق التوازن في الحياة
وعن التحدّيات التي واجهتها، تذكر الحايك: "بعد 10 سنوات من التعليم، و18 سنة من التعلُّم، واجهت العديد من التحديات، أبرزها تحدّيات تتعلّق بالتمييز الجندري، إذ واجهت صعوبة كامرأة في إثبات وجودي في هذا الميدان وتحقيق ذاتي وإبراز قدراتي ومواهبي، فضلاً عن التحدّي الأكبر، وهو خلق التوازن في حياتي، بين عملي كمدرّسة في الجامعة، وطبيبة أسنان في عيادتي الخاصة، وطالبة، وامرأة وصديقة وأم لابنتين وزوجة وابنة. هذا التحدي لا يزال يرافقني حتى اليوم، فيما خلقُ التوازن في حياتي أساسي لأتمكّن من إكمال تحقيق حلمي".
أهمية الثقة بأحلامنا والإيمان بقدراتنا
ولم تنكر حايك أنّ "نسبة النساء العاملات في مجال العلوم لا تزال ضعيفة إلّا أنّها أصبحت 40%"، وحيّت (برنامج لوريال-اليونسكو من أجل المرأة في العلم)، "إن كان في المشرق العربي أو حول العالم، لأنّه تمكّن من رفع نسبة النساء العاملات في هذا المجال، ورفع نسبة ثقتهن بأنفسهن، وأعطاهن دافعاً لإكمال دراساتهن العليا والارتقاء بأبحاثهن ومشاريعهن إلى مستويات متقدمة".
وشدّدت على أنّها لا تتوقّف عن تطوير علاقاتها مع زملائها وطلّابها لكون هذه العلاقات تغذّي حلمها وتدفعها إلى ابتكار المزيد من المشاريع والخروج بأفكار جديدة ومتطوّرة.
وتعليقاً على نسبة النساء المتدنّية في مجال الدراسات العليا، ردّت بأنّ "الدكتوراه ليست سوى وسيلة ليتمكّن الفرد، امرأة كان أو رجلاً، من تحقيق طموحات أكبر، والمطلوب هو السعي الدائم لتحقيق الأهداف وعدم الاستسلام للصعوبات والمطبات. وإذا كانت الصعوبات أكبر في مجال العلوم فإنّ المرأةعامةً، واللبنانية خاصةً، قادرة على المواجهة وتحدّي أيّ مشكلة. وأكبر محرّك لنجاح المرأة هو الثقة بأحلامها والإيمان بقدراتها مهما كانت الصعوبات".