فشل المجلس الدستوري في التوصّل إلى قرار بالطّعن المقدّم من التيار الوطني الحر بمشروع قانون تمديد السنّ القانونية سنة واحدة لقادة الأجهزة الأمنية، ومن بينهم قائد الجيش العماد جوزاف عون. بعد جلسات متكرّرة اتّفق المجلس على عدم الاتّفاق، فحرّر محضراً بالوقائع وبقي كلّ شيء على ما هو عليه. كتبرير أقبح من ذنب، اعتبر المجلس أنّ الفشل في إصدار القرار مردّه إلى عدم اكتمال النصاب للتصويت.
ليست هي المرّة الأولى، ولن تكون الأخيرة التي يتخلّف فيها المجلس الدستوري عن البتّ بالملفّات الدستورية المختلف عليها، والتي هي مثار انقسام داخلي. فمسألة اكتمال النصاب لأيّ اجتماع هي علامة تسييس واضحة. كلّما أراد المجلس التفلّت من قرار، كان عدم اكتمال النصاب أو التصويت مخرجه الوحيد. لا تستغرب مصادر سياسية ما صدر عن المجلس بشأن التمديد لقائد الجيش. منذ أن تقدّم التيار بطلب الطعن كان القرار السياسي في المرصاد بمنع قبوله لإبطال التمديد وإثارة لغط دستوري وفتح نوافذ خلاف جديدة، فكيف إذا كان قبوله سيربّح رئيس التيار جبران باسيل ورقة جديدة. المطلوب في السياسة أن يبقى قائد الجيش الممدّد لولايته سنة إضافية مرشحاً محتملاً لرئاسة الجمهورية. هكذا يريده الغرب. الورقة التي يرفعها متى ضاقت السبل ولم يبق في الميدان غيره، فيُطرح على سبيل التسوية. لا يمكن فصل قرار الدستوري عن حسابات رئاسة الجمهورية في لبنان.
التيار وإن خسر الطعن فقد ربح معركة في السياسة
أثار القرار لغطاً بين أعضاء الدستوري وخلافاً في وجهات النظر، وسط كشف مصادر مطلعة عن نيّة عدد من أعضاء الدستوري تقديم استقالتهم اعتراضاً على ما حصل، لأنّ فعلاً كهذا يجعل المجلس في مهبّ الفراغ الذي يهدّد غيره من المؤسسات الدستورية.
وإذا كانت القوى اللبنانية رأت في القرار انتصاراً لمعركة التمديد التي خاضتها، فإنّ التيار، وإن خسر الطعن فقد ربح معركة في السياسة، لأنّ الدستوري لم يرفض الطّعن، لكنّه لم يخرج معلناً صوابيّته، بل قال أن لا اتفاق بين أعضائه بشأنه، ما يعني أنّه سقط في أتون خلاف السياسيين والرئاسة هي العنوان الأول.
من وجهة نظر التيار الوطني الحر، فإن "مجرّد أن يقبل المجلس الدستوري خضوع الطعن للنقاش دلالة على عدم شرعيّته، وإلّا لكان عرضة للرفض. لكن ما حصل أنّ أعضاء المجلس لم يتمكّنوا من إصدار الحكم بشأنه، وكلام رئيس المجلس يدلّل على عدم قدرتهم على القرار، ما يعني اعتباره شرعياً. لم يتّفق أعضاء المجلس الدستوري لا على تثبيت قانون مجلس النواب ولا على قبول الطعن". هي حالة من انعدام الوزن في المجلس الذي اعترف أنّ القانون أمر واقع من دون أن يكون هناك اتفاق دستوري عليه. وهنا يكمن الفرق. وهذا إن دلّ على شيء، بحسب التيار، فعلى أن المجلس الدستوري، الذي آليّة تعيينه مثله كمثل كلّ المجالس، خاضعة لحسابات طائفية سياسية، فهو معرّض لتعطيل دوره حتّى يصبح هناك توازن في ميزان القوى السياسية.
شلل المجلس الدستوري معناه أنّه "لا يعطي الحق للقانون بل يقول لو كان حرّاً لما كان مرّره". ولكنّ الحياة السياسية "فرضت نفسها على كلّ مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة القضائية الدستورية، والتي يفترض أنّ المجلس الدستوري محكمة عليا، لكن نظام المحاصصة يعطّل المؤسسات الدستورية ويجعل من القضاء هيئة فارغة".
تقول مصادر التيار "نكتفي بما صدر. كنا ندرك أنّ التمديد تمّ لأسباب سياسية وكيدية وإلّا لتمّت معالجته، ولم نكن نتوقّع أن التدخّل الخارجي الذي أملى التمديد سيُكسر في المجلس النيابي الذي هو أضعف من القوى التي فرضت هذا التمديد".
ما جرى بالمعنى السياسي بالنسبة إلى التيار "كاف". أي لو أن "القانون سليم لكان المجلس الدستوري سمح له برفض الطعن، وكانت له المقدرة الكافية ليقول إنّ هذا القانون صالح وهو ساري المفعول". وتكمل المصادر "ما جرى هو أنّ المجلس قال إنّه ساري المفعول، ولم يصدر حكماً يثبت شرعيته بل قال إنّه عاجز عن بتّه، وبقوّة الأمر الواقع يبقى القانون نافذاً، أي من باب العجز الدستوري" . و"وصلنا حقّنا بالمعنى السياسي " تضيف المصادر نفسها "ولكنّ المؤسسات الدستورية لم يصلها حقّها من خلال احترام القانون، والمجلس الدستوري لا يعرّي نفسه فقط بل المنظومة السياسية".
أمّا من ناحية الصلة لما حصل بالانتخابات الرئاسية، فالربط جائز، برأي التيار الذي يعتبر أنّ الدلالة على هذا الربط قائمة "باستمرار عون في قيادة الجيش، وهو على أيّ حال مرشّح أميركا الرئاسي، لكنّه لا يملك المواصفات التي تجعله مرشّح إجماع داخلي بدليل رفض الثنائي (الشيعي) لهذا الترشيح . لا يمكن فرضه كمرشّح رئاسي لوجود معادلات في الداخل يستحيل التغاضي عنها وفرض الخارج لمرشّحه".
ربما كان المطلوب أن يبقى ترشيح جوزاف عون سيفاً مصلتاً نكاية برئيس التيار الذي يرفضه، وتناغماً مع رغبات الغرب، لكن بالمقابل قد تكون غاية الإصرار على ردّ الطعن أو رفض القرار بشأنه، المضيّ قدماً بالنّظرية التي تقول إن عون نال قسطه بالتمديد سنة إضافية في قيادة الجيش. أمّا الرئاسة فهذا شأن آخر وله حساباته التي قد لا تصبّ في مصلحته من وجهة نظر "الثنائي".