بتنا نسمع في الآونة الأخيرة عن إقدام العديد من الناس على عمليات التلقيح الاصطناعي بغية إنجاب الأولاد، إذ بدأ ينتشر هذا النوع من العمليات بكثرة نتيجة ارتفاع الطلب عليه، بسبب عجز نسبة من المتزوجين عن الإنجاب بشكل طبيعي.
ارتفاع حالات العقم
في هذا الإطار، كشف لـ"الصفا نيوز" الدكتور توفيق نكد المختص في الجراحة النسائية والتوليد وعمليات طفل الأنبوب، أنّ "حالات التلقيح الاصطناعي تشهد ارتفاعاً مستمرّاً في لبنان والعالم، لأسباب عدّة، أهمّها تأخّر سنّ الزواج، لأنّ معظم النساء يتزوجن في آخر عمر العشرين والثلاثين، وهذا ما يرفع من حالات العقم. إذ يلعب عمر المرأة دوراً سلبياً في إمكانية الانجاب، على عكس الرجل الذي يخدمه عمره فترة أطول، فالرجل يصنع يومياً قرابة الـ200 مليون سائل منوي، أمّا المرأة فلديها رقم معين من البويضات يقلّ كلما تقدّمت في السنّ".
نمط حياة غير صحّي
أمّا السبب الثاني، بحسب الدكتور نكد، فيعود إلى نمط الحياة الذي نعيشه اليوم، من لباس ومأكل ومشرب وبيئة، وممارسات جنسية. فإنّ طريقة حياة الرجل قبل الزواج من جهة تعدّد العلاقات الجنسية، تؤثّر في صحّة البذرة "ما قد يؤدّي إلى تدهور القدرة الإنجابية، إذ يؤثّر ذلك في قوة السائل المنوي، كما أنّ للبس الرجل تأثيراً أيضاً على قدرته على الإنجاب، فارتداء الجينز الضيق يجعل الخصيتين قريبتين من الجسم، وهذا ما يرفع حرارتهما نتيجة الاحتكاك، ويؤذي البذرة، في حين أن حرارة الخصيتين يجب أن تبقى أقلّ من درجتين من حرارة الجسم. ومسألة الحرارة ليست مربوطة فقط بأنواع الملابس التي يرتديها الرجل، بل تتأثّر ببعض الوظائف التي يمارسها الرجال. للمثال فإن العاملين في الأفران وسائقي الجرّار الزراعي، يعانون بمعظمهم من ضعف في البذرة، إذ تؤثر الحرارة التي يتعرضون لها من الأفران أو من محرك السيارة في صنع البذرة بالخصيتين.
ولفت نكد إلى أنّ "إحدى الدراسات أظهرت أنّه، بمقارنة بين نوعية البذرة لدى الرجال في القرن الـ19 والـ20 واليوم، أي بعد مرور 100 عام، انخفاض عدد الحوَيْنات المنوية في بذرة الرجل من 150 و200 مليون إلى قرابة الـ20 أو 30 مليوناً حدّاً أقصى. وهو دليل واضح على تدهور القدرة الإنجابية وقوّة السائل المنوي. وهذا يعود بشكل رئيسي إلى تغيير نمط حياة الأفراد. فأجدادنا كانوا يرتدون الشراويل بدل الجينز، على سبيل المثال، كما أنّ الرجال لم يكونوا متعددي العلاقات الجنسية كرجال اليوم".
من جهة أخرى، تابع نكد، "يؤثّر نوع الأكل الذي نتناوله، والتلوث الذي يحيط بنا على صحّتنا الإنجابية. فالتلوث الكيميائي الناتج عن شرب المياه من زجاجة مصنوعة من البلاستيك، على سبيل المثال، يدخل موادَّ سيئة جداً للجسم وللبذرة فضلاً عن المأكولات التي نتناولها وتتضمّن موادَّ حافظة، تضرّ بصحّة الإنسان".
السرطان وعمليات التخسيس
وحول ارتفاع الإصابات بالسرطان وتأثيرها في العقم، علق نكد "وعند اكتشاف المرأة أنّها مصابة بسرطان الثدي في عمر متقدم (36 سنة وما فوق) نخشى من أن تخسر بويضاتها. لذلك نلجأ إلى تجميد البويضات قبل أن تخضع المرأة للعلاج، والأمر نفسه مرتبط بجميع حالات السرطان عند الرجال والنساء، فجلسات العلاج الكيميائية التي يخضع لها هؤلاء قد تؤثّر سلباً في إمكانية الإنجاب، لأنّ العلاج الكيميائي يقتل الخلايا".
أمّا عمليات تصغير المعدة منsleeve وbypass فيشرح نكد أنّها "قد تمنع الشخص من الإنجاب مدةً تراوح بين 6 أشهر وسنة، بسبب نقص الفيتامينات بعد إجراء العملية".
وأضاف "في السنوات الـثلاث الأخيرة، بدأت تظهر حالات لفتيات في العشرين، يعانين ضعفاً في مخزون المبيض، ومن المحتمل أن يكون سبب هذه الظاهرة هو فيروس كورونا واللقاح".
كما أنّ هناك أسباباً أخرى لإصابة النساء بالعقم، منها التهابات بالرحم أو انسداد الأنابيب، ووجود دم في الحوض أو ما يعرف بداء البطانة المهاجرة أو أكياس على المبيض، وهو ما يدفع بالمرأة إلى التلقيح الاصطناعي".
الخطوات والتكلفة
وفي سياق متّصل، كشفت مصادر طبية لـ"الصفا نيوز" أنّه على الرّغم من أنّ تكلفة دورة الإخصاب الصناعي ترتبط بالمتطلّبات الخاصّة بحالة كلّ مريض، هناك ثلاث خطوات رئيسة لكلّ دورة:
الخطوة الأولى- المعالجة التمهيدية التي تشمل الاستشارة الأولى واختبارات الدم والأدوية:
خلال الاستشارة الأولى، يقوّم الطبيب تاريخ المريضة الطبّي ويضع خطة علاجها. اعتماداً على حالة كلّ مريض، قد تكون هناك حاجة لإجراء المزيد من الفحوص مثل اختبارات الدم وتحليل السائل المنوي. ويبلغ معدّل تكلفة الزيارة الأولى حوالى 150 دولاراً أميركياً.
الأدوية اللازمة لتحفيز البويضات تكلّف مبلغاً يراوح بين 700 و 1200 دولار أميركي.
وتبلغ تكلفة اختبارات الدم المطلوبة خلال دورة الإخصاب الصناعي تمن 300 دولار إلى 400.
الخطوة الثانية- دورة الإخصاب الصناعي، وحقن الحوَيْنات المنوية داخل البويضة وزرع الأجنّة.
تعتمد تكلفة الجراحة على عدد الإجراءات الإضافية، ومع ذلك فهي تراوح بين 2000 دولار و 3000. تستغرق العملية يوماً واحداً ويمكن الشخص مغادرة المركز في اليوم نفسه. يشارك طبيب تخدير محترف ذو خبرة أثناء إجراء عملية سحب البويضات. وتشمل العملية الخطوات الآتية:
- إجراء سحب البويضات.
- نقل الأجنّة.
- حقن الحوَيْنات المنوية داخل البويضة.
- الرعاية الصحّية في المركز.
الخطوة الثالثة- تقنيات علمية متقدّمة مثل التشخيص الوراثي قبل الزر ع (PGD)، واختيار الجنس، وما إلى ذلك.
الآثار النفسية للتلقيح الاصطناعي
"لا شكّ أنّ للتلقيح الاصطناعي آثاره النفسية على الزوجة والزوج على السواء"، تقول المتخصّصة في علم النفس، الدكتورة لانا قصقص، لـ"الصفا نيوز"، "هي عملية ثقيلة على الشريكين، إلّا أنّ المرأة تتأثّر أكثر بسبب تلقّيها هرمونات وخضوعها لعدّة جلسات طبية وعلاجية، وهو ما يسبّب لها ضغطاً نفسياً ومشاعر قلق كبيرة لعدم إدراكها نتيجة العلاج. كما أنّ هذا الإجراء يؤدّي إلى تقلّبات في المزاج بشكل مكثّف وتغيير في الوزن وفقدان الشهية وارتفاع نسبة القلق والخوف، وقد تعاني من الأرق بسبب الهرمونات".
أمّا بعد انتهاء عملية التلقيح، فإذا جاءت النتائج إيجابية، تفرح المرأة كأيّ امرأة أخرى حامل، إلّا أنّ الخوف من خسارة الجنين ستكون مضاعفة مقارنة بالمرأة الحامل بشكل طبيعي. تتابع قصقص "أمّا إذا لم يتكلّل التلقيح الاصطناعي بالنجاح، فسيشعر الزوجان بالخسارة، أو الحداد النفسي، والخذلان والعجز والفشل. في هذه المرحلة تكون كلّ امرأة بحاجة إلى شيء معيّن. ما من قاعدة واحدة تطبّق على جميع النساء، فالبعض منهن يكن بحاجة إلى الدعم النفسي والإحاطة، في حين يحتاج قسم آخر إلى استقلاليته، إلّا أنّ الدعم الزوجي في الحالتين مهم جداً. ويجب أن يأخذ الشخص المدّة الكافية للاستراحة، وتخطّي هذه المرحلة والتخلّص من المشاعر السلبية والحداد".
أنواع العلاج
في الإطار نفسه لفتت راوية عيتاني، وهي “ميتا كوتش” متخصّصة في علاقة الصورة الذاتية، إلى أنّ "الدراسات تنقسم حول أثر الصحّة العقلية والنفسية في علاجات الخصوبة. إلّا أنّ المؤكّد أنّ المرأة خلال فترة التلقيح تتعامل بشيء من الخوف والخيرة مع الضغط النفسي والقلق المرتبط بمستقبل مجهول، والضغط المتعلّق بالعلاقات مع الشركاء والعائلة والزملاء، والتكاليف المالية. ويمكن أن يؤدّي التوتّر إلى الشعور بالاكتئاب والقلق، والضيق الشديد. وتشمل المشاعر التي قد تواجهها المرأة أثناء علاج الخصوبة: "القلق، سرعة الانفعال، الاكتئاب، الغيرة، الحزن، الانعزال. مع العلم أن العلاج النفسي يحسِّن فرصة المرأة في رحلة العلاج للخصوبة".
إذاً، ما الذي يمكن المرأة فعله للحفاظ على صحّتها العقلية والنفسية عند مواجهة مشكلات الخصوبة وعلاجها؟
تجيب عيتاني عن سؤال "الصفا نيوز" قائلة "بالعلاج السلوكي المعرفي (CBT)، وهو شكل من أشكال العلاج النفسي الذي يؤكّد على أهمية دور التفكير الإيجابي، ويعلّم الشخص أنّ الأفكار يمكن أن تؤثّر في ما يشعر به وما يفعله. فضلاً عن التركيز الذهني الكامل، إذ أصبح استخدام تطبيقات التركيز واليقظة الذهنية شائعاً كأداة علاجية تعلِّمنا كيف نصبح على دراية بالأحاسيس الموجودة في جسدنا، ثم تعمل على زيادة الوعي لدينا لتنظيم عواطفنا وأفكارنا".
كما تلفت عيتاني إلى أهمّية اليوغا "تمّ استخدام اليوغا لأغراض الشفاء منذ آلاف السنين، فهي رياضة تجمع التمارين الجسدية وتمارين التنفّس لخلق تجربة تأمّل واسترخاء. كما يمكن الاستعانة بالكتابة التعبيرية،التي وتتضمّن التدريبات والمذكّرات اليومية. إذ وجد الباحثون أنّه على الرغم من أنّ القلق والضيق المرتبطَين بالعقم لم ينخفضا بشكل ملحوظ، فإنّ الأشخاص الذين شاركوا في مجموعة الكتابة التعبيرية قد انخفضت لديهم أعراض الاكتئاب".
آثار فشل التلقيح الاصطناعي
وتابعت عيتاني "يمكن أن تكون الخسائر العاطفية لفشل التلقيح الاصطناعي هائلة. قد يتسبّب فشل التلقيح الصناعي في جعل الأزواج يشعرون بالضياع والدمار. ولا بد أن يشعر الزوجان بالحزن وخيبة الأمل والإحباط. وهناك حزن وغضب وشعور بالذنب. كلّ هذه المشاعر تؤدّي إلى الاكتئاب بعد فشل التلقيح الاصطناعي. وإجراء عملية التلقيح في ذاته أمر مره. الآن، إذا فشلت الدورة، فإنّ الخسائر العاطفية ستكون هائلة. يرتبط فشل التلقيح الاصطناعي بمشاعر الحزن والإحباط وفقدان القدرة على الإنجاب. خلال هذه الدورة يتعيّن على المرء أن يأخذ العديد من الأدوية ويخضع لإجراءات غازية. وهذا استنزاف عاطفي وجسدي. والعملية أيضاً مرهقة لوجود شكوك مرتبطة بالنتيجة. ويمكن أن يؤدّي فشل دورة التلقيح إلى الشعور بالذنب والعار وعدم كفاية الزوجين. ويصبح من الصعب عليهما تجاوز هذه المشاعر والبقاء إيجابيين. وبعد فشل التلقيح الصناعي، يعاني المرء من تدنّي احترام الذات. فيؤدّي هذا إلى عدم الثقة بالنفس وعقدة النقص".
وأّضافت "يتسبّب الاكتئاب بعد فشل التلقيح في إجهاد العلاقات بين الشركاء. ويؤدي إلى الصراعات والضيق العاطفي. ويسبّب أعراضًا جسدية مثل التعب وفقدان الشهية واضطراب دورة النوم. وهذا كله يؤثر في الصحّة العامّة. وكذلك يمكن أن يؤدي فشل التلقيح إلى عزل الناس عن التجمّعات الاجتماعية، وجلب الشعور بالوحدة والحزن".
وفصّلت عيتاني بعض الأساليب للتعامل مع فشل التلقيح الاصطناعي، أولاً، اِمنحْ نفسك وقتاً للحزن ولمعالجة خيبة الأمل. يجب أن تحزن على الخسارة وتطلق العواطف. يجب أن تعلم أنّه من الجيّد أن تشعر بكلّ أنواع المشاعر. ثانياً، اطلب الدعم. اعتمد على شريكك وعائلتك وأصدقائك. تحدّث إلى مستشار أو انضم إلى مجموعات الدعم للتعامل مع الضيق العاطفي. ثالثاً، اعتنِ بنفسك جسديًا وعاطفيًا. تناول أطعمة صحّية ومارس الرياضة واحصل على قسط كافٍ من النوم. مارس تقنيات الاسترخاء مثل التأمل واليوغا. رابعاً، ركّز على علاقتك. فشل التلقيح الاصطناعي يمكن أن يشكل ضغطاً على علاقتك. في مثل هذه الأوقات، من الضروري تمضية بعض الوقت مع شريك حياتك. خطط للمواعيد ودعوات إلى العشاء وابحث عن طرق للتواصل عاطفيًا".