في خطبة الموازنة، لم يخرج رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عن عادته المألوفة. مشاكس، لمّاح، لا يستثني من رسائله لا خصماً ولا حليفاً. لا يزعجه القول إنْه سيكون خارج التسوية متى استمرّ على خلاف مع الكلّ. وجوده في المعارضة يريحه ويريح تياره.
من مجلس النواب، قال باسيل مخاطباً رئيسه نبيه بري من موقعه كأحد طرفي الثنائية إنّ تنظيم عمل الدولة لا يكون بـ"السلبطة" ولا بالفوضى الدستورية، وتالياً لا يجوز لجمهورية أن تكون بلا رأس. فلا يفرح المسيطرون على الرئاسة وصلاحياتها أيّا كانت أسبابهم، لأنّهم يسيطرون على جسم مريض ويلحقون الأذى بالناس. ينتقد رئيس التيار كيف أنّ كلّ الذين في السلطة يمارسون مهماته غير مبالين بغياب رئيس للجمهورية، وهو ما اعتبره ضرباً للطائف وانقلاباً على مفهوم الدولة وسلوكاً يُساهم في هجرة الناس لبلدهم.
وتوجّه باسيل إلى الثنائي بالقول إذا كنتم تعتقدون أنّ الرئاسة تتمّ بين غالب ومغلوب والانقلاب على نتائج الانتخابات النيابية فهو خطأ فادح، فعملية كسر الإرادة لن تؤدّي إلى حلول. وفي لعبة الغالب والمغلوب فإنّ الوطن سيكون هو المغلوب حُكماً.
عين التيار كما عيون غيره، على جبهة الجنوب الساخنة، وعينه الأخرى على الحراك الرئاسي الذي لم يتبلور بصيغة ملموسة أو يتجسّد في تقارب أو حلحلة قريبة. علاقته مع حزب الله وملاقاته إلى خيارات الحزب الإستراتيجية والوقوف إلى جانبه في جبهة الجنوب في مواجهة إسرائيل لم تغير موقفه، فتجزم مصادره قائلة إنّ سليمان فرنجية لن يكون رئيساً وإن انتُخب سيفشل". لذا فقد توجّه باسيل إلى الثنائي بالقول "تعالوا إلى كلمة سواء أي إلى حوار حول الرئاسة وتوقّفوا عن المكابرة". على أنّ شكل الحوار الذي يقصده باسيل ليس على شاكلة ما يدعو إليه بري، أي حوار جامع بلا أفق أو وقت محدّد، بل"حوار ثنائي أو ثلاثي". فلباسيل عتب على طريقة تعاطي الثنائي مع الشأن الرئاسي "بالفرض"، وإذ يدعو الثنائي إلى الحوار "أخاطبكم بقلب مفتوح وعقل منفتح".
انتخاب الرئيس خطوة أولى على طريق بناء الدولة، وإلّا فجميع التضحيات ستذهب سدىً.
فخلاف باسيل مع الحزب على الرئاسة لم يمنعه من مساندته في الحرب ضد إسرائيل، وفي حراكه الأخير "كنّا العصب لكي لا تروح الكنيسة في اتجاهات جنونية ولا تذهب قوى 14 اذار السياسية نحو الفدرالية، وجمعناهما حول فكر رئاسي من دون أن نذهب إلى أماكن أخرى"، وتتابع مصادر التيار "واهمٌ من يعتبر أنّ هذا ليس شأناً مهماً" لتعيد التأكيد على "أنّ حركة التيار في يده وهو الوحيد القادر على الدعوة للحوار".
وبواسطة رئيس المجلس ومن خلاله، صوّب رئيس التيار على القوات اللبنانية، التي غادرت مبدئية موقفها من الجلسات النيابية والتشريع "المرّة الوحيدة التي تقاطعت فيها مع برّي كانت على ضرب الدولة والتمديد لجوزف عون والتشريع المفتوح". أي أنّهما "اتّفقت على أذية الآخرين، وحين اختلفا ذهبا للحوار بالبارودة في الطيونة". تقول مصادر التيار القيادية "إن شبكة الحوار التي يملكها التيار لا يوفرها أيّ طرف أو أيّ مكوّن آخر". وتضيف المصادر "واهمٌ من يعتبر نفسه قوياً لأنّه يعاند ولا يحاور، وينتظرنا كي نصبح جثّة سياسية ليحكم الشارع المسيحي، ويأخذ خيارات مدمّرة، ومن يعتقد أن بإمكانه أن يجرّنا إلى خيارات خارجة عن إرادتنا فهو واهمٌ أيضاً"... وفي إشارة واضحة إلى القوات تصيف المصادر "مخطئ من يعتقد أن التيار معزول، ولم يعد بوسعه أن يتحرك، فالأصحّ أن لا أحد يمكنه أن يتحرّك ما لم يتحرّك التيار"، مذكّرة بأنّ "الحركة الوحيدة التي تمّت هي تلك التي أطلقها باسيل وكان الدينامو الأساسي فيها، وبعده لم يبادر أحد أو يملك القدرة على المبادرة".
يتابع التيار حراك اللجنة الخماسية. يقصده الموفد القطري كلّ مرّة يزور فيها لبنان، ويتشاوران بشأن الأسماء والمواصفات. كان يعتزم السفراء الخمسة زيارته لكن سفارة المملكة اتصلت معتذرة عن زيارته وآخرين. أما مصادره فتعكس موقفاً مغايراً لتعاطي الآخرين الذين يرون في حراك الخماسية مؤشّراً إلى انتخابات قريبة، مسلّمين بتوجهاتها، وليست القوات اللبنانية بعيدة عنهم، "مع احترامنا لنيات بعض الدول التي تساعدنا، ولكنه استحقاق سيادي وداخلي وحين نتّفق داخلياً على رئيس نستعين بتلك الدول، وليس العكس". وفي ما تلقفته من معلومات، فإنّ طروحات الخماسية فارغة من أيّ مضمون سيادي وتقتصر على الأسماء، بينما نفترض البحث في المشروع الرئاسي". وتتابع المصادر "إذا التزم بعض الفرقاء ما تقول الخماسية، وبقينا وحدنا ندافع عن الدستور والقانون فلا بأس". وتعتبر أنّ "أي اتفاق أو تسوية بلا التيار يعني مساومة لإبقاء مكوّن أساسي خارج المعادلة. والإبقاء على التيار خارجاً يعني مشروع إحباط وتفشيل للرئيس".
لا تدّعي المصادر أن للتيار قدرة على الإفشال "لكن المؤكّد أنّ لدينا القدرة على ألّا نكون جزءاً من أيّة تسوية لا تخدم لبنان". وتسأل "كيف تؤدّي التسوية لخدمة لبنان إذا كان مكون أساسي يمثّل شريحة واسعة من اللبنانيين خارجها، وتُمارس بحقّه لعبة الإبعاد والإقصاء؟".
في ظلّ الوضع الأمني المتردّي وجبهة الجنوب المشتعلة فـ"لا حديث مع حزب الله ولا مع أيّ طرف له علاقة بالرئاسة"، تتابع المصادر نفسها. وهذا لا يعني أنّ "العلاقات مقطوعة بل أنّ حوار المرحبا قائم، وحزب الله حالياً مكربج ومكربج معه الرئاسة، ولا نعرف مدى ربط نفسه بغزّة، لكن المؤكّد أنّه رابط نفسه بسليمان فرنجية، وهذا مسار لن يوصل إلى أيّ مكان. وقد حاولنا أن نجد له مخرجاً من خلال تسوية تشمل الإصلاحات البنيوية، ولكن لم يؤدِ الحوار بشأنها إلى أيّ مكان".
لا يمكن مكوّناً أساسياً بحجم حزب الله ألّا يدرك أهمّية رئاسة الجمهورية والاستقرار في عملية بناء الدولة، ولذا لم يقطع التيار الوطني "الأمل في أنّ حزب الله المدافع عن الأرض لن يدخل في تسويات فاسدة أو ظالمة لحكم هذه الأرض". هذا ما جعل رئيسه جبران باسيل يسأل حليفه ماذا ستقول لعائلة الشهيد علي حدرج "أنّ أولادكم يستشهدون وفي ظهركم منظومة تسلّط وكلّنا سوا مش قادرين نعمل شي؟". سؤال يحاكي المرحلة والقائمين عليها لتنتهي باعتبار انتخاب الرئيس خطوة أولى على طريق بناء الدولة، وإلّا فجميع التضحيات ستذهب سدىً.