أصبح واقع الطّرق في لبنان مزرياً ودموياً، إذ تحوّلت الطرق العامّة والجسور إلى قنابل موقوتة تنذر بخطر الموت نتيجة حادث أو فيضان أو سيول. وجاءت القرارات الوزارية العبثية من توقيف امتحانات القيادة إلى توقيف المعاينة الميكانيكية، لتزيد الطّين بلّة. فبعدما كان لبنان في طليعة الدول العربية التي اعتمدت المعاينة الميكانيكية توقّف هذا القطاع رغم الحاجة الماسّة لتطويره وضبطه خارج قاعدة الصفقات. وقد بات الشبّان والشابّات يقودون سيّاراتهم على الطرق دون رخص قيادة، مهدّدين أمنهم وسلامتهم وحياة غيرهم من المواطنين، بعد توقّف قسري عن تنظيم امتحانات السوق في مختلف مراكز هيئة إدارة السير والآليات في جميع المناطق اللبنانية، منذ خريف العام 2022 أي منذ أكثر من سنة. ونتيجة هذه "الخبصة"، سجّلت طرق لبنان ارتفاعاً كبيراً في نسب حوادث السير والقتلى والجرحى.
ارتفاع عدد القتلى بنسبة 20%
في هذا الإطار، تحدث إلى "الصفا نيوز" الدكتور زياد عقل مؤسس الجمعية التي تعمل على التوعية المتصلة بالسلامة المرورية الـ"يازا"، قال "نتيجة الأزمة الاقتصادية الحالية، انخفضت القدرة الشرائية للمواطن اللبناني، في ظلّ غياب المعاينة الميكانيكية، ما منعه من إجراء حتّى معاينة ميكانيكية ذاتية، تطالب بها "يازا" دائماً، بدءاً من التحقّق من الإطارات، والمكابح، وصولاً إلى ممتص الصدامات، ومسّاحات الزجاج والإنارة، فكل هذه القطع تحتاج إلى ميزانية في حين أن مدخول المواطن لا يسمح له بتأمين هذه اللوازم. كل ما سبق يجعل الخطر مضاعفاً على الطرق ونحن في الـ2024 نخشى من ازدياد خطر الحوادث على الطرق".
الدولة استحصلت على قرض من البنك الدولي مقداره 200 مليون دولار
وشرح "نسبة الحوادث في لبنان انخفضت في العامين 2021-2022 نتيجة أزمة كورونا والأزمة الاقتصادية، إذ تراجعت حركة النّقل داخل البلد كثيراً، أمّا في الـ 2023 فقد عادت الحركة إلى طبيعتها، مع ارتفاع بنسبة 20 في المئة في عدد القتلى. ونحن، جمعية "يازا"، ناشدنا المواطنين والدّولة أكثر من مرّة تحمّل مسؤولية السلامة المرورية بجدّية".
وأضاف عقل "كما أنّنا عملنا ونعمل على نشر التوعية بشأن أهمّية السلامة المرورية، عبر منصّاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام، والمؤسّسات التعليمية، والمؤسّسات العسكرية، إلّا أنّ هذه الندوات وحدها لا تنفع، بل هي تحتاج إلى تكافل الجهود الرسمية والمدنية".
وكشف أنّ "الدولة استحصلت على قرض من البنك الدولي مقداره 200 مليون دولار، ووقع خلل بصرفها، وهو ما تتحمّل مسؤوليته الدولة. فمن غير المقبول أن تكون الدولة عاجزة عن إجراء صيانة لطرق حيويّة كالأوتوستراد الساحلي لبيروت وطريق ضهر البدر، وفي المقابل تنفق الأموال على طرق أقلّ أهمية".
واعتبر عقل أنّ ما جرى هو "فضيحة مدوّية، أن تتوقّف امتحانات القيادة لأكثر من سنة و3 أشهر في حين أن المعاينة الميكانيكية متوقّفة منذ عامين، ونحن بهذا الواقع نضيف فوضى إلى الفوضى الحاصلة، والبلد يتراجع إلى الوراء في ظلّ غياب دور وزارتي الداخلية والأشغال بالقيام بعملهما وواجباتهما تجاه السلامة المرورية وتطبيق القانون. أمّا هيئة إدارة السير والآليات فمشلولة بشكل كامل"، مذكّرا "في أعوام الحرب 1975 -1990 لم تتوقّف رخص القيادة، والمطلوب اليوم هو الجدّية بالتعاطي في هذا الموضوع من قبل الوزارتين المسؤولتين عن هذا الملف في حين أن الأموال تصرف في التجاذبات والمحاصصة لمصلحة مناطق على حساب أخرى".
وعن وجوب تعديل القوانين اعتبر عقل أنّ "المطلوب أولاً تطبيق القوانين قبل تعديلها، فالمشكلة ليست في نصّ القانون بل في الغياب شبه الكامل للتطبيق".
ارتفاع في عدد الحوادث
في سياق متصل، كشف لـ"الصفا نيوز" الباحث في الدّولية للمعلومات محمد شمس الدين، أنّ "حوادث السير في العام 2023 بلغت 2303 حوادث مقابل 2113 حادثاً في العام 2022، والخطورة في عدد القتلى الذي ارتفع من 359 في الـ 2022 إلى 439 في الـ 2023. وأعداد الجرحى ارتفعت من 2366 إلى 2726 وهذا يعني أنّ الحوادث أصبحت أكثر دمويّة، وأخطر من قبل، ويسقط نتيجتها عدد أكبر من القتلى". وإلى ذلك ارتفعت نسبة ضحايا حوادث السير 22.3% وفي المقابل، كانت نسبة الزيادة في عدد الحوادث 9%".
وعن الأسباب قال شمس الدين إنّها "تعود إلى عدّة عوامل، منها وضع الطرق الرديء وانعدام الإنارة، وانعدام الرقابة والسرعة الزائدة والقيادة تحت تأثير المخدرات. بالإضافة إلى أنّ معظم السيارات في لبنان عمرها أكثر من 10 سنوات. وبسبب تراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين لا تخضع هذه السيارات إلى صيانة بشكل دوري، ما قد يؤدي إلى حوادث مفاجئة".
في الإطار نفسه، كشف تقرير أعدّته الدولية للمعلومات أنّ الازمة الاقتصادية- المالية التي يشهدها لبنان أدّت منذ نهاية العام 2019 إلى انكماش اقتصادي كبير وتراجع في حركة الاستيراد بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار والعملات الأجنبية مقابل الليرة اللبنانية. ومن السلع والآليات التي تراجع استيرادها وبيعها السيارات الجديدة. ففي ظلّ القيود المصرفية على السحوبات النقدية، وامتناع المصارف عن اعطاء القروض الميسّرة لشراء السيارات كما كانت تفعل قبل الأزمة، شهد سوق بيع السيارات الجديدة تراجعاً كبيراً إذ بلغ عدد السيارات الجديدة التي بيعت 4,702 سيارة مقابل 6,152 سيارة في العام 2020 و21,991 سيارة في العام 2019.
تحذير أمني
بدورها اعتبرت مصادر أمنية التقاها موقع "الصفا نيوز" أنّ "عام 2023 ولأوّل مرّة منذ عدّة سنوات، شهد نسبة ارتفاع هائلة بعدد القتلى في حوادث السير، ففي السنوات الأخيرة لطالما شهدنا تراجعاً في نسب الحوادث والقتلى أمّا العام الماضي فكان مختلفا".
وأرجعت المصادر الأسباب بالدرجة الأولى إلى "إعادة تنشيط العمل، وعودة النّاس إلى حياتهم الطبيعية، بعد فترة كورونا التي كان لها تأثيراً إيجابياً بتخفيض حوادث السير"، مضيفة "كما لعب الوضع المعيشي وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين دوراً كبيراً في ارتفاع عدد الحوادث، فضلاً عن غياب المعاينة الميكانيكية وغلاء قطع السيارات وتهالك البنى التحتية للطرقات وغياب الإنارة والإشارات الضوئية بالإضافة إلى الغرامات التي أصبحت غير رادعة. حيث أنّ غرامة مخالفة إشارة "ممنوع الوقوف" هي 50 ألف ليرة، أمّا بدل الموقف فيبدأ من 300 ألف ليرة ما يشجّع المواطنين على مخالفة القوانين".
وحذّرت المصادر الأمنية من احتمال ارتفاع عدد الحوادث في 2024 خصوصاً مع توقّف عمل هيئة إدارة السير، حيث أّنّ أعداداً كبيرة من الشباب أصبحوا يقودون السيارات دون دفاتر قيادة. ولم يخضعوا لتعليم القيادة في مدارس مخصّصة بهذه الدروس بل تعلّموا القيادة بطريقة عشوائية".
وعن الحلول التي يجب اعتمادها في هذا الإطار اعتبرت المصادر أنّ "الحل يحتاج إلى ورشة عمل كبيرة لقطاع إدارة السلامة المرورية، تبدأ من وضع سياسة واستراتيجية وخطط عمل متعدّدة تطال جميع الإدارات الخاصّة والعامة المعنية بهذا الموضوع، وتطبيق قانون السير بشقّيه التنظيمي والإداري. حيث يجب إعادة انتظام عمل المجس الوطني والمؤسّسات الأخرى المعنيّة بالموضوع ورفع غرامات قانون السّير لتصبح رادعة والعمل على تأهيل البنية التحتية للطرقات، والتشجيع على إعادة المعاينة الميكانيكية وتحسين المداخيل، بالإضافة إلى إرساء خطّة شاملة للنقل المشترك. وهذه الأخيرة قادرة على حلّ جزء كبير من الأزمة الاقتصادية، ومساعدة من أصبحوا تحت خطّ الفقر وانتقلوا من الطبقة المتوسطة إلى الفقيرة بعد تراجع الأجور والمداخيل".
واعتبرت المصادر أنّ "هناك مسؤولية تقع على المواطن أيضا، فالدولة بحالة شبه إفلاس، وهنا يتوجّب على المواطن اللبناني أن يلعب دوره الطبيعي وأن يكون مسؤولاً عن حياته وحياة غيره".