اكتسحت المنتجات العضوية في السنوات الأخيرة الأسواق، فتصدّرت واجهات الرفوف في المتاجر، وكثُر حديث خبراء التغذية عنها حتى أصبحت "ترند" يشجع الجميع على اعتمادها في نمط حياتهم.
ولعلّ أبرز الأسباب الكامنة وراء الانتشار الواسع لهذه الظاهرة، بعدما كانت محصورة بمحالّ الأكل الصحّي فقط، هو زيادة الوعي المجتمعي بشأن أهمّية تناول أغذية صحّية غير معالجة، ولم يدخل في تصنيعها أيّ نوع من المواد الحافظة، ولم تشهد زراعتها إحدى المواد الكيميائية التي تتسبب في أمراض صحيّة، قد تصل إلى أمراض سرطانية، تاركةً آثاراً سلبية على صحّة الانسان وجهاز مناعته.
فما هي الزراعة والأطعمة الـ organic أو العضوية؟ وهل هي فعلاً صحيّة أكثر من المنتجات الأخرى؟
ما هي الزراعة العضوية؟
في هذا الإطار، يبيّن المهندس الزراعي سيدريك سرّوع لـ"الصفا نيوز" أنّ "الزراعة العضوية أو الغذاء العضوي هو الطعام الذي ينتج بنظام زراعي يتجنّب استخدام الأسمدة الاصطناعية والمبيدات الحشرية وعوامل النمو والإضافات الصناعية للأعلاف الحيوانية والكائنات المعدلة وراثياً، مراعياً في ذلك كله التشريعات في البلد الذي تنتج فيه، وتُترك المزروعات لتنمو بشكل طبيعي. يعدّ المبدأ الرئيسي للزراعة العضوية هو استخدام كلّ المواد الطبيعية في العناصر، مثل استخدام الأسمدة العضوية التي تُصنع من مخلّفات الحيوانات، أو النفايات العضوية، كبديل رئيسي للأسمدة الكيميائية، بالإضافة إلى ذلك، يتمّ تقليل استخدام المبيدات الحشرية عن طريق إزالة الأعشاب الضارّة من حول المحاصيل وتقليمها بشكل مستمرّ".
أهمّية الزراعة العضوية
وأضاف "تُعتبر المحاصيل التي تنمو من الزراعة ذات جودة وصحية، مقارنة بالمحاصيل التي يُستخدم العديد من المواد الكيميائية في أثناء زراعتها، أو تلك التي يتمّ تهجينها بالهندسة الوراثية".
وعن تأثير الزراعة العضوية على البيئة، قال سرّوع "تساعد الزراعة العضوية على تقليل تلوّث المياه الجوفية والأنهار السطحية بمخلّفات المواد الكيميائية، وذلك لاستعمال الأسمدة الطبيعية فيها والخالية من التركيبات الكيميائية كلّيًا. يساعد السماد العضوي على تحسين التربة الجافّة وجعلها خصبة وقابلة للزراعة مرّة أخرى، ويعتبر أكثر فائدة من الأسمدة الكيميائية التي تقلّل من جودة التربة مع مرور الزمن".
واعتبر أنّ "الزراعة العضوية واحداً من أهمّ الحلول للحفاظ على بيئة نظيفة وخالية من الملوّثات، وتُعدّ إحدى الطرائق الزراعية الصديقة للبيئة، وحلاً يسهم بشكل كبير في معالجة مشكلة الاحتباس الحراري".
سيئات الزراعة العضوية
وعن سيّئات الزراعة العضوية لفت سرّوع إلى أنّ "الآثار السلبية للزراعة العضوية، تنطوي بالدرجة الأولى على المزارع نفسه إذ يصبح انتاجه أقلّ لأنّ البذور غير معدّلة جنائياً، ما يعني أنّ مقاومة البذرة للأمراض يكون أقلّ من غيرها من البذور المعدّلة جنائياً، وهذا قد يخسّر المزارع انتاجه إذا أصيب الموسم بأيّ مرض. كما أنّ شكل المنتج من الخارج ليس بنظافة المنتج غير العضوي وحسن شكله. عدا أنّ الزراعة العضوية غير مناسبة لتلبية الطلب العالمي على الإنتاج، لأنّها لا تكفي حاجات السوق. كذلك تستهلك الزراعة العضوية أيدياً عاملة أكث. وهذا يرفع من كلفة الإنتاج، لأنّها تحتاج إلى مراقبة وثيقة للمزروعات، وإلى تنظيف الأرض دورياً، وإلى عناية أكثر".
ورأى سرّوع أن أحد أسباب ارتفاع الطلب على هذا النوع من المنتجات في لبنان "يعود إلى الاستخدام غير المسؤول للمنتجات الكيميائية في الزراعة، إذ ما من مشكلة في استخدام المواد الكيميائية في الزراعة بل تكمن المشكلة في الاستخدام المكثّف لهذه المواد، والذي يؤدّي إلى تخزينها داخل الفاكهة، ما قد يسبّب أمراضاً خطيرة للمستهلك، قد تصل إلى أمراض سرطانية، ومشاكل في الهورمونات. وهو ما يدفع إلى ارتفاع الطلب على هذه المنتجات وخصوصاً في لبنان حيث لا رقابة على المزارعين او على نوعية المحاصيل وجودتها".
أمّا الفلّاحون، وخصوصاً أصحاب الأراضي الكبيرة ذات المساحات الشاسعة، فلا يتحمّسون لاعتماد الزراعة العضوية بسبب كلفتها العالية، وأرباحها القليلة، كما أنّ انتاجها لن يكفي السوق اللبنانية، ولن يلبّي حاجات السوق الخارجي، وسيصعّب عليها المنافسة مع منتجات أخرى سعرها أقلّ. أضف أنّ القدرة الشرائية لمعظم المواطنين لا تسمح لهم بشراء هذه المنتجات".
اختلاف في الشكل والطعم والرائحة
في سياق متصل، قالت لـ"الصفا نيوز" رولا فرج، صاحبة مشروع Faraj vegetables and fruits للخضار والفاكهة والمونة العضوية "الفرق بين الزراعة العضوية وغير العضوية يظهر في حجم الثمرة التي غالباً ما تكون أكبر ومظهرها أجمل إذا خضعت لمواد كيميائية، ولكن معظم المنتجات غير العضوية تفقد الرائحة والطعم، كما أنّها تكون عرّضة للتلف أسرع من الفاكهة الطبيعية، وخالية من أيّ فائدة غذائية. وقد تتسبب بأمراض إذا كانت نسبة المبيدات والمواد التي أُدخلت إليها عالية".
وتابعت "عندما تدخل مواد كيميائية إلى المزروعات نحصل على شكل أكبر وأجمل أكيد، إلّا أنّنا نستهلك الأرض ونسمّمها ونلوّثها إذ نستخرج من الشجرة الفوائد والثمار بالقوّة، أي أنّنا نجبرها على أن تعطي ثمراً. وبهذه العملية لا نعطي الشجرة موادَّ طبيعية تعيد توازنها وتغذّيها، وهذا قد يضعف الشجرة أو الشتلة ويجعلها تموت ببطء".
ولم تنكر فرج أنّ الزراعة غير العضوية مكلفة، لأنّها تكلّف المزارع الكثير من المواد الكيميائية والأسمدة من أجل إبقاء المنتجات الزراعية بعيدة عن أيّ مرض أو خطر. وعلى الرغم من الكلفة المرتفعة للإنتاج فإنّ معظم الفلّاحين يفضّلونها على الزراعة العضوية لأنّها تعطي انتاجاً أفضل من حيث الشكل، وهو ما يجذب معظم المستهلكين الذين يفضلون الشكل على النوعية، وتالياً يصبح المزارع مُجبراً على اختيار هذا النوع من الزراعة لأنه يؤمّن له مدخولاً أكبر".
إقبال مرتبط بالقدرة الشرائية
وعن الأطعمة العضوية التي تنتجها، تشرح فرج "معظم المونة التي أحضرها هي من المحصول الذي أقطفه من أرضي، بدءاً من الباذنجان والتوم وزيت الزيتون "للمكدوس"، مروراً بالطماطم لربّ البندورة، ووصولاً إلى مختلف أنواع الخضار المستخدمة في "الكبيس" من لقطين فخيار ومقتي وجزر. حتّى دبس الرمّان والفليفلة من منتجات أرضي. وكذلك الفاكهة التي استخدمها في المربيات و"الكومبوت" من درّاق وفريز وكرز ومشمش وتفاح وليمون. وقد اضطرّ أحياناً إلى شراء المزيد من الخضر والفاكهة من مصادر أخرى لكون الإنتاج لا يكفي في تلبية الطلب، إلّا أنّني أتأكّد أنّ الخضار والفاكهة التي أشتريها قد زُرعت بطريقة عضوية مئة في المئة، فهذا ما يميّز منتجاتي الغذائية".
وعن الاقبال على هذه المنتجات تقول فرج "ألمس إقبالاً واسعاً، إلّا أنّ بعض زبائني يعتبرون منتجاتي غالية مقارنة بأسعار منتجات السوق، لذلك أستهدف بإنتاجي شريحة معيّنة من الناس، القادرة طبعاً على شراء هذه السلعة. فنحن حتى بطريقة التصنيع نعتمد الطرائق التقليدية، إذ نعقّم الأوعية بالبخار ونصنع المونة على الحطب، وعملية التحضير هذه قد تأخذ نحو 6 ساعات أحياناً، إلّا أنّ المذاق والفوائد الصحّية تختلف كثيراً عمّا يباع في الأسواق. فنحن لا نستخدم زيت القلي في المونة بل زيت الزيتون، وفي ما خصّ المربّيات نحرص على أن يبقى طعم الفاكهة بارزاً، حتّى الملح الذي نستخدمه طبيعي وليس مصنّعاً".
بين مشكّك ومؤيد
على مقلب آخر، تنقسم الآراء الطبّية بين من يشكّ في الأهمّية الغذائية للمنتجات العضوية وبين من يدعمها. هذا الانقسام انتقل إلى صفوف خبراء التغذية. إذ يعتبر بعضهم أنّ النظام الغذائي المقدّم للأطفال والذي يحتوي على ثمار من محاصيل الزراعة العضوية هو الأفضل، ويُصنّف على أنّه أفضل خيار للأطفال في أعمار مبكرة، إذ يرى أن تناول الأطعمة المزروعة بإضافة المواد الكيميائية إليها خطر على صحّة الأطفال، لأنّ الأطفال أكثر عرضة للتأثّر بالمواد الكيميائية السامّة التي تحتوي عليها بعض المحاصيل".
في المقابل، أشارت بعض الدراسات، ومنها دراسة طبّية نشرت في العام 2018 أجراها باحثون في جامعة ستانفورد، إلى أنّ تناول الأغذية العضوية ليس أكثر إفادة للصحّة، رغم كونها تحتوي على أقلّ معدّلات تأثير المبيدات على الجسم.
وفي تحليل أجري عام 2012 للبيانات من 240 دراسة، خلص الباحثون إلى أنّ الفواكه والخضر العضوية لم تكن قيمتها الغذائية، في المتوسّط، أكبر من نظيراتها التقليدية الأقل سعراً، ولم تكن احتمالات تلوّثها بالبكتيريا مثل "الإيكولاي" أو "السالمونيلا "أقلّ، وهو الاكتشاف الذي فاجأ حتّى الباحثين.
بعيداً عن الدراسات وآراء الخبراء، لا شكّ في أنّ العودة إلى الأرض وإلى الطرائق التقليدية في الطبخ والطعام هي خطوة صحّية وأكثر أماناً. يكفي أن نلقي نظرة على الصحّة التي يتمتّع بها أجدادنا لنستنتج أنّ غذاءهم كان صحّياً أكثر من غذائنا اليوم، ولكن تبقى مسألة الغذاء غير كافية في عصر السرعة والتعب والضغط النفسي ووسائل التواصل الاجتماعي الذي نعيش فيه. فلو صحّت عبارة "غذاؤك دواؤك" لاْختلف نمط حياتنا، وأصبحت الوظائف تتطلّب مجهوداً جسدياً أقلّ وفكرياً أكثر، ومن ثم لم يعد الغذاء وحده كافياً لصحّة وحياة أفضل. ولو اعتمد المزارعون على الطرائق التقليدية والصحّية في الزراعة لاصطدم القسم الأكبر منهم بمشكلة الريّ بمياه الصّرف الصحّي. وهذه الظاهرة تنتشر أكثر فأكثر في ظلّ غياب سياسة تكرير مياه المجارير وتوجيهها إلى الأنهر والينابيع مباشرة، وهذا ما يلوّث المنتجات الزراعية، التي، وإن لم تؤذِها المواد الكيميائية، تأثّرت سلباً بمياه الصّرف الصحّي.